كتَّاب إيلاف

الدين والمتدينون (4)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لقد قلت سابقاً أنّ ما يُقال عن العلاقة بين الدين والمتدينين يمكن أن يقال عن العلاقة بين الماركسيين والماركسية، بين الديمقراطيين والديمقراطية، فإن المفارقة بين النظرية والتطبيق بلاء شامل، وليس محصوراً بالدين، وهذه هي الأنظمة التي تدعي الديمقراطية تمارس أبشع صنوف التفرقة بين الشعوب، بل سبَّب أكثر من حرب عالمية آتت على كل الإنجازات البشرية الرائعة.
أسوق هذه المقدمة لتصحيح مسار نقدي راح في الأيام الأخيرة يعالج مشاكل المجتمع البشري بطريقة إنتقائية مخجلة ، حيث يحمِّل هذا الدين أو تلك الفلسفة ما يجري في العالم من عنف وظلم بشكل حصري قاتل!
الدين يقرّ بأنّ هناك حقوق الله، وحقوق الآخر، وحقوق الذات، ومراجعة بسيطة لنصوص الدين الصحيحة تكشف عن تقدُّم حقوق الآخر على حقوق الله، فالله يمكن يتساهل بحقوقه على البشر يوم الدين، يوم تقوم قيامة الوجود الكبرى، ولكن لا يتساهل بحقوق الآخر! وفي الحقيقة هذه مسألة في غاية الأهمية، ومن هنا ينبغي أن يفهم المتدين أنّ الدعوة إلى حقوق الآخر قبل الدعوة إلى حقوق الله!
كفر الرجل!
أليس كذلك ؟
الصلاة عمود الدين...
تلك حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، ولكن العمل الصالح عمود الوجود، والصلاة في كل بواعثها وأشكالها لا تخرج من دائرة العمل الصالح، فكل صلاة صادقة هي عمل صالح ولكن ليس كل عمل صالح هو صلاة.
أليس كذلك ؟
حقوق الآخر أهم من حقوق الله!
ترك الصلاة لا يهدم الوجود، ولكن التفريط بحقوق الآخرين يهدم الوجود... ولعله من هنا كان المقياس الكمي لمادة العمل أكثر من المقياس الكمي لمادّة الصلاة في النصوص الدينية الصحيحة.
ترك الصوم لا يخرب الحياة، ولكن قتل الناس جزافا يدمِّر الحياة، و تعطيل سير المرور يعرقل الإنتاج ، وتخزين السلع ينشر الفقر، وتغيير الأسعار خلسة يضر بالاقتصاد الوطني، وتعميم الأحكام يخلق الارتباك الاجتماعي...
ترك الحج لا يسبب حربا، ولا يسبب ظلما، ولكن التشكيك في عقائد الناس يخلق فوضى أخلاقية، والطلاق الأسود يعدم المودّة بين الزوج والزوجة، يجعل العلاقة الزوجية لزجة، تفوح منها رائحة الخيانة الخفية، والتلاعب في أقوات الناس يخلق ولادات مشوّهة...
حقوق الله تهم الله...
لا تضر الله....
لا تنفع الله...
ولكن حقوق الناس تهم الناس...
تضرُّ الناس...
تنفع الناس...
حقوق الله ليست عمود الوجود، بل حقوق الآخر هي عمود الوجود...
إذا لم تصل تضر نفسك، ولكن إذا غششت تضر نفسك والوجود معا!
بعض ( المتدينين ) يتخذ من حقوق الله المقياس الأول في اختيار الصديق ــ مثلا ــ، وفي تصوري أن المقياس يجب أن يكون حقوق الآخر في البداية.
هل يؤدي حقوق الله ؟
هذا هو السؤال الأول عند أغلب المتدينين
هل يؤدي حقوق الآخر ؟
هذا هو السؤال الأول في تصوري...
الله قد يغفر بخس حقوقه، ولكن لا يغفر بخس حقوق الآخر، هكذا يقول الدين، إذن حقوق الآخر مقدمة على حقوق الله بمنطق الدين نفسه، ولكن هؤلاء يؤكدون على حقوق الله قبل حقوق الآخر!
هؤلاء يسلكون هذا السلوك لان يريدون الخلاص من العطاء!
هؤلاء جرثومة معنوية، دمَّروا الدين والحق والعدل.
كم هو رائع السيد أبو الحسن الأصفهاني!
مات رحمه الله فخرج الأخوة اليهود العراقيون يبكون ويصرخون، يحملون نعشه بكل احترام واجلال وحزن وألم!
نعم!
لقد كان رحمه الله يوصلهم ليلا بحاجات فقراءهم سرا!
حقوق الأخر قبل حقوق الله...
هكذا يقول الدين...
فهل نعمل بهذه القاعدة العظيمة، يا فرسان ( الدولة الرسالية، والحزب الرسالي، والتكليف الشرعي، و الصلاة الصلاة الصلاة)؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف