كتَّاب إيلاف

خطر المواجهة بين الدول الأوروبيّة وحكومة شارون مازال قائماً! (2)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

انحنى طوني بلير قليلاً أمام شارون، قبلَ أن ينحني أمام ضريح الراحل الكبير ياسر عرفات، في مقر المقاطعة برام الله. كانت إنحناءة طوني بلير أمام شارون انحناءة سياسيّة، قبل فيها بلير، على مضض، رفضَ شارون المشاركة في مؤتمر السلام، الذي دعت اليه بريطانيا في شهر شباط / فبراير القادم. وحققَ بانحناءته، أمام شارون، استيعاباً لنوازع الرفض الإسرائيلية للتحرك الأوروبي.
وجاءت إنحناءة طوني بلير، أمام ضريح الراحل ياسر عرفات، تعبيراً عن الجانب الأخلاقي، اتجاه زعيم فلسطيني، قضى من أجل حريّة شعبه، واستقلال وطنه.
طوني بلير عندما جاء الى تل أبيب كان يدرك سلفاً، مدى الإمتعاض والخوف، اللذين يسببهما للإسرائيليين التحرك الأوروبي، نحو تحقيق سلام في المنطقة، الذي يشكلّ في تضافره وتصعيده هجوماً للسلام، على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكان يدرك أيضاً أنّ شارون أكثر إمتعاضاً من الموقف البريطاني الذي عبّر عنه، جاك سترو، وزير الخارجيّة البريطاني، في لندن في الثاني من شهر ديسمبر الجاري، الذي قال فيه " أنّه لا يمكن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، مالم تكن تتضمن الإنسحاب الإسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وأنّ خطّة شارون لفكّ الإرتباط مع غزّة يجب أن تكون خطوة أولى على طريق الحلّ الشامل، وليست الخطوة الأخيرة، بإشارة واضحة، أنّ الحلّ النهائي يقوم على اساس القرارين الدوليين 242 و338.
على أرض الواقع، يبذل شارون أقصى ما لديه من جهد لإبقاء مسألة حلّ النزاع مع الفلسطينيين، بين يديّ جورج بوش، وإدارة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، الأقرب له عقائدياً، والأكثر توافقاً مع البرنامج الليكودي الصهيوني. وشارون هوَ في الأساس ضدّ فكرة عقد مؤتمر دولي، يعالج موضوع الصراع، ويحقق الأسس والمبادئ القانونية والشرعية الدولية، التي يقوم عليها السلام الحقيقي في المنطقة العربية.
وكانت عدّة اشارات وتعبيرات، قد صدرت عن، سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي، في بداية شهر ديسمبر الجاري، تتضمن رفضاً للمؤتمر المزمع عقده في لندن، والذي تحاول حكومة طوني بلير إنجاحه، واعلانه كحدث سلميّ عالميّ، يستهدف امتصاص نقمة الجمهور البريطاني، الرافض لسياسة حكومة بلير في العراق.
بات من الؤكد، أنّ حكومة شارون تحاول إفشال المؤتمر المذكور، من خلال حصر أهدافه بالجوانب المتعلقة بالفلسطينيين، لذلك جاءت تصريحات بلير خجولة، ومتوافقة مع رغبة شارون، مؤكداً في تصريحاته " أنّ المؤتمر يقتصر على مساعدة الفلسطينيين في المسير قدماً في طريق الإصلاحات الديمقراطية والأمنيّة والإقتصاديّة، لكنّه في ذات اللحظة، رحبّ بخطة شارون، القاضيّة بالإنسحاب من قطاع غزّة بقوله " انّها يمكن أن تكون خطوة، في اتجاه خارطة الطريق التي تنص على قيام دولة فلسطينية " فجاءت أقواله منتقاة وحذرة، كي لا تثير الغضب الإسرائيلي !
من جانب آخر يتخوف الإسرائيليون أن تكون المساعي البريطانيّة التي تحظى، بلا شكّ، بالموافقة الأمريكيّة، بداية تواطؤ أمريكي مع أوروبا للضغط على اسرائيل.
على الجانب الفلسطيني، التقط السيد محمود عباس، بخبرة ودراية سياسية المسألة المطروحة، وأعطى موافقة السلطة الفلسطينية على المشاركة في المؤتمر. فالمسألة بالنسبة للفلسطينيين إن لم تحقق كسباً سياسياً وماديّاً ومعنويّاً، فليس فيها خسارة، ولم تكن بديلة عن أيّة جهود أخرى في هذا المجال.
