ياسر عرفات مبراس الشعب الفلسطيني!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بمناسبة مرور 40 يوماً على رحيله
قد يختلف البعض مع الراحل الكبير، ياسر عرفات، في بعض المواقف السياسية، لكن لا يختلف اثنان، في الشعب الفلسطيني، على أنّ ياسر عرفات كان قائداً وطنيّاً، وزعيماً فلسطينيّاً استثنائيّاً. قادَ الشعبَ الفلسطينيّ في مرحلةٍ من أصعب مراحل التاريخ المعاصر. الشعب الفلسطيني في أعقاب النكبة عام 1948، عاشَ في الشتات، ببلاد اللجوء والمنافي، فاقداً الأرض، أحد أهمّ مقومات التكوين الوطني ، كما فقدَ، بسببِ انتشاره في أسقاع البلدان العربيّة، في الأردن وسوريا ولبنان، وحدته السياسيّة، وتواصل نسيجه الإجتماعيّ.
منذُ البدئ، أخذَ الشعب الفلسطيني يعمل لإعادة تواصله الإجتماعي، من أجل الحفاظ على بنيته الإجتماعيّة، لأنّ الحفاظ على الأساس الإجتماعي الفلسطيني، في تلكَ الظروف، كان يعني التمسك بالقضيّة الوطنيّة، في وسط بيئة عربيّة، تشترك معهُ باللغة والعادات والتقاليد والآمال. لكنّ الظروف الإقتصاديّة الطاحنة آنذاك، وفقدانه لوسائل الإنتاج، جعلت الإنسان الفلسطيني ينصهرُ في عجلة الإقتصاد العربي، وفرضت عليه ظروف الإقامة القسريّة الخضوع للقوانين الإداريّة والسياسيّة والإقتصاديّة، وغيرها لتلك البلدان، التي لجأ اليها.
كان الراحل الكبير، ياسر عرفات، آنذاك، يتحسس المشاعر والآمال والمواقف الفلسطينيّة، التي أجمعت على رفض فكرة التوطين، خارج فلسطين، وأصرّت على العودة، وقد عاش مع شعبه آمال العودة الى الوطن، الذي اغتصبتهُ العصابات الصهيونيّة، عام 1948.tي نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، أخذَ ياسر عرفات يبحثُ في الوسائل والطرق التي تعيد القضية الفلسطينية، من جديد، الى صدارة القضايا العالميّة، باعتبارها قضيّة سياسيّة، قضية استعمار استيطاني، وليست قضية انسانية فحسب، كما كان المجتمع الدولي يتعامل معها.
تحركَ ياسر عرفات في أوساط الشعب الفلسطيني، في ظروف غير عادية، وفي مرحلة استثنائيّة، كانَ فيها الشعب الفلسطيني يلقي بآماله على الزعامات العربيّة، معتمداً على القوة العربية، التي قد تتحقق يوماً ما، بوحدة العرب، على اعتبار أنّ القضية الفلسطينية، هي قضية العرب الأولى. في زمنٍ كانت فيه الظروف الدولية، تشهد اشتعال ثورات التحرر العالمية، في كوبا والجزائر وفيتنام الخ .فجّر أبو عمار عام 1965 الثورة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وأنشأ الميلاد الوطني للشعب الفلسطيني، في وقت، كان فيه الشعب الفلسطيني يتطلع الى وثيقة وطنيّة، تنزع عنهُ صفة اللاجيء.
انتقل الفلسطينيون مع ياسر عرفات من مرحلة اللجوء الى مرحلة الكفاح الوطني، بعد أن أعاد ياسر عرفات إصدار الهويّة الوطنية لكلّ الفلسطينيين. بدأ أبو عمّار الثورة المسلحة، فشكلت صورته بالمسدس والكوفيّة الفلسطينية إنطباعا حسيّاً في مشاعر الشعب الفلسطيني، فهو القائد، والهويّة الوطنيّة المنبعثة من ركام النكبة، ومن بؤس اللجوء.
الشعلة في يده لم تنطفئ، تضيء للاجئين الفلسطينيين طريق الخلاص، طريق العودة، طريق الكرامة. الهوية هي البندقيّة، في الأردن والجولان ولبنان. وبات ياسر عرفات ثقلاً رمزيّاً وضاءً في الحياة اليوميّة للفلسطينيين.
تضامن في كفاحه مع فصائل التحرر الفلسطينية، ودانت لهُ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبحت حركة التحرر الفلسطينية بقيادته، أقوى حركات التحرر بالعالم، واستطاع ياسر عرفات، بقوة شعبه، أن يدخل الى المعادلة الدوليّة، ويحقق الرقم الصعب فيها، وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية، تحت قيادته، تشكل البعد الثالث في ميزان الصراع الدولي، في مرحلة الحرب الباردة.
ياسر عرفات حققَ اجماع كلّ القوى والفصائل الفلسطينية، كما استطاع أن يحقق الإجماع على البرنامج الوطني الفلسطيني، واستطاع أن يوظف كلّ التناقضات الداخلية والإقليمية لمصلحة القضية الفلسطينية، وجعل غابة البنادق تنعم بالديمقراطية الفلسطينية.
بات الثقل الرمزيّ الوضاء مبعث أمل للفلسطينيين، في مخيماتهم، فيه تكتمل الأسطورة الفلسطينية، وكانت العودة، قضية راسخة في وجدانه، من أجلها ترك كامب ديفيد الثانية، وسكن في مقرّ المقاطعة، في رام الله، بين أهله وجندهِ، يقاوم التعنت الإسرائيلي، والجبروت الأمريكي.
ياسر عرفات لم يعبث بالمصير الفلسطيني، ولم يسقط القدس من قاموسه السياسي، كان يعتقد أن يوماً سوف يأتي، تستطيع فيه زهرة فلسطينية، أوشبل فلسطيني أن يرفع العلم الفلسطيني فوقَ مآذنها وقبابها وكنائسها.
في مرضه أفاقت الدنيا، وصحت كلّ العيون، ترقب وتتابع وتلاحق الأخبار، وتنتظر التقارير. وفي رحيله حقق الصدمة في الضمير العالمي ، وأيقظ نزعةَ الحقّ فيه !
هو القائد الإنسان، هو مبراس الفلسطينيين، الى يوم الدين.
كاتب فلسطيني مقيم في السويد