كتَّاب إيلاف

هلع المسلمين وبيانات الحرب في هولندة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كما توقعت وحذرت، في الموضوع الذي نشر في إيلاف بتاريخ 4 نوفمبر، من عاقبة اغتيال ثيو فان كوخ، واعتبرته جريمة حمقاء ستقود إلى تداعيات خطيرة ومؤلمة في صفوف الجالية العربية والإسلامية، بدأت فعلاً الحملة المضادة بإلقاء قنبلة على مدرسة إسلامية للأطفال في ايدنهوفن، أثارت الرعب في نفوس الأطفال أنفسهم والهلع في قلوب عائلاتهم.
لم يقتصر الأمر على اغتيال ثيو بل صدر بيان على موقع إسلامي يقسم " بأن نجعل الحكومة والشعب الهولندي يدفعان الثمن غالياً ". وكأنما أراد البيان إعلان حرب وبدء القتال. ولكن القتال في نتائجه، مع غباء الإعلان عنه، سيأتي غير متكافيء بين طرفين أحدهما مرتهن لبلد يستضيفه ويوفر له أسباب المعيشة، ويستطيع في أي وقت يشاء أن يقول لمن يريد " مع السلامة ".

وفي موضوع آخر نشر لي في إيلاف بتاريخ 10 نوفمبر تحت عنوان " تهديد هولندا أم تهديد الجالية الإسلامية " أشرت فيه إلى أن استمرار العمليات الإرهابية والتهديد بالانتقام سيدفع بأكثرية المجتمع الهولندي إلى أحضان اليمين المتطرف فتجتمع هولندا ضد الجالية العربية والإسلامية وتقلص أمامها سبل الحياة وتزيد من معاناتها. ولم يكن يحتاج هذا الاستنتاج إلى رؤية نبوية، فقد أجمع من يعرف ظروف الجاليات الأجنبية في بلدان الشتات على أن لعبة الإرهاب خطيرة تنقلب ضد الجالية بكل تأكيد. وما حذرت وحذر منه المحللون والعارفون قد حصل وأصبح واقعاُ. بل واقعاً أسود. و إذا استمر الأمر على هذا المنوال فسيقود إلى مآسي حقيقية بخصوص الجالية العربية والإسلامية التي أخذت ترعد من جراء الضربات الانتقامية الأخيرة ضدها.

لقد تلقت المرافق الإسلامية 15 ضربة في يوم واحد على مدارس وجوامع ومؤسسات : في ايندهوفن وروتردام وغروننغن وايسلشتاين وهويزن وفيغل. وللمرة الثانية تمّ ضرب مدرسة الأطفال في ايدنهوفن. ومن المؤكد بأن هذه الضربات وفي أماكن مختلفة ومتباعدة في هولندا تشير إلى مدى قدرة اليمين الهولندي على إلحاق الأذى بالجالية العربية والإسلامية، وهي تشير أيضاً إلى التوتر والتأزم بين الهولنديين والجالية.

ومن الطبيعي أن يدخل الرعب في قلوب الجالية وتشعر بالعزلة وبالاضطهاد، فهي غير آمنة في سكنها وفي تجوالها وفي أماكن عملها. كما أنها مرتعبة على مصير أطفالها وأرزاقها. ومن الواضح بأن هذه "الحرب الصغيرة" التي بدأت من المرشح لها أن تتوسع وتلحق الويلات بالجالية العربية والإسلامية. وفي هذه الحرب لا يخسر الهولنديون ـ أهل البلاد والمضيّفون ـ بل تخسر الجالية التي جاءت إلى مجتمع آمن واضطرت إلى مغادرة أوطانها الأصلية لكي تعصرها الأزمة النفسية والاقتصادية في بلدان اللجوء بسبب عصبة صغيرة من المسلمين الأصوليين الذين أعلنوا الحرب المجانية على من يخالفهم في الدين وفي العادات والتقاليد، مملوئين بالحقد الأيديولوجي والعمى الديني، لا يهمهم مصير الآخرين.

