تغلغل الطائفية فى مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"كل أصدقائى من اليهود و ليس لى أى تحفظات على جنسهم"
"اليهود هم جيراننا و أصدقاؤنا"
"تربينا و لعبنا و تعلمنا مع اليهود"
هكذا بدأ المشهد الأول من مسرحية هزلية تنتقد المجتمع الألمانى و الإضطهاد الذى عاناه اليهود تحت الحكم النازى، فيتوالى الممثلون واحد تلو الآخر مرددون لكليشيهات تعبر عن علاقة كل منهم "الطيبة" مع اليهود، فى حين أنه فى ركن آخر على خشبة المسرح مضاء بضوء خافت تظهر مجموعة من الأفراد اليهود و هم يتعرضون إلى كافة أشكال الإهانات و التفرقة و الإضطهاد قبل أن يساقوا جميعا فى طوابير إلى معتقلات العمل. و هنا يخرج مرددوا الكليشيهات و كأنهم لا يدرون بما يحدث لليهود ليرددوا فى صوت واحد كليشيه أخير: "فكيف إذن يجرؤ أحدا أن يتهمنا هنا فى المانيا أننا نكره اليهود أو نسيئ معاملتهم".
و أثارهذا المشهد خواطر كثيرة فى أعماقى، فهذا تماما هو رد فعل غالبية المصريين الذين تحدثت معهم فى إطار البحث الميدانى لدراستى للماجستير فى القانون الدولى لحقوق الإنسان بقسم القانون بجامعة إسيكس بإنجلترا، و الذى كان عنوانه "تأثير التحول إلى الديمقراطية على حماية الأقلية القبطية فى مصر". و الرسالة تحاول أن تجد حلولا قانونية لإسترداد الحقوق المشروعة للأقباط التى تمكنهم من الحصول على حقوقهم كأقلية (و هذا مصطلح قانونى طبقا لتعريفات القانون الدولى لا ينقص من شأن الأقباط من شئ بل فقط يفرض على الحكومة الإلتزام بتوفير الحماية الكافية لأفراد الأقليات وهو ما ترفضه الحكومة المصرية بشكل غير قانونى بإستمرارها فى المماطلة و عدم الإعتراف بوجود أى أقليات فى مصر مخالفة بذلك القانون الدولى)، أو كأفراد مصريين يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة كما يكفلها الدستور و كما تدعى الحكومة.
و بدأت أسترجع: "غالبية أصدقائى من المسيحيين..تربيت مع المسيحيين..لعبت مع المسيحيين و أنا صغير.. درست فى مدارس مسيحية..كنا نتبادل الزيارات و الوجبات فى المواسم و الأعياد مع المسيحيين..إلخ"
هكذا كان رد المواطن المصرى المسلم مثلى : من القهوجى الذى لمح الصليب على أحد الكتب التى كنت أستخدمها فى بحثى فحدبنى فى البداية بنظرة متقززا ، أو الآخر الذى عندما ترامت إلى أذنيه أطراف حديثى مع زميل عن حقوق الأقباط تزمربشكل ملحوظ ثم ظل يردد "تحيا مصر" كلما مر من أمامنا و كأنه قد عثر على مخطط لإلحاق الضرر بمصر، إلى أمين المكتبة و موظف دار الكتب اللذان قررا على شكل إنفرادى و دون أن يعلم أحدهما بالأخر أن "يحققا معى" لمجرد سؤالى عن كتب تتعلق بتاريخ الأقباط أو بقضاياهم. ولم يختلف رد فعل اساتذة الجامعة و رجال الدولة و رجال الدين الذين تحدثت معهم كثيرا عن رد فعل عامل المقهى الذى إتضح بعد مناقشة قصيرة أنهم يعتبرون كل الأبحاث و الكتب مليئة بالكذب و "كراهية لمصر"، و أن مجرد إهتمامى بهذا الشأن هو إهانة شخصية لهم.
