السفير الفلسطيني ورده المتهافت!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
شكراً للسلطة الفلسطينية التي كلفت سفيرها بالرباط بالرد على مقالي (قدَمُ عمرو ورأس عرفات) بخصوص محاولة اغتيال الرمز الفلسطيني المعارض نبيل عمرو التي أدت إلى بتر ساقه. كنت اتوقع من السلطة الفلسطينية أن لا تكون متحضرة وديمقراطية على هذا النحو، والرد على الكلام بالكلام.
لقد اعتادت السلطة أن لا ترد على الكلام بالكلام، ولكنها ترد على الكلام بالرصاص أو وضع الأصابع التي تكتب المعارضة بالأسيد، كما سبق وفعلت مع ناجي العلي الذي (أكله الذئب) وكما فعلت مع نبيل عمرو الذي اكتفى (الذئب) هذه المرة ببتر ساقه، بدلاً من قطع لسانه أو رقبته، كما حاول قبل عام!
نعم، لقد كانت السلطة الفلسطينية متمثلة بسفيرها في المغرب واصف منصور كريمة ومتسامحة معي، وغفورة لي، ورحيمة بي على غير عادتها مع معارضيها، نتيجة لظروف اقليمية ودولية حالية، ونتيجة للحصار الشديد الذي تعاني منه عربياً ودولياً، ونتيجة لروائح الفساد الكريهة التي زكمت الأنوف والتي احتج عليها بقوة ولأول مرة أمس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي رفض عرفات إثر ذلك اصدار قانون للاصلاح والقضاء على الفساد كما طالب هذا المجلس.ويبدو أنني أسعد حظاً من ناجي العلي ونبيل عمرو. أو يبدو أنني لو لم أكن بعيداً عن مرمى رصاص السلطة الفلسطينية، وبعيداً عن انيابها، وبيني وبين سهامها القاتلة للمعارضة البحار والمحيطات لتمت تصفيتي كما تمت تصفية كل المعارضين للسلطة الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها.
-2-
السفير الفلسطيني في المغرب واصف منصور يعترض على البذاءة التي ليست موجودة في مقالي، والتي اختلقها هو في هذا المقال، وبلغة بذيئة للأسف لا تليق بالديبلوماسيين أصحاب اللغة الحريرية المُنتقاة، والياقات المُنشّاة. فالسفير الفلسطيني لم يأت بمثال واحد على اللغة البذيئة التي يدعي أنني استعملتها في مقالي. في حين أن البذاءة كانت هي لغته في رده المتهافت عليّ. وقد تجلت هذه البذاءة بوضوح شديد حين وصف ياسر عبد ربه السياسي الفلسطيني البارز في المعارضة الفلسطينية ووزير الاعلام الفلسطيني السابق في السلطة الفلسطينية، بأنه من "الشرذمة" حين قال في رده:"وأن الشرذمة التي صاغت ما يسمى (وثيقة جنيف) لم تحظ بدعم أي تنظيم تقدمي أو يميني فلسطيني".
و"الشرذمة" في القاموس العربي تعني " الثياب البالية المتقطعة"؛ أي سقط المتاع. فقياديو الأمس، أصبحوا اليوم "شرذمة" بالية، عندما انضموا إلى المعارضة!فمن هو صاحب اللغة البذيئة، أنا أم السفير الذي يصف رفاق سلاح الأمس بأنهم من "شرذمة"؟
-3-
للسفير الحق في الاعتراض والرد في جريدة "الأحداث المغربية" (18/8/2004). علماً بأنه حاول اقناع رئيس تحريرها لمصادرة رأيي ومنعي من مواصلة الكتابة في "الأحداث المغربية". وهو يقول في رده صراحةً: "لقد اتصلت قبل حوالي أسبوعين بالأخ رئيس التحرير، وتحدثت معه حُبياً(كان المفروض أن يتحدث معه بلغة السلاح) في مقال سابق للدكتور النابلسي، وأبديت عتبي على جريدة نعتبرها من المنابر الإعلامية الهامة في المغرب، والتي تعطي للقضية الفلسطينية أهمية خاصة، فكان رد الأخ رئيس التحرير أنهم متفقون مع الكاتب على نشر مقال أسبوعي له ، وأن نشر هذا المقال يدخل في إطارحرية الرأي".
وحرية الرأي هذه، هي ما لا تعترف به السلطة الفلسطينية.