يقدر عدد الجالية الإسلامية في هولندا بحوالي 944000 نسمة، وتقدر المخابرات الهولندية في رصدها للنشاطات الإرهابية بأن 150 إلى 200 مسلم راديكالي فقط يشكل خطراً على البلاد. والواقع أنهم يشكلون خطراً على حوالي مليون مسلم كما أثبتت الأحداث، بحيث أن قتل ثيو فان كوخ ومن ثم إعلان الحرب على " الحكومة والشعب الهولندي "، وأخيراً تفجير قنبلة يدوية وجرح أفراد من قوى الأمن أثار المجتمع الهولندي وقربه من اليمين المتطرف الذي كان يناهضه ويجادله. وفي المقابل أثار الرعب في قلب الجالية الإسلامية بحيث طلبت المنظمات الإسلامية التي تمثل هذه الجالية حماية البوليس خوفاً على أرواح رعاياها كما نقلت صحيفة " هيت بارول ". ونقلت عنها أيضاً " ليس ثمة ضحايا حتى الآن، ولكن الضربات الانتقامية تزداد". ومع كل هذه الحقائق القاسية التي يمكن تلمسها ببساطة في الحديث مع أي فرد من أفراد الجالية العربية والإسلامية إلاّ أن بضعة ممسوسين بنظام عقلي مغلق على إشهار السيف والقنبلة لايمكن لها رؤية الحقائق، ولا يمكنها تلمس رعب الناس، أو هي لا تعبأ بمحنة من يشاركها في اللغة وفي الدين. لقد هددت " سرايا التوحيد " مجدداً بضربات انتقامية ؟ وكأنها تريد وتستطيع إسقاط إمبراطورية الغرب الكافر. أية مهزلة فكرية، وأية محنة ستعيشها جاليتنا العربية التي تضنى في المهجر من جراء التشرد من أوطانها ومن جراء البحث عن لقمة العيش لها ولعائلتها، في الوقت الذي تجعل هذه العصبة حياتها جحيماً.

لقد رصدت صحيفة "هيت باروول" موقعاً إسلامياً في الإنترنت فاستغربت من مئات الرسائل المنشورة التي تحتفل بقتل ثيو فان كوخ وهي تدعوا إلى الحرب المقدسة. ويبدو جلياً إننا نعيش عصابا خطيراً ـ فبينما يقتل إنسان وتضرب مؤسسات وتحرق، و يتضرر مليون عربي ومسلم، ثمة من لا تعنيه المشاعر والتعاطف والأخلاق الإنسانية مطلقاً، بل تعنيه رائحة الدم ومذاق الحقد. على أية حال، إن ما يحدث في هولندا يهدد بالتوسع ليجتاز البلاد إلى بلدان أوربية أخرى تعيش فيها الملايين من الجالية العربية والإسلامية. لذلك يطرح سؤال موضوعي : ما إذا ستكون أحداث هولندا مجرد بداية. وعندما تقدم لنا الأخبار الأخيره عن ضربة اخرى حصلت في بلجيكا يكون من المنطقي أن نتخوف من امتدادها الى بلدان اوربية اخرى.

لقد تخوفت المفوضية الأوربية من سلسلة الضربات ضد المؤسسات الإسلامية في هولندا وقالت : إنها ليست مشكلة خاصة بهولندا، إذ يمكن أن يحدث هذا في عموم أوربا. وضح هذا أنطونيو فيتورينو الناطق الرسمي باسم المفوضية العدلية. والواقع إن أوربا الغربية حبلى وهي تضيّق الخناق على اللاجئين والمهاجرين إليها. وفي أزمتها الاقتصادية والاجتماعية تشخص نظرها على المهاجرين الوافدين إليها. لذلك فإن أعمال الإرهاب التي لا تمس إلاّ سطح بنيتها وتكوينها الراسخ، تمنحها الذرائع ليس فقط للتضييق على الجاليات وحرمانها من العمل والمساعدات الاجتماعية بل أيضاً اتخاذ الإجراءات القانونية بتسفيرها وطردها.

إذاً أية حرب مقدسة يديرها إسلاميون متعصبون ضد الغرب الكافر!، وهم لا يضرّون به إلاّ قليلاً، بينما يضحّون في ساحة حربهم بملايين من " إخوانهم " وأبناء جلدتهم المسلمين.

مقالات ذات صلة:

مازن الراوي
حرية الاختلاف ثمنه طلقة!

تهديد هولندا أم تهديد الجالية الإسلامية

د. كامل النجار
الشهيد ثيو فان كوخ

جاسم المطير
عن مقتل ثيو فان كوخ

مايك كولت وايت
قلق بين كتاب ينتقدون الاسلام


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف