كتَّاب إيلاف

رسالة إلى كُتّاب العراق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أعزّائي،
أعرف الإحباط الّذي‮ ‬تواجهونه وأنتم تقرؤون ما تنضح به‮ »‬عبقريّات‮« ‬سفك الحبر والدّماء القادمة إليكم من كتبة العربان‮. ‬أصارحكم القول،‮ ‬فأنا أيضًا أشعر بهذا الإحباط الّذي‮ ‬تشعرون به،‮ ‬إذ أنّه‮ ‬يبدو واضحًا لي‮ ‬الآن أنْ‮ ‬لا حَياءَ‮ ‬لمن تُنادي‮. ‬
عندما طاردكم سفّاح تكريت وعصابته القبليّة،‮ ‬وهجّركم إلى ما وراء النّهر وما وراء البحر،‮ ‬لم‮ ‬يلتفت إلى مآسيكم ومآسي‮ ‬شعبكم أيٌّ‮ ‬من هؤلاء الكتبة الأعاريب‮. ‬على العكس من ذلك،‮ ‬كانوا‮ ‬يتقاطرون إلى حضن سفّاح العراق‮ ‬يكيلون له المديح،‮ ‬فيكيل لهم هو من أموال شعبكم المنهوبة،‮ ‬فيستزيدهم فيزيدوه‮.‬
والحقيقة المرّة هي‮ ‬أنّهم دائمًا كانوا كذلك‮. ‬فدائمًا كانوا عبيدًا للسّلطان،‮ ‬كلّ‮ ‬سلطان‮. ‬ودائمًا كانوا عبيدًا للمال،‮ ‬كلّ‮ ‬مال‮. ‬لقد حقّ‮ ‬فيهم القول‮ "دينهم دينارهم‮". ‬أمّا أوهام العروبة والإسلام وما إلى ذلك من شعارات‮ ‬يرفعونها،‮ ‬ما هي‮ ‬إلاّ‮ ‬حيلة شعبويّة‮ ‬يستميلون بها الغرائز الحيوانيّة المتجذّرة عند العامّة والخاصّة‮. ‬نباحهم بشأن العراق أو فلسطين‮ ‬يعلو كثيرًا،‮ ‬لأنّه النّباح الوحيد الّذي‮ ‬تسمح لهم به سلطاتهم الاستبداديّة‮. ‬هذه هي‮ ‬العظمة الوحيدة الّتي‮ ‬تلقيها إليهم سلطاتهم،‮ ‬فيسارعون إلى تلقّفها،‮ ‬يتعاضضونها ويلهون بها‮. ‬إنّهم لا‮ ‬يجرؤون على ذمّ‮ ‬ملوكهم،‮ ‬رؤسائهم،‮ ‬أمرائهم،‮ ‬سلاطينهم وسرطاناتهم‮. ‬ولمّا كانت طبيعتهم الصّياح فقد وجدوا في‮ ‬العراق وفلسطين المكان المُباح لكلّ‮ ‬هذا النّباح‮. ‬
أعزّائي،
أريد أن أدخل الطمأنينة والسّكينة إلى قلوبكم‮. ‬فليس كلّ‮ ‬هذا النّباح الأعاريبي‮ ‬سوى دليل على إفلاس أهله‮. ‬وأستطيع أن أؤكّد لكم،‮ ‬أنّه بقدر ما‮ ‬يكون النّباح عاليًا،‮ ‬بقدر ما‮ ‬يكون ذلك تعبيرًا عن حجم الهزيمة الّتي‮ ‬هي‮ ‬من نصيبهم‮. ‬
وأنا لا أقول ذلك عبثًا‮. ‬فأنا أعرف ذلك من التّراث العربيّ‮ ‬البليد والتّليد‮. ‬إنّه جزء لا‮ ‬يتجزّأ من هذه التّركيبة الذّهنيّة‮. ‬فكلّما كبر شارب الواحد منهم متظاهرًا بالرّجولة،‮ ‬كلّما كانت رجولته الحقيقيّة في‮ ‬الحضيض،‮ ‬ولذلك فهو‮ ‬يستعيض عن رجولته المفقودة بشواربه الاستعراضيّة‮. ‬هكذا كان أمير شعرائهم،‮ ‬أو الملك الضّلّيل،‮ ‬مثلما أطلقوا