و هكذا الجميع يتشدقون بنفس الكلمات و الإستدلالات و الإستفهامات و الإتهامات و كأنهم قد أخذوا "كورس " فى الرد عن موضوع حقوق الأقباط، فالجميع يتحدثون بنفس الإسطوانة و نفس النغمة و يعبرون عن الإحساس بالإهانة التى تعرضوا لها نتيجة طرح الموضوع وكأنها أشد الما عليهم من ما يتعرض له الأقباط فى مصر. و بالطبع فالإستنتاج- إن لم يكن التساؤل الملح- هو " كيف يجرؤ أحدا إذن أن يتهمنا نحن هنا فى مصر أننا نكره المسيحيين أو نسيئ معاملتهم؟"
و فى حين أننى لست خبيرا فى علم النفس أو الإجتماع أو الأنثروبولوجيا فأنا لا أستطيع أن أحلل مثل هذا السلوك، بل سأتركه أمانة فى أيدى أصحاب الصنعة من خبراء هذه المجالات للبحث و التفسير و التشخيص و العلاج. و لا أنا أبتغى مقارنة المانيا و أوروبا و ما حدث لليهود فيها بمصر و ما يحدث فيها لغير المسلمين، فلقد إضطهدت النازيةاليهود لأنها رأتهم كجنس أدنى، أما نحن فى مصر فالمسلمون و المسيحيون تجمعنا إلى حد كبير حضارة و أصل مصرى واحد. إلا أننى بدأت أدون ملاحظاتى المتعلقة ببحثى العلمى، على الرغم من أنها لم تستخدم إلا فى إعطائى فكرة عامة عن الصورة الكبرى لفهم ما يحدث فى مصر.
فعلى الرغم من تفاوت المستوى الفكرى لهذه المحاورات خاصة من ناحية الحجة و تبرير الأسباب، فإن هناك عامل مشترك يشكل نمطا واحدا و مذهلا فى تطور تلك المناقشات، ألا و هو أنها جميعا تدخل فى أوجه مختلفة الشكل و المضمون بحيث أن يختلف الوجه الأخير ب180 درجة عن الوجه الأول للحوار مع نفس الشخص. لدرجة إننى عندما أسمع إحدى هذه الكليشيهات أعرف مقدما كيف سينتهى الحديث. و إنصافا للحق يجب أن أسجل أنه كانت هناك حالات نادرة حيث إنتهى محدثي من النقاش كما بدأ إما بموقف عدم القبول للآخر القبطى ، أو بالقبول الشديد والتعاطف بل الحماس لأهمية العمل على إيجاد حلول لمشاكل الأقباط فى مصر. أما الغالبية العظمى فهى موضوع قلقى وملاحظاتى عن وجهة نظرهم ورؤيتهم وهى ما تقوم عليه هذه المقالة. و من أجل إيجاد أسلوب منطقى لعرض هذه الملاحظات فقد قمت بتقسيمها إلى ثلاثة وجوه عامة:
الوجه الأول: هو وجه المحبة والإخوة و هو أيضا وجه الإنكار التام لأى تفرقة بين الأقباط و المسلمين، و يستند فيه محدثي طبقا لثقافتهم على أدلة للمحبة و الأخوة من سعد زغلول و الوحدة الوطنية إلى المحبة و عرفان الجميل عند الإقباط الذين لم ينسوا أبدا أن المسلمين قد "أنقذوهم من بطش الرومان" إلى المحبة التى كانت بين "أمى و الست أم جرجس" اللتان كانتا تتبادلا الطبيخ فى الأعياد والمناسبات. وتنهال الأدلة من القرآن و الحديث على أنه "لا أكراه فى الدين" وأن الإسلام قد أوصانا بأحترام "أهل الكتاب". و أيضا تنهال أمثلة كثيرة من التمثيليات و المسلسلات المصرية و العائلات المسيحية التى تظهر بها و أنه لا أكثر من دليل على الحب بين أقباط و مسلموا مصر من زواج"تريزا من محمود"! بل و يمتد الإستدلال إلى "العلاقة الطيبة" بين "البابا و الحكومة و الموائد الرمضانية و العزومات الأزهرية، وندوات التسامح الدينى الحكومية إلى آخره مما ينشره الإعلام الحكومى.