وحرية الرأي هذه، ليست لغة "السلطة الفلسطينية".
وحرية الرأي هذه هي العملة الزائفة والرديئة التي لا يصرفها البنك العرفاتي الديكتاتوري. ولو كان الأمر معكوساً؛ أي لو نُشر مقال لمسؤول فلسطيني كبير في وسيلة اعلامية تابعة للسلطة الفلسطينية، وأردت أنا أن أرد عليه، لما سُمح لي بذلك، ولتم منعي ومصادرتي. ولعل افساح المجال أمام رده لكي ينشر على هذا النحو من الحرية، لهو درس عميق للسفير عن معنى الديمقراطية الحقيقية المُفتقدة في دولة الديكتاتورية الفلسطينية.
-4-
يقول السفير في رده:"والغريب في الأمر أن هذا التطاول لم نقرأه للدكتور النابلسي بحق أي مسؤول عربي، لأنه يعرف جيداً أن هؤلاء المسؤولين لن يتسامحوا مع الدكتور، في حين أن ياسر عرفات يحاصره الصهاينة والأمريكان في مقره برام الله مما يجعله غير قادر على مناقشة هؤلاء المتطاولين". نعم، معارضة الرئيس النفيس، وفضح فساد سلطته، هو "تطاول" على سدرة المنتهى العرفاتية، وعلى الآلهة العرفاتية في القاموسي السياسي للسلطة الفلسطينية، التي ينتمي اليها السفير الفلسطيني واصف منصور!
والسؤال للسفير هو:
كيف استطاع الرئيس النفيس "سجين اسرائيل والامريكان" كما يقول السفير، وليس "سجين الديكتاتورية والطغيان"، وهو في معتقله في رام الله، أن يحاول قتل نبيل عمرو قبل عام، وأن يفلح هذا العام ببتر ساقه، حين لم ينجح بجزِّ رأسه؟
وهل كان يعيق "ابو عمار" أن يصل إلى من يريد من معارضيه رغم أنه سجين المحبسين: محبس اسرائيل الأصغر في رام الله، ومحبس الديكتاتورية الأكبر، وحيث لا مخرج له منهما إلا لطريق واحدة، لا عودة منها!
-5-
يقول السفير تعليقاً على المصاريف العائلية الباهظة لأسرة الرئيس النفيس في باريس: "أما الحديث عن نفقات عائلة الرئيس في باريس فهو أمر تم حشره في المقال حشراً ، بقصد الإساءة والتشهير لا أكثر ولا أقل، لأن التحقق من مبالغه ليس متيسراً لا لي، ولا للكاتب".
نعم، التحقق ليس متيسراُ للسفير في البلاط العرفاتي والذي في فمه ماء، لا يستطيع معه الكلام، ولكنه متيسر لي كباحث متابع، ومطلع. فالقاصي والداني علم من الصحافة العربية والأجنبية، أن نفقات عائلة عرفات في باريس باهظة، في حين يموت الشعب الفلسطيني جوعاً.
فصحيفة " لوكانار انشينيه" الاسبوعية الفرنسية، أشارت في عددها (11/2/2004) الى أن محكمة باريس بدأت منذ تشرين الاول (اكتوبر) 2003 تحقيقاً أولياً يستهدف تحديد مصدر نحو 9 ملايين يورو، وضعت في حسابين مصرفيين باسم زوجة عرفات (سهى عرفات) في باريس حيث تقيم حالياً في قصر فخم مع ابنتها زهوة، في حين يقيم معظم الفلسطينيين في المخيمات وفي بيوت من الصفيح، وفي العراء داخل فلسطين وخارجها. وقالت الصحيفة الفرنسية إن التحقيق يرمي إلى تحديد مصدر نحو تسعة ملايين يورو (11.5 مليون دولار) حوّلت إلى حسابات سهى عرفات المصرفية. وأضافت أن مليونين من أصل الملايين التسعة دفعت لمكتب مصمم الديكور الباريسي الشهير ألبيرتو بينتو لأسباب لم يحددها المحققون بعد (قالت بعض الأخبار لتغطية نفقات القصر المنيف الذي يبنيه عرفات الآن في تونس). وأكد المدعى العام لباريس ما أوردته الصحيفة بأن تحقيقاً بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2003 حول حسابات سهى عرفات، وذلك بناء على معلومات من بنك فرنسا المركزي وهيئة لمكافحة غسل الأموال. وقال مكتب الادعاء إنه يريد فحص تحويلات من مؤسسة سويسرية إلى حسابين منفصلين لسهى في باريس خلال الفترة ما بين يوليو/ تموز 2002 ويوليو/ تموز 2003.