عليه‮. ‬فشاعرهم هذا،‮ ‬وحامل لوائهم في‮ ‬النّار،‮ ‬هو أكبر برهان على ما أقول‮. ‬إنّكم تعرفون بلا أدنى شكّ‮ ‬كثرة تشبيبه بالنّساء،‮ ‬فطالما ادّعى في‮ ‬شعره بالبطولات الرّجوليّة في‮ ‬علاقاته بالنّساء،‮ ‬كما‮ ‬يكشف لنا ديوانه الّذي‮ ‬تعرفونه‮. ‬لكنّّ‮ ‬الحقيقة هي‮ ‬بالطّبع مخالفة لذلك تمامًا،‮ ‬وهي‮ ‬على‮ ‬غرار كتبة الأعاريب اليوم‮. ‬فبقدر ما كانت شعاراته وتبجّحاته الرّجوليّة كبيرة،‮ ‬بقدر ما كان في‮ ‬الحقيقة‮ ‬يُعاني‮ ‬من عياء جنسي‮. ‬ألم نقرأ بأنّه كان‮ "‬بطيء الإفاقة،‮ ‬سريع الهراقة"؟‮ ‬
وكذا كانت الحال مع بلاغات الأعاريب في‮ ‬حروبها مع إسرائيل‮. ‬فكلّما كانت الشّعارات الحربجيّة،‮ ‬المصريّة والسّوريّة والأردنيّة،‮ ‬عالية أكثر كلّما كانت حقيقة هزيمة العربان أكبر‮. ‬هل‮ ‬يخفى هذا على أحد؟‮ ‬كذا كان منذ عبد النّاصر وزعاق أحمد سعيد من صوت العربان،‮ ‬وحتّى بطولات وبلاغات الإعلامي‮ ‬المهزوم محمّد سعيد الصّحّاف،‮ (‬وعلى فكرة،‮ ‬أين هو في‮ ‬هذه الأيّام؟‮). ‬
أعزّائي،
لا تنتظروا من هؤلاء الكتبة الأعاريب شيئًا،‮ ‬فليس لديهم ما‮ ‬يعطونه سوى تكريس طباع العبوديّة الّتي‮ ‬ترعرعوا عليها ورضعوها عقيدةً‮ ‬وحضارة‮. ‬إنّّهم‮ ‬ينشدون الموت،‮ ‬وينشدون له الأشعار‮. ‬كذا كانوا منذ جاهليّتهم الجهلاء‮. ‬لقد ترعرعوا،‮ ‬ولا زالوا‮ ‬يترعرعون،‮ ‬حتّى هذه اللّحظة في‮ ‬المدارس والمساجد على أشعار العنف والموت والدم،‮ ‬جاهليّة كانت أم إسلاميّة،‮ ‬ظنًّا منهم أنّها خلاصة الشّعر والفنّ،‮ ‬بينما هي‮ ‬خلاصة العنف والكراهية وسفك الدّماء القبليّة والدّينيّة الّتي‮ ‬يرضعونها منذ الصّغر‮. ‬
أمّا أنتم الآن،‮ ‬فإنّكم تنشدون الحريّة والانعتاق من هذه العقليّة البائدة حتمًا‮. ‬بوسعكم أن تفعلوا شيئًا ما لوقف هذا المسلسل‮. ‬نبّهوا المسؤولين الجدد عن الثّقافة والتّربية والتّعليم في‮ ‬عراقكم الجديد إلى هذا الوباء العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬المزمن‮. ‬
أعدّوا له ما استطعتم،‮ ‬ليس من رباط الخيل،‮ ‬كما‮ ‬يأفكون‮. ‬بل من برامج عصريّة للتّعليم والانفتاح وحريّة الفكر وحريّة الإنسان كلّ‮ ‬إنسان،‮ ‬لأنّ‮ ‬هذه هي‮ ‬طريق الخلاص من حضارة الدّماء المتوارثة كابرًا عن كابر‮. ‬
هذا هو دوركم الآن،‮ ‬فهل تسمعون؟‮ ‬
تحيّاتي‮ ‬لكم‮.‬

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف