كتَّاب إيلاف

ومن حبّ العراق ما قتل!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان صدام حسين يردّد طول الوقت، و المسدّس في حزامه، والحرّاس الشخصيون المدجّجون بالسلاح يحيطون به في جانب أنه لا أحد يضاهيه في حبه للعراق غير نبوخذ نصر. و باسم ذلك الحب "المجنون" لبلاد الرافدين آقترف تلك الجرائم الفظيعة التي ستظلّ راسخة في ذاكرة العراقيين عهودا طويلة أخرى. و قبل صدام حسين، تقاتل العراقيون و ذبحوا بعضهم بعضا، و كل طرف منهم آدعى مقسما بأغلظ الايمان أنه اضطر الى اعلان الحرب ضد الطرف الآخر لأنه يحب العراق أكثر منه. و اليوم و بعد أن سقط صدام حسين و نظامه البغيض، برزت على السطح كمثل الفطر، حركات
و تنظيمات بمختلف الألوان و التوجهات، و جميعا راحت ترتكب المذابح تلو المذابح،
و المجازر تلو المجازر زاعمة ان حبها للعراق هوالدافع الوحيد لذلك. و الشعب العراقي الذي أرهقته الحروب الطويلة، أصبح رهينة في أيدي هؤلاء الذين يصيحون عاليا انهم يحبون بلاده أكثر منه، لذا هم يبيحون لأنفسهم التحرك و التكلم باسمه، بل و يعلنون بفصيح العبارة انهم ممثلوه الشرعيون ! و الحقيقة أن المطامح و المصالح الشخصية هي التي تحرك هؤلاء، هذا اذا لم يكونوا لعبة في أيدي دول و قوى أجنبية معادية للعراق، ترغب في ان يظلّ مريضا، واهن القوى حتى تتقض عيه في الساعة المناسبة، أوهم من أولئك الاصوليين الظلاميين الذين تحركهم نوازع شريرة، و لا هدف لهم غير زرع الفتنة بين العراقيين، و تقويض كل ما يمكن أن يساعد على بناء دولة حديثة
و قوية.
لقد أثبتت الأحداث المؤلمة التي عاشها الشعب العراقي على مدى الأربعة عقود الاخيرة ان أعداءه و أعداء بلاده الحقيقيين هم أولئك الذين يبالغون في حبهم له في الظاهر، لكنهم في الخفاء يعدون المخططات الاجرامية للوصول الىأهدافهم الدينئة. و ما أظن أن الذين يتبارون في حبه الآن يختلفون في شيء عن عشاقة المزيفين السابقين الذين اوصلوه الى الأوضاع المزرية التي يعيشها راهنا و على جميع المستويات. لذا هو ليس بحاجة لا اليهم و لا الى كل من يسعى الى توريط شعبه في المزيد من المذابح
و المجازر و الضغائن و الاحقاد. فالذين يحبونه حبا صادقا و حقيقيا هم الذين سيبذلون في المستقبل كل ما في وسعهم لكي يضمدوا جراحه الثخينة، و يؤالفوا بين مختلف طوائفه و قومياته أو يعيدوا بناء قراه و مدنه التي دمرتها الحروب المتلاحقة، و يربوا الاجيال الجديدة على قيم الحرية و الديمقراطية و التعددية، و على كل القيم الانسانية التي فكّك اسسها نظام صدام حسين. هم الذين سيعيدون الحياة لتلك الحركة الحداثية العتيدة التي عرفها العراق قبل ثورة 1958 و التي أرست دعائم حركة ثقافية و أدبية
و شعرية و فنية مستنيرة لم تلبث ان عصفت بها الرياح العقائدية و الايديولوجية التي هبت على بلاد الرافدين في ما بعد. هم الذين سيضعون أسس دولة حديثة بالمعنى الحقيقي للكلمة تكون مثالا يحتذى في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تعيش و كأنها منقطعة انقطاعا كليا عن سيرورة التاريخ. هم الذين سيحبون العراق حبا بريئا تماما مثلما أحبه شعراؤه المتوزعون في المنافي، أو الذين قضوا حسرة و كمدا وهم بعيدون عنه، فلا يبتغون من وراء حبهم له لاجاها و لا مالا و لا سلطة و انما عافيته و تقدمة و أمنه
و استقراره و نهضته… أفلا يستحق هذا بعد كل الفواجع و المحن التي عاشها ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف