كتَّاب إيلاف

مسيحيو العراق .. الاستنكار لا يكفي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا يكفي أن نشجب، أو نستنكر، أو ندين البرابرة الذين هاجموا كنائس العراق..و لا يكفي ان يصدر السياسيون و رجال الدين بيانا بالمناسبة، فالمسألة أكبر بكثير. فالهجمات الاخيرة ليست وليدة اللحظة، و لا وليدة العام، و لا حتى وليدة الجيل..

و لئلا نكون كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، علينا ان نعترف أمام الملأ و أمام انفسنا بانها عملية تربوية تدريجية، طبخت تحت اعيننا جميعا، في سراديب لا تخفى على أحد، تمسخ عقول الاجيال بسيل من ثقافة الكراهية و الإلغاء و الازدراء.. ثقافة وجدت من يغذيها داخليا و خارجيا تنظر الى العالم و مشاكله على انها صراع بين أديان و عقائد و انبياء يبحثون عن سيادة..

ثقافة لا تعترف بالوطن الا بردائه الديني، و قد تختزله الى رداء مذهبي .. ثقافة لا تعنى بالمواطنة لأن مفهوم المواطنة عندها مسخ لكل اختلاف أو تنوع.. ثقافة انكشارية اصيبت بعمى الألوان و الضمائر فسوغت لنفسها ذبح الآخرين على مذبح الوهم بدولة خلافة زائلة لن تعود لأن عصر دول الابيض و الأسود قد انتهى الى الابد..ثقافة تعتقد بأن الساعة يمكن ان تعود الى الوراء على اشلاء البشر.

نعم.. كنا نعيش في وئام، و لكن هنالك بين ظهرانينا من كان يحقن العقول بسموم من قبيل أن المسيحيين كفرة، و بأنهم حرّفوا الكتاب، و بأنهم جواسيس للصليبيين و الصهاينة، و بانهم أنجاس، و بأن من أكل معهم قد كفر.. و الكثير الكثير.

و قد يقول قائل بأن هذه لم تكن ثقافة اجتماعية عامة.. نعم لم تكن، و لكن الثقافة المضادة لها كانت ضعيفة و هزيلة، و هذا نتاجها.. قتل في الشوارع أمام المارة، و لا من يعترض بل كان هناك من يصفق، انتهاك للمنازل و الخصوصيات، و لا من من معين.. شرطة تدير ظهرها، و جمهور يقف صامتا، و وطن يطعن في الصميم.. أليس هذا انتصارا لتلك الثقافة؟


الاعتذار لا يكفي، و الاستنكار لا يكفي، انما مراجعة شاملة لتربية المدرسة و المسجد، و للدستور والقوانين، تربية تعيد تعريف الوطن و المواطن، و تعريف الألوان، و التاريخ و الجغرافيا..

عندما يتحول المسجد الى منظمة من منظمات المجتمع المدني بدلا من ثكنة حربية، و عندما تتعلم الاجيال ان الدين حب و ليس كراهية، و عندما تغرس المؤسسة الدينية في القلوب قيم الخير و الحق و الجمال، عندئذ فقط يمكننا الحديث، عن تعايش و تحضر و تمدن، و عن وطن الجميع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف