قد تكون الولايات المتحده اكثر امنا.. لكن سياساتها اكثر فشلا!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
غداة نشر تقرير اللجنة القومية الامريكية لتقريرها يوم 22 يولية الماضى حول وقائع الاحداث التى عاشتها البلاد قبل واثناء الاعتداء الارهابى الذى تعرضت له يوم 11 سبتمبر عام 2001 المشئوم، قالت مستشارة الرئيس الامريكى للامن القومى كوندوليزا رايس لمقدمة برنامج توداى الذى تبثه محطة تليفزيون N.B.C. " الولايات المتحدة اكثر امنا بعد انقضاء حوالى ثلاثة اعوام على الهجمات الارهابية ولكنها ليست فى مأمن ".. ربما لهذا السبب توالت التحذيرات المصحوبة باعلى درجات الاستعداد خشية ان تتعرض بعض مراكز المال خصوصا داخل نيويورك لهجمات انتحارية قبل موعد الانتحابات الرئاسية فى شهر نوفمبر القادم. يقول توم ريدج وزير الامن الداخلى ان موجة التحذيرات التى جاءت على لسان كبار المسئولين " ليست كلاما مرسلا لانها تعتمد على معلومات حصلت عليها الاجهزة الامنية من مصادر متعددة تشير الى نشاط لكوادر القاعدة قد يؤدى الى وقوع هجمات