-6-
يبدو أن السفير الفلسطيني يجهل التاريخ الفلسطيني المعاصر. وأن اختياره كسفير كان قراراً خاطئاً ومضراً. فهو يقول في رده مصححاً تواريخي، بأن عرفات قد تم انتخابه في يناير ١٩٩٦ وليس في أكتوبر ١٩٩٣ كما ذكرت أنا. ثم أن الرئيس لم يكن المرشح الوحيد، حيث ترشحت ضده سميحة خليل، وأنه فاز بنسبة٨٤ ٪ من الأصوات. والحقيقة أن عرفات كما ذكرت أنا في مقالي، تم انتخابه عندما اجتمعت اللجنة المركزية في أكتوبر عام 1993 في تونس لتشكيل السلطة الفلسطينية، أو مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك في إطار المرحلة الانتقالية، على أن يشكل من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات الفلسطينية في الداخل والخارج وبرئاسة عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأطلق على المجلس الجديد اسم "السلطة الوطنية الفلسطينية". ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وعرفات هو الرئيس النفيس للسلطة الفلسطينية. وأما الانتخابات الرئاسية (وهي تحصيل حاصل لما جرى في اكتوبر 1993) لاختيار عرفات فقد التي جرت يناير 1996 ، والتي حصل فيها عرفات على 87% من إجمالي الأصوات وليس على 84% كما قال السفير، وعقدت على أساس قانون الاقتراع الفلسطيني الصادر في 7/12/ 1995 0 وما كان ترشيح سميحة خليل إلا بمثابة (كومبارس) مبتذل للعبة الانتخابية العرفاتية، ولتزيين الانتخابات بالبالونات الديمقراطية الرخوة، وذر الرماد في العيون. علماُ بأن السيدة خليل هي من العشيرة الفتحاوية، وهي عشيرة الرئيس عرفات، وليست من حزب معارض آخر.
-7-
ليس مستغرباً أن يرد السفير بهذه الحدة وبهذه النخوة على من ينتقدوا فساد سلطة الرئيس عرفات، وهو الموظف في البلاط العرفاتي، الذي من واجبه أن يمسح هذا البلاط ويلمّع صاحبه، ويرد عنه كيد الكائدين، وحقد الحاقدين من المعارضين المتطاولين، كما يقولون في أوساط السلطة الفلسطينية. ولكن السؤال الآن:
كيف يجوز لافراد العشيرة الفتحاوية، ما لا يجوز لغيرهم؟
فالشجعان من هذه العشيرة يعلنون على رؤوس الأشهاد، أن الفساد في السلطة الفلسطينية قد بلغ حداً لا يطاق، مما دفع هؤلاء الأفراد إلى الاحتجاج القوي ضد قيادة السلطة. وكان آخرها في فبراير الماضي 2004 عندما قدم 300 من أعضاء حركة فتح استقالة جماعية، مطالبين بالحرية والديمقراطية، ووضع نهاية للفساد في صفوف الحركة، والسلطة الفلسطينية. لقد اعترف أهل الدار بالفساد واحتجوا عل يه. وبالأمس اعترف صاحب الدار وربها ومالكها الوحيد، الرئيس عرفات بالفساد، ولكنه لم يحتج عليه، ورفض اصدار أي قانون اصلاح بشأنه، مما يعني بكل بساطه أن حاميها حراميها، وبأنه رأس الفساد الحقيقي في السلطة الفلسطينية وحاميه وعرّابه. فكيف يُعقل أن يُسلّم الحرامي رأسه إلى العدالة بنفسه، دون سلطة قوية أعلى منه، ترغمه على ذلك؟
فمن هي السلطة القوية التي فوق سلطة عرفات، لكي تفعل ذلك؟
فلا جيش لعرفات لكي يقوم بذلك، ولا أحزاب معارضة قوية تستطيع التصدي له، ولا برلمان حراً مفوضاً وقادراً بذلك. وعرفات هو سادن بيت المال الفلسطيني، وحامل دفتر الشيكات الفلسطيني، والعاطي الوهاب المسيطر والمُطعم الكاسي.
الله وحده هو القادر.