وشرط إستمرار هذا الوجه هوإستمرار ى فىالإيماء برأسى علامة الإتفاق على ما يقال. إما إذا إصريت على أنه هناك حقيقة أخرى مؤسفة بل و مؤلمة تعكسها أعمال العنف ضد الأقباط (خاصة فى الصعيد) و التى يقع بعضها تحت تعريف الإضطهاد، وكذلك التفرقة المنظمة التى تمارسها الحكومة فى مجالات التعليم و التوظيف و الإعلام و التمثيل السياسى وأيضا الضغوط التى يتعرض لها المسيحيون من الحكومة و الأفراد و التى لها تأثيرها السلبى على قدرتهم على ممارسة شعائرهم المقدسة، إلخ، فهنا يدخل الحوار فى الوجه الثانى.
و يتسم الوجه الثانى: بالإعتراف الجزئى ب"بعض المشاكل" التى يواجهها الأقباط من طرف بعض "المتخلفين"، و لكن "الحمد لله إن الحكومة بصدد حل هذه المشاكل" و هى "على إتصال دائم بالبابا"! و طبعا ما يقصده هنا محدثى هو أنه لا يتعدى على حقوق الأقباط إلا قلة من الجهلاء و الخارجين عن القانون، و أنه دون بعض الحالات العابرة فإن المسلمين و الأقباط يعيشون سواسية دون أى نوع من الإضطهاد أوالتمييز. و غالبا ما لا ينسى محدثى أن يذكرنى بأن كل هذا هو من صنع الأقباط فى الخارج الذين يوهمون أهلهم فى مصر بأنهم مضطهدون و ذلك بإيحاء من أمريكا و على الأخص "اليمين المسيحى المتطرف و اللوبى اليهودى"! وقد يستمر هذا الوجه حتى أشير بأننى غير مقتنع بما أسمع، و بأن ما يعانيه الأقباط فى مصر هو أسوأ من مخالفات قد يتسبب عنها مجرد شخص جاهل أو مجموعة من الجهلاء. و هنا يظهرقد الوجه المختلف تماما.
و هو الوجه القبيح: و الذى يعتبر أن كل مشاكل المسيحيين هى تخيلية و من إيحاء نكراء الجميل الذين يعيشون خارج مصر، و هوأيضا نفس الوجه الذى يعبر فيه عن رفض عميق لغير المسلمين من المصريين و لحقهم الشرعى فى المواطنة الكاملة. و تظهر في هذا الوجه بعض الشئ العقلية المعقدة التى تختبئ وراء الوجه الأول، فنسمع من نفس الشخص الذى كان يتحدث من دقائق عدة عن المحبة و الإخاء و الصداقة و الوحدة الوطنية بأننا "نعاملهم هنا أفضل مما يعاملوننا فى الخارج" و كأن مسيحيو مصر تجمعهم قومية واحدة مع الأمريكيين و الأوروبيين. و قد يتحدى البعض بطلب "أدلة" على كل "هذه الإدعاءات"، وكأنه ليست له القدرة على الرؤية بنفسه! . و قد يرد نفس محدثى بتعليقات لا تنم إلا عن جهل عميق و عدم قبول للآخر، فعلى سبيل المثال "لماذا تطالب بإذاعة قداس الأحد و هم جميعا يذهبون إلى الكنائس، أى لمن سنذيع القداس؟ أو أن مصر هى دولة إسلامية (و هذا حقيقى طبقا للمادة واحد من دستور البلاد) أو أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأوحد للتشريع فى مصر (و هذا غير حقيقىحيث أن المادة إثنين من الدستور تنص على أن الشريعة الإسلامية (حتى الآن) هى المصدر الرئيسى وليس الأوحد للتشريع). و هنا أيضا فى نفس هذا الوجه تظهر الإتهامات بالتعاون مع الغرب و كيف أنه الحال الآن فى مصر حيث لا يأخذ حقه فى مصر إلا "النصارى" ، وكيف أن التفرقة الوحيدة التى توجد فى مصر هى التفرقة و إنحياز الحكومة لصالح الأقباط فى مجال التعليم و التوظيف!، و شر البلية ما يضحك فأذكر أن أحد محدثي قد إنهمك فى إقتناع شديد فى تحدى الحضور قائلا: "دلوقت لو تروح للحكومة بطلب تصريح لبناء مسجد..أستحالة، لكن لو طلبت تصريح لبناء كنيسة.. تأخذه و إنت واقف"!