موافقة عباس جعلت " فرانكو فيني " وزير الخارجيّة الإيطالي يصرّح، في رام الله، على إثر لقائه بعباس، في أعقاب مغادرة بلير للمنطقة " انّ عباس يعرف ما يتوجب عمله لتحقيق ما جاء بخارطة الطريق، وإقامة دولة فلسطينية حرّة، وذات سيادة، وما يتوجب عمله اتجاه المجتمع الدولي ".
المجتمع الإسرائيلي، بأعراقه المختلفة، وفئاته المتباعدة، وأحزابه المتناحرة، وتياراته الإيدولوجيّة والدينية والسياسيّة، بات يخشى من الحقائق السياسيّة الجديدة، التي برزت بعد رحيل عرفات، والتي تضع الكيان الإسرائيلي، وجهاً لوجه،أمام استحقاقات سياسيّة مباشرة، ومتطلبات دوليّة ملحّة، من أجل انهاء الصراع، ووقف معاناة الشعب الفلسطيني .
هجوم السلام الذي يقوده الإتحاد الأوروبي، بات يؤرق شارون وحكومته، والكيان الإسرائيلي برمّته، لأنّ ما طرأ من متغيرات، بعد مضي ما يقارب العامين، على الإحتلال الأمريكي للعراق، وبعد رحيل عرفات، جعل الظروف الإقليمية والدولية مهيأة للتقدم الأوروبي اتجاه جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ! انّ ما يستدعي من الأوروبيين الحضور السياسي القوي، وبذل الجهد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط جملة أسباب، أذكر منها :
أولا ) الأوروبيون باتوا على قناعة، بأنّ الإحتلال الأمريكي للعراق أدّى الى اشاعة الفوضى، في منطقة الشرق الأوسط، وفي أنحاء كثيرة من العالم، الأمر الذي ينذر بخطر على أمن واستقرار الدول الأوروبية، بسبب التجاور الجغرافي مع الشرق الأوسط.
ثانياً ) يشعر الأوروبيون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، قد أخلت بالتزاماتها الدولية اتجاه تحقيق الأمن والسلم العالميين.
ثالثاً ) كما أنّ للأوروبيين مصالح اقتصادية حيويّة، في الشرق الأوسط، وهي مصالح باتت بحكم المهددة، بسبب سياسة القوة والغطرسة الأمريكيّة في المنطقة العربية.
رابعاً ) التعاطف المتنامي للشعوب الأوروبية مع القضايا العربية، الفلسطينية والعراقية، وازدياد نسبة العداء للإسرائيليين والأمريكيين، في الشارع الأوروبي.
على ما يبدو أنّ الأوروبيين أيقنوا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت في تحقيق أهداف السيطرة على العراق، وفقاً لما تعلنه مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكيّة، فقد كتب مؤخراً " كورزمان " المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية " أنّ واشنطن باختصار قد فشلت في تقديم تقييم نزيه للحقائق على أرض الواقع، بشكلّ يذكّر بما حدث بفيتنام "
في الواقع أنّ المساعي الأوروبية لاحراز تقدم سلمي في الشرق الأوسط، لم ينحني أمام الرغبات الإسرائيلية كما انحنى بلير، لأن بلير في وضع شعبيّ وحزبيّ داخلي لا يحسد عليه، ولم يساير ارادة شارون واليمين الإسرائيلي، الذي مازال يقف على أرضيّة الوهم !
القضيّة بالنسبة للأوروبيين، اولاً وآخراً، تمرّ عبر بوابة المصالح الإستراتيجيّة، في جوانبها الأمنيّة والإقتصاديّة والسياسية والأخلاقية، وهي الجوانب التي تستند الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام، وخطة خارطة الطريق.
وقد تفضي الأمور في النهاية الى تصادم في المواقف مع الإسرائيليين،، وقطع للعلاقات وتقطيع للأرحام، تماماً كما حدث مع النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

كاتب فلسطيني مقيم في السويد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف