حتى في مرضه أفاد القضية الفلسطينية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عشية توقيع رؤساء دول وحكومات الإتحاد الأوروبي، في العاصمة الإيطالية روما، على وثيقة أول دستور موحد لأوروبا، كانت تحلّق في الأجواء الأوروبية طائرة فرنسية خاصة تقلّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في طريقها الى مستشفى " بيرسي " العسكري، في العاصمة الفرنسيّة باريس، بدعوةٍ من الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
وصل الرئيس الفلسطيني الى مستشفى بيرسي محاطاً برعاية فرنسية غير مسبوقة.
بهذه الزيارة الإستشفائيّة للرئيس عرفات الى فرنسا، تكون أوروبا الموحدة، ذات الدستور الواحد، قد فتحت ذراعيها للفلسطينيين، وأنشأت وضعاً دوليّاً انفراجيّاً للقيادة الفلسطينية تجاوز المصدات الإقليمية، وأحدث ثغرةً واسعةً في جدار الجمود الدبلوماسي الدولي، وفي الحصار المضروب على القيادة الفلسطينية، في فترة يشوب فيها الفتور والإمتعاض العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، بسبب تمايز المواقف الأوروبية اتجاه الصراع الفلسطيني " الإسرائيلي " وانحيازها في حالات كثيرة لصالح الجانب الفلسطيني، أو على أقلّ تقدير، عدم رضى الأوروبيين للإعتداءات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة. ذلكَ لأنّ المواقف السياسية الأوروبية من القضايا المختلف عليها بين الدول، تستند في الواقع الأوروبي الجديد الى خلفية وقوف المجتمعات الأوروبية الى جانب الحقوق الإنسانية، وحماية المؤسسات الدولية، وسيادة القوانين الدولية في النزاعات الإقليمية وغيرها.
الحقّ يقال، انّ الدول الأوروبية تبذل مساعي جادة لإيجاد حلّ عادل للصراع في الشرق الأوسط تتوافق عليه الأطراف المتنازعة، ووفقاً للقرارات الدولية، فكانت أوروبا طرفاً رئيسياً من الأطراف التي أوجدت خارطة الطريق.
المساعي المبذولة من الدول الأوروبية لحلّ النزاع الفلسطيني " الإسرائيلي " مردّه في الواقع الرغبة الأوروبية لإنهاء التوتر في الشرق الأوسط، ومنع تأثيره على الأمن والسلم العالميين. والمواقف الأوروبية تتصف بالموضوعية، ولطالما تصدى رموز الإتحاد الأوروبي لإدانة الجرائم الإسرائيلية، في الوقت الذي سكتت فيه الأصوات العربية.
المعروف أنّ أوروبا لم ترضخ لرأي الإدارة الأمريكية بإنهاء الإعتراف بالقيادة الشرعية الفلسطينية، ولم تتحقق رغبات شارون في هذا الشأن، بل بقيت تتعامل مع الرئيس عرفات باعتباره الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني، وتطالب الجانب الإسرائيلي بإنهاء الإحتلال والعودة للمباحثات السلمية.
مع انتهاء الحرب الباردة ازداد الإهتمام الإسرائيلي والعربي بالدور الأوروبي، بسبب أهمية هذا الدور في السياسة الدولية، وتعاظمه عبر المنظمات الدولية، مثل محكمة العدل الدولية.
وظهر دور الإتحاد الأوروبي جلياً عندما أقرّ البرلمان الدولي في 22 نيسان ابريل الماضي عرض موضوع جدار الفصل العنصري، الذي بنته " اسرائيل " في الأراضي الفلسطينية، على محكمة العدل الدولية في لاهاي.
كان عقد جلسات المحكمة الدولية، بحدّ ذاته، نصراً للقضية الفلسطينية، لأنّ المحكمة الدولية تعتمد في تناولها للقضايا المختلف عليها بين الدول على القانون الدولي، الذي همشته الإدارة الأمريكية الحالية في مجلس الأمن، وعلى معاهدة جنيف الرابعة. وكان لقرار المحكمة الدولية في، موضوع الجدار، أثراً على مواقف الحكومات الأوروبية لجهة عدم شرعية الجدار، ولجهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام. وتلك هي المرة الأولى التي يوضع فيها الكيان الإسرائيلي في قفص الإتهام أمام ملايين الأوروبيين، الأمر الذي أنتج ردوداً اسرائيلية انفعالية اتسمت بالعصبية والتوتر، حيثُ أطلق زلمان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي في 15 مايو أيار، تصريحا صحفياً اتهم فيه الإتحاد الأوروبي بالنفاق والرياء، بسبب ادانة الإتحاد الأوروبي لعمليات هدم المنازل في رفح، وعبرّ شالوم عن استيائه من إيرلندا التي كانت تتولى رئاسة الإتحاد الأوروبي.
جدد الإتحاد الأوروبي في بيان سياسي صدر عن القمة الأوروبية في 18 أيلول الماضي في بروكسل عدم اعترافه بتغيير الحدود الإسرائيلية الفلسطينية أو العربية بالقوة، وجاء في البيان " أنّ الإتحاد الأوروبي لم يعترف بأيّ تغيير يطرأ على حدود 1967.. وانّ خريطة الطريق تمثل السبيل الوحيد لتحقيق الحل التفاوضي لقيام دولتين.. "
وهنا لابدّ من الإشارة الى أنّ المواقف الأوروبية تستند الى العديد من التقارير التي تقدمها منظمات غير حكومية، ودراسات قانونية حول انتهاك القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة.
بعد معركة الجدار في لاهاي، فقدت الدبلوماسية الإسرائيلية تأثيرها على الحكومات الأوروبية بعدما كانت حتى وقت قريب تحدد لها الأدوار في العديد من القضايا التي تهمها. ذلك بسبب التغييرات التي طرأت على البنية السياسية الأوروبية من جهة، وبسبب زيادة منسوب التضامن المجتمعي والمؤسساتي والحزبي للقضية الفلسطينية منجهة أخرى. كلّ هذا يعني أنّ المجال الأوروبي بات متاحاً للدبلوماسية الفلسطينية والعربية. فزيارة الرئيس ياسر عرفات العلاجية الى فرنسا كأنّها جاءت في هذا الوقت لتعبيء الفراغ في الساحة الأوروبية من جهة، وتحقق للأوروبيين الأسباب التي تدفعهم للتحرك من جديد لإذابة الجمود السياسي بين الطرفين المتنازعين من جهة أخرى، وكسر الإحتكار الأمريكي المؤيد للكيان الإسرائيلي من جهة ثالثة. ووفق ما أعلنه خافير سولانا، يوم الثلاثاء في الثاني من نوفمبر الجاري، فإنّ وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي في بروكسل، سوف يعدّون في الأيام القادمة، مبادرة أوروبية سلمية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، استناداً الى خارطة الطريق، وبهدف قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب " دولة اسرائيل ". وقد وصفت مصادر اعلامية أوروبية بأنّ المبادرة الأوروبية الجديدة هي مبادرة سلمية استباقية، تمثلّ الصدمة التي تمنح الحياة لمسيرة السلام.
بهذه الزيارة الإستشفائية، يكون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قد أعادَ الإهتمام العالمي، من جديد للقضية الفلسطينية، وأبقاها حاضرةً أمام المجتمع الدولي. وبهذا يكون الزعيم الفلسطيني أبو عمار قد أفاد القضية الفلسطينية حتى في مرضه، كما أفادها بصحته وعافيته التي نتمناها له على الدوام.