كتَّاب إيلاف

تبقى وحيدًا وتقتل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بالإذن من الكاتب الياس الديري في كتابه القيِّم: "تبقى وحيدًا وتندم".

لعلَّ لا شئ يرمز إلى عزلة الفلسطينيِّين الخانقة اليوم أكثر من قتل الشيخ عزِّ الدين صبحي شيخ خليل في دمشق نهار أمس الأحد. وبغضِّ النظر عمَّا إذا كان شيخ خليل مسؤولاً قياديًّا في حماس أم لا، فإنَّ اغتياله في دمشق له دلالات كبيرة وخطيرة، لا سيَّما وأنَّه يتزامن مع ما أعلن من إغلاق مكاتب المنظَّمات الفلسطينيَّة في دمشق.
الفلسطينيُّون يقفون وحيدين الآن أكثر من أيِّ وقت مضى. وهم في وحدتهم مشتَّتون بين بقايا منظَّمة التحرير وعجز السلطة الفلسطينيَّة، والمكاتب المغلقة، والأكواخ المهدَّمة في المخيَّمات والأجساد المتشظِّية يأسًا وبطولة. هم وحدهم وسط عالم عربي رفع يديه يأسًا واستسلامًا للمقدَّر، والمقدَّر اليوم أميركيُّ الشكل إسرائيليُّ المحتوى، يدور في أمَّتنا قتلاً وقصفًا واغتيالاً، وفي عاملنا العربي نهبًا للموارد وغسلاً للدماغ.
وما يزيد في قُتمةِ الصورة هو أنَّ الشباب، الكتلة البشريَّة الأكبر في عالمنا العربي، أي أولئك الذين هم دون الثلاثين والذين تصل نسبتهم إلى أكثر من ستيِّن من المائة منه، قد استقالوا، كما يبدو لنا، أو أقيلوا من فلسطين: بعضهم منهك وبعضهم محبط وبعضهم غير عابئ. غير أنَّ مشكلة فلسطين - واسمها الاحتلال الإسرائيلي - لن تتخلَّى عنهم، بل ستتبعهم حتَّى إلى غرف نومهم. إنَّ المؤسَّسة الإسرائيليَّة لن تقبل باستسلامهم. إنَّها لا تريد أسرى حرب. إنَّها تمارس حرب إبادة حتَّى النهاية. والإبادة ليست قتلاً فحسب، بل تشريدًا ومنعًا لمتطلَّبات الحياة الكريمة أيضًا.
للمؤسَّسة الإسرائيليَّة بتفرُّعاتها السياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة - وهي في قلب الإدارة الأميركيَّة منذ زمن بعيد - ثلاثة أهداف أساسيَّة لا يجب أن تغيب عن أنظارنا:
أوَّلاً، ترسيخ القدم في فلسطين المحتلَّة. وهذا قد تمَّ إلى حدٍّ كبير على مدى القرن الماضي.
ثانيًا: هيمنة عسكريَّة على ما تبقَّى من الهلال الخصيب. وهذه الخطوة تتمُّ تدريجيًّا عبر احتلال العراق، وتطويق دمشق ولبنان.
ثالثًا، استباحة ثروات العالم العربي وخنق طاقاته وفتح أسواقه.
على الذين قرَّروا أنَّهم استقالوا من القضيَّة وسلَّموا للمقدِّر الأميركي – الإسرائيلي أن يتذكَّروا أنَّه ثنائي عدائي، متوحِّد في عدوانه على أساس عنصري ومصلحي، وأنَّه لا يمكن مواجهته عبر سياسة الخطوة خطوة، ولا سياسة الدولة دولة. فهو يطلب تنازلاً مقدمِّة لتنازلات أخرى، وحينما يركِّز قوَّته على دولة ما، تكون عبرة لدول أخرى.
لقد دأب هذا الثنائي على اللعب على التناقضات العربيَّة – عربيَّة. فهو يبدأ في مفاوضات مع طرف عربي، وبعد حصوله على تنازلات، وقبل تنفيذه ما التزم به، يغيِّر المسار باتِّجاه طرف عربي آخر. فيسرع الطرف الأوَّل إلى طرح المزيد من التنازلات خوفًا من أن يسرق الطرف الثاني الأضواء. ثمَّ يظهر أنَّ المبادرة باتِّجاه الطرف الثاني كانت بدون أساس، فيرتدُّ إلى الطرف الأوَّل، ولكن بشروط تعقبها تنازلات، وهكذا دواليك!
على الرغم من الضغوط الكبيرة التي يمارسها هذا الثنائي المتوحِّد في عدائه على دمشق ولبنان وفلسطين والعراق، لم نصل بعد إلى نظرة واحدة لكيفيَّة مواجهة المصير القاتم الذي ينتظرنا جميعًا، والذي يمكن استقراء ملامحه فيما يدور في العراق بعد فلسطين، مرورًا بما حدث في الحرب اللبنانيَّة واحتلال الجولان وحروب العراق والكويت.
كلُّنا فلسطين. فلسطين وحيدة اليوم. ومن يبقى وحيدًا يُقتل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف