حجرة في بركة المثقفين الراكدة في شرم الشيخ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ندوة "النشر والرقابة في العالم العربي"، المنعقدة اليوم الأحد في شرم الشيخ، قال الناقد المصري جابر عصفور إن "كل الانظمة العربية تتحدث عن الاصلاح والديمقراطية وعندما ننتقل الى دائرة التنفيذ نجد المسافة بعيدة جدا بين الشعارات والممارسات". كما وصف آخرون صورة العالم العربي بأنها "قاتمة" فيما يتعلق بقضايا القمع الذي شددوا على أنه منتشر على امتداد العالم العربي "بل ان انتهاكات حرية التعبير لا تختلف من بلد (عربي) لآخر إلا في الكم." هذا ما جاء في وكالة رويترز. ووضح بأن "مجموعات التطرف الديني مضادة للدولة المدنية لانها تسعى لاقامة دولة دينية تقدم تفسيرا واحدا للدين وتختزله في تفسيراتها" مشيرا الى ما وصفه بالارهاب المعنوي يأخذ شكل الاتهام بالتكفير وتهديد المبدع بكلمات "تتحول الى ما يشبه الرصاص".
الكلام جميل ومعقول وظريف وجد مُداعب...ولهذا السبب أنهلا يحرك ساكنا في هذا العالم العربي البائس... الكلام هذاسهل اطلاقه وقد سمعنا به عشرات المرات، ويمكن سماعه في كل مكان دون ان يغير شيئا ما: لا يزيد ولا ينقص... مجرد خطاب منبري في صحراء ليس لها مواطنون... وبالتالي فإنه كلام متواطئ مع جوهر ما يجعل العالم العربي "قاتما" ووكر موت وإرهاب. ذلك أن الغرض الحقيقي وراء هذا الكلام هو تشويه مفهوم حرية التعبيرالتي لاتتجلى إلا كممارسة واضحة الموقف
1- من الدين نفسه وليس من تفسير واحد
2- من مناهج التربية المسؤولة عن دمار المجتمع العربي كله
3- من عمليات الإرهاب والاغتيال والخطف
4 من إغتيال ناشطة إنسانية جريمتها أنها تساعد الفقراء
5- من مفجري عملية طابا،
6 - من مختطفي القاصرات القبطيات
7- من تحريم الجسد وتجسيد التحريم
8- من استعباد التعبير وتسميم الخبز
9 - من سياسة التعليم(على الكراهية)في العالم العربي
10 - منقضية الترجمة الهادفة تشويه ثقافة الآخر،التي يشرف عليها نفسه عصفور جابر.( وسنبرهن على ما نقوله في مقال آخر).
جابر عصفور يعمل في إدارة الحكم ويدير مهاما ثقافية مهمة في النظام المصري... ومع هذا يتكلم في جنوب سيناء على شاطئ البحر الأحمر... ألا يعني هذا ان "حرية التعبير" موجودة في مصر. وإلا كيف يسمح له النظام المصري بأن يصرح "كل الانظمة العربية تتحدث عن الاصلاح والديمقراطية وعندما ننتقل الى دائرة التنفيذ نجد المسافة بعيدة جدا بين الشعارات والممارسات."؟ الجواب بسيط لأن كلمة "النظام العربي" أصبحت الشتيمة التي يرددها القتلة الحقيقيون في النظام المصري نفسه، النظام السوري، الأردني، الليبي، التونسي الخ. فالشتم اليوم أضحى متنفس المشتوم. وما المثقف العربي اليوم سوى هذا الذي أخذ النقد، بفضله، يذود عن بيضة ما يستحق النقد والتحطيم. ومحاكاة لما فكر به الشاعر السوريالي المصري العظيم جورج حنين، يجب أن نتخلى أحيانا من لغة تبدو نقدية والقطيعة معها لأنها، ربما كانت ذات يوم، تعبيرا عنهدف حر، لكنها اليوم أضحت، بلا أي شك، مجرد مفردات خطبتمسح بالنبل جباه ملقحي جسد الإنسان بالعبودية.
نقطة أخرى: صرح في نفس المؤتمر شوقي عبد الامير بأن استمرار وجود كتاب في جريدة "هو أحد مؤشرات الانتصار على الرقيب في العالم العربي"!!! لا أعرف أي مؤشر انتصار!!! وعلى اية رقابة!!، في إعادة نشر، مثلا، مقتطفات للجاحظ مستلة عشوائيا، في "كتاب في جريدة"، بينما كتب الجاحظ متوفرة بأبخس الأسعار وخصوصا الكتابات التي فعلا لها دور تربوي وتنويري. وأي تهديد للرقابة في اعادة نشر أشعار أدونيس، درويش، صلاح عبد الصبور، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، جمال الغيطاني الخ وكل هذه الأعمال متوفرة في كل الأسواق.. هل تم اعادة نشر كتب كـ "الإسلام وأصول الحكم"، "مستقبل الثقافة في مصر"، او كتب تتناول الاستبداد الديني وجذوره، او الثقافة الجنسية.
إن واحدا من سلسلة الكتاب الشهري الذي تطبعه جريدة "الأحداث المغربية" لهو أفضل مئة مرة ويهدد حقيقة الرقابة العربية، من كل ما قام به "مشروع "كتاب في جريدة". ومع هذا فإن "الأحداث المغربية" مستمرة به دون ضجيج ومشهدية كما نراها في مؤتمر المثقفين الكذاب هؤلاء في شرم الشيخ. ناهيك ان لا علاقة لكل هيئة تحرير كتاب في جريدة بقضية التربية وهي الأساس وراء مشروع اليونسكو "كتاب في جريدة"، وهنا احد الأسباب الرئيسية التي جعلت اليونسكوا ان ينسحب من هذا المشروع.
أيها الذين يطيب لهم تسمية مثقفين، إن المساهمة الثقافية الحقيقية التي يمكنكم القيام بها خدمة للجماهير هي ان تكفوا عن ان تكونوا مثقفين (كما نادت ذات مرة روزا لوكسمبورغ)... ثرثارين تسمع الجماهير جعجعتهم ولا ترى طحنا. كلوا واشربوا واسكتوا... علكم تنتجوا عملا إنسانيا واحدا، يغفر صمتكم إزاء مشاكل العالم العربي الحقيقية... نعم إنها حاضرة، دوما، لكن في جوارير مؤتمراتكم المشهدية.
لكل أمة النظام التي تستحق. اشتداد وطأته ينم دوما عن خطب مثقفيه المجبولين من سلطته التسلطية. والنظام هذا لايؤسس ثقافته من خلالمجاهري المطالبين بحرية الكلام اللامجدي، بل يخلق كذلك جوا مشبوها من الحرية النسبية لاحتواء كل من ظن أنه قادر على فعل المحرّم. كما أنه يخلق معمعة من المناقشات "النقدية" التي لطبيعتها المتواطئة لا يمكنها التأثير حتى على العسكري ورجل الدين المتربصين بزلّة لسان في نهاية الشارع، عند منعطف الكتاب.