و يظل السؤال: هل تفشت الشيزوفرانيا فينا كأشخاص و كمجتمع إلى الحد الذى يمنعنا بهذا الشكل المفزع من رؤية الحقيقة؟ و إلا لماذا لا نستطيع أن نرى ما هو واضح وضوح الشمس فى عز النهار؟ لماذا ننكر الحقيقة و نحن نبحلق فيها "بكل بجاحة"؟ و من وراء هذه الإسطوانة المشروخة؟ و لماذا نركع للطغاة الذين يحكموننا بالحديد و النار ويضربون بالدستورو القانون الدولى و حقوقنا المدنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية عرض الحائط؟ و لماذا نتستر على اللصوص الذين يسسرقون قوتنا و يضطهدوننا و إخواننا؟ لماذا نتستر على كل هؤلاء و كأننا نربح شيئا من جراء موقفنا هذا؟ و لماذا نقتل الطفل الذى يصيح فينا أن الإمبراطور لا يرتدى ملابسا!.
فهل هى عقدة القمع؟ أهو السبب أننا كشعب نعيش مستعبدين ولا نستطيع أن نرى أنفسنا أحرارا و أننا لا نؤمن بحقوق الإنسان و لو حتى لأنفسنا!، أم لأننا فى مصر ليس لدينا ضمير إنسانى على الرغم من الصلوات الخمس اليومية التى تترك علامات الإيمان على جبهاتنا و الصيام و العديد من مظاهر التقوى و الروحانية!، أم لأن قيمنا العامة عند التربية تحث بشكل غير مباشر على عدم القبول للأخر بحيث نستطيع أن نبرر كراهيتنا ب"ضمير خالص". و إلا فلماذا يأخذ العديد من أعضاء الجاليات المصرية فى الخارج و خاصة فى الدول الغربية موقف الأغلبية فى مصرعلى الرغم أنهم قد يعيشون فى مجتمعات ديمقراطية نسبيا وقد ينعمون فيها بحق المواطنة الكاملة التى ينكرونها على الأقباط !، أو فلماذا يتشدق العديد من أخوة الخليج من زملائى بنفس النغمة دون أى إلمام بالقضية فى مصر أو أى محاولة لتقصى الحقائق و لعظيم دهشتى دون الحديث مع أى من متحدثي من المصريين و كأنهم قد درسوا "كورس عدم قبول الآخر" عن طريق المراسلة! . و ربما قد تكون هذه صورة كاريكاتورية من موقف "الرفض للآخر لمجرد الرفض" الذى فى رأيى يمثل نواة الإرهاب الفكرى و المادى و المعنوى الذى نمارسه فى مصر ضد أهلنا و إخوتنا من الأقباط، و الذى تشجعه الحكومة. نعم، الحكومة هى المسئولة عن تفاقم عدم القبول لعدة أسباب أهمها:
1) إرتكاب الحكومة المباشر لمخالفات فادحة ضد الأقباط (و التى يقع العديد منها تحت تعريف الإضطهاد طبقا للقانون الدولى) و ضد الدستور الذى يحمى حقهم فى المواطنة الكاملة.
