هل سنأكل القطط والكلاب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أعتقد أن الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، قد بدأ يحس بسخونة الانفلات السكاني في مصر والوطن العربي، وبضرورة تحضير طعامه قبل حصول الكارثة، فأصدر فتوى، وما أكثر الفتاوى في هذه الأيام، يحلل بها أكل القرود والكلاب والقطط والذباب والفراشات والجرذان، وكل ما اشتهته النفس، ما عدا الخنزير، فكم هو محظوظ هذا الحيوان، وأعتقد أن أبقار الهند ستحسده على منزلته المنجسة عند الله، فلقد حماه من الموت الزكام على أيدي اليهود والعربان، وتزيين الموائد بلحومه البنفسجية، بينما حلل ذبح كل ما يرى وما لا يرى من كائناته، والتهامه دون فحوص مختبرية، أو موافقة طبية. أما إذا مضغنا لقمة واحدة منكهة خنزرياً، فالويل، ثم الويل لنا، فقد نكون قد ارتكبنا معصية تغضبه تعالى، وترمينا في أتون جحيمه!.
باختصار شديد، لا يحق لنا أكل لحم الخنزير إلاّ إذا بدأنا بالتهام لحوم بعضنا البعض، أي أن لحم الخنزير يساوي بنجاسته لحم الإنسان، ولا يسمح الله بأكلهما إلاّ في الحالات الاضطرارية. ولا تتعجبوا إذا سمعتم إنساناً مؤمناً مثلي يتضرع لربه كي يمسخه خنزيراً، عله يتخلص من جهل أخيه الإنسان وطائفيته، وينعم بعطفه وحمايته كخنزير يدب آمناً على وجه هذه البسيطة.
تقول الحكاية أن أحدهم مارس الجنس مع قرد، فأهداه القرد على طبق من ذهب جرثومة الأيدز ـ السيدا، التي أهلكت الإنسان في مشرق الشمس ومغربها، ولم تهلكها جميع الأدوية التي ابتكرها العلماء من أحل مكافحتها.. فماذا سيصيبنا إذا بدأنا بالتهام القرود دون رقابة صحية؟.. من المؤكد أن القرود ستتنعم بحياة أزلية، وستفنينا نحن عن بكرة أبينا!.
وفي آسيا، تقول حكاية أخرى، أن مرض (السارس) انتقل للإنسان عن طريق الكلاب، فكيف سنمضغ لحم كلب ونحن نرتجف خوفاً من (سارسه)، وكيف سأقنع زوجتي التي تحب الكلاب كثيراً، بأن الشيخ عبد الحميد الأطرش قد سمح لنا بذبح كلبتنا (ليلي) وتزيين مائدة العيد بها؟. والله والله ستحلف علي بالطلاق ثلاثاً، وقد لا تعود إلى عصمتي، ولو أفتى بذلك فنانها الخالد المفضل فريد الأطرش، وليس الشيخ عبد الحميد الأطرش.
ألا تكفينا إنفلونزا الطيور، التي امتنعت نصف البشرية عن تناولها بعد البلبلة الصحية التي أحدثتها في العالم، لدرجة منعتنا من السفر إلى آسيا الصفراء، والتنعم بنكهة دجاجات عمنا الكولونيل طابخ الـ ( KFC )، الذي استبدلها بالأسماك كي يحمي مملكته التجارية من الانهيار. وماذا سنقول أيضاً عن جنون البقر، فلقد جنّن أوروبا كلها، وكاد يجنن قارة أميركا الشمالية، بالإضافة إلى أمنا الحبيبة أستراليا؟. فإذا كانت الطيور والأبقار التي اعتاد الانسان على التلذذ ب لحوم ها منذ تكونت البشرية قد أرعبتنا جميعاً، فماذا سيحدث إذا بدأنا بمضغ الذباب والفئران والصراصير والعقارب والعناكب والهوام؟ هذا ما يجب أن تقرره المختبرات الطبية قبل دعوة الناس إلى حشو إمعائهم بها. ومن منا لم يقرأ ما سببته الفئران، أيام أجدادنا، من نقل مرض (الطاعون) من بيت إلى بيت، حتى حصد من أبناء آدم ما لم تحصده الحربان العالمية الأولى والثانية، رغم فتكهما وضراوتهما. أما إذا بدأنا بالتهام الذباب والبرغش (الناموس)، فسيلتهمنا مرض الملاريا حتى آخر مخلوق فينا.. عندئذ لن تنفعنا الفتاوى، ولا من يفتي بها.
ثلاثة أرباع البشرية تأكل الخنزير، وتتلذذ بلحمه، حتى أن شركات تعليب البطاطا والمقبلات على أنواعها تنكّه مأكولاتها المعلبة بلحم الخنزير المجفف، فلماذا سمح الله لهؤلاء بأكل الخنزير وحرّمه على آخرين؟.. وإني لأتساءل: ماذا سيأكل الإنسان في الحالة الاضطرارية إذا خيّر بين لحم خنزير أو لحم فأر أو لحم صرصور أو كلب؟بدلاً من أن يفتي سماحته بأكل الكلاب والقطط والجرذان، كان الأجدى به أن يفتي بتحديد النسل، وأن يمنع تعدد الزوجات، وأن يطالب بإعداد دراسات علمية متطورة من أجل تخصيب الصحارى العربية، وزرعها بالقمح والأرز والملوخية والباذنجان وغيرها، كي لا يضرب شعبنا الجوع والمرض والموت، ويحصد الأخضر واليابس، مع العلم أنني لست ضد التلذذ بكل ما خلق الله لنا من خيرات حيوانية وحشراتية.. تماماً كما يفعل الصينيون، شرط أن تشتهيه النفس.. فإذا كانت نفس نبينا العربي العظيم لم تشتهِ الضبّ الذي التهمه خالد بن الوليد، فما أصعب ما تشتهي أنفسنا.