2) تواطئ الحكومة بتجاهلها للإهانات والجرائم التى ترتكب ضد الأقباط بأيدى حكومية أو غير حكومية وتوانيها فى التحقيق فيها وفشلها فى معاقبة الجناة وتخاذلها عن تعويض الضحية و الذى هو تستر حكومى نتيجته الأساسية إرسال رسالة شبه رسمية بأنه من المقبول أن تنتهك حقوق الأقباط، و الحكومة تتواطئ بإعطائها للضوء الأخضر لمزيد من الإنتهاكات و تشجيعها و ترسيخها لعدم القبول فى المجتمع.
وهكذا فإن الأمر بيد الحكومة التى تستطيع أن توقف كم هائل من هذه الإنتهاكات بكفها عن الممارسة المباشرة لها و بتطبيق الإصلاح على مؤسساتها أولا مما يساعدها و إيانا على بدء مسيرة تحقيق العدالة الإجتماعية و التى (صدق أم لا تصدق) هى من أهم شعارات "الثورة"، و ثانيا بإتخاذ موقف جاد وشريف و حاسم و قانوني لمعاقبة كل من تسول له نفسه بإيقاع الضرر بغير المسلمين (وخاصة كل من يستخدم نفوذه الحكومى من هؤلاء المجرمين).
و حتى وقتها لا تستطيع الحكومة إدعاء الحياد فقط فمسئوليتها تحتم عليها إيجاد المناخ القانونى المناسب لتنظيم العلاقة بين الأغلبية و جميع الأقليات من أجل حماية الأقليات من جبروت الأغلبية، بالإضافة إلى القيام بحملات توعية للشعب من أجل التخلص من عادات عدم القبول المورثة. إن إلتزام حكومة مصر بالإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التى وافقت ووقعت عليها الحكومة بإسم مصر تحتم عليها أن "تحترم" و "تحمى" و "تحقق" هذه الحقوق المشروعة.و"تحترم" هنا تعنى أنه يجب على الحكومة أن تعترف بحق الأقباط فى المساواة و المواطنة الكاملة و التمتع بجميع الحقوق التى يتمتع بها أعضاء الأغلبية، و هذا يشمل حقهم فى التمتع بكرامتهم الإنسانية و ديانتهم و ثقافتهم و تاريخهم و لغتهم.
أما "تحمى" فتعنى أنه على الحكومة أن تلتزم بتهيئة المناخ القانونى و السياسى و الإجتماعى الذى يكفل حماية هذه الحقوق، و ذلك بالقيام بالإصلاح المناسب و تقنيين القوانين اللازمة و القيام بحملات التوعية اللازمة و معاقبة المخالفين لهذه القوانين مهما عظم شأنهم فى الحكومة أو غيرها و تعويض الضحايا مهما قل شأنهم. فعلى سبيل المثال إن دور الحكومة ألا تعقد مسألة بناء الكنائس أو ترفض بحجة أنه هناك فى قرية ما من يرفض بناء كنيسة و يهدد بالقيام بأعمال عنف ضد المسيحيين بل أن واجبها و التزامها بحماية الحريات الدينية يحتم عليها أن تحمى الأقباط و تعاقب من يتعدى على حقوقهم المشروعة لا أن تلتمس الأعذار الواهية لعدم قدرتها على القيام بواجبها كحكومة لكل المصريين و التى تدعى أنهم جميعا متساوون أمام القانون و يتمتعون دون تمييز بحقوق المواطنة الكاملة.
و"تحقق" تعنى العمل المباشر على إدراك هذه الحقوق. و هذا يعنى القيام بإحصاء تعداد سكانى بأسلوب علمى و صحيح و ينفذ عن طريق لجنة علمية و محايدة بهدف عكس الأرقام الحقيقية-أو الأقرب للحقيقة- للشعب المصرى بجميع طوائفه و ملاته، و إصلاح و بناء الكنائس و دور العبادة الأخرى دون تعقيد، و إحتفال الدولة بالأعياد المسيحية، و إعادة الحقبة القبطية المنتزعة من تاريخ مصر إلى مكانها الطبيعى فى المناهج التعليمية ليدرسها التلاميذ المصريين فى المدارس والجامعات و يفخروا بها كجزء مشرف من تاريخ مصر غير قابل للتهميش، و توفير الوقت و المساحة اللائقة و الكافية فى الإعلام المرئى و المسموع و المطبوع لإذاعة قداس الأحد و الصلوات والبرامج الدينية و التعليمية و الثقافية المسيحية و الكتابات و المناقشات التى يود الأقباط القيام أو الإشتراك بها بالإضافة إلى ضرورة الإحتفال الإعلامى بالتاريخ المسيحى و أعلام و أقطاب و شهداء المسيحية على نمط إحتفال الدولة بأعلام و أقطاب و شهداء الإسلام، وإمتناع الحكومة عن ممارسة التمييز المقنن و غير المقنن فى مجال التعليم و التوظيف و الأعمال و المشاركة فى الحياة السياسية و المسشاركة فى صنع القرار السياسى كشرط أساسى لإدراك الحق الشرعى لتقرير المصير و حق التصرف بشفافية فى الثروات القومية و الموارد الإقتصادية و الذى يكفله الدستور المصرى و القوانين و الأعراف الدولية.
و يبقى أن نقول أن مصر ليست الدولة الوحيدة التى تعيش فيها أقليات، و على الحكومة أن تعترف بوجودهم و أن تتعلم من التجارب التى خاضتها و ما زالت تخوضها دول مثل أيرلندا و فرنسا و غيرهما من الدول التى وضعت قوانين صارمة من أجل أن تكفل حرية العقيدة و من أجل ألا تطغىالأغلبية على حقوق الأقليات، و أن تقوم بحملات توعية بداية من دهاليزها القومية إلى المحافظات إلى المجالس المحلية، و أن تتطهر صفوفها من كل من يصر على الجهل و عدم القبول و الكراهية، و هذا أقل ما يتحتم على كل حكومة شريفة تعمل من أجل النهضة بشعبها لا من أجل إذلال كرامته. و لتكن حملات التوعية هذه واعية و علمية و جادة و خالصة و لسيت على مسار الحملات الفاشلة ضد مكافحة الإنفجار السكانى (حسنين و محمدين) و الأخرى لمكافحة القذارة (دى زبالة يا جاهل). يجب على الحكومة أن تحترم عقلية الشعب و ألا تتحجج بنسبة الأمية المؤسفة و التى هى أكثر دليلا على فشل الحكومة المتواصل على مدى أكثر من نصف قرن منه على جهل الشعب. لقد آن الآوان لكى يقف أرقى مسئول فى الدولة و ليكن رئيس الجمهورية ليبدأ حملة التوعية بنفسه و ليعتذر عن فشل الحكومات المتوالية و توانيها عن القيام بمهامها تجاه إحترام حقوق الإنسان المصرى عامة و الأقليات و المرأة خاصة، و ليعلن بداية عصر جديد تلحق فيه مصر بركب التحضر و المساواة و الرقى الإنسانى.
لقد أستيقظ المجتمع الألمانى من عنصريته ضد اليهود بعد هزيمة قاسية أفاقته من غطرسة قوته الإقتصادية و العسكرية و السياسية الهائلة، وإعتذر وما زال يعتذر لليهود و للعالم عما فعل بإسمه تحت الحكم النازي. إنه حق المستنيرون من أفراد الشعب الذين يعون أننا نعيش الآن فى القرن الواحد و العشرين أن يطالبوالحكومة بأن ترقى إلى مستوى ألتزامها أمام الدستور و القانون الدولى و أن تعتذر عن تاريخ حكومات مصر المخزى فى حق الأقليات طواعية قبل أن نرغم جميعا على ذلك.
باحث و ناشط حقوق إنسان
azizaziz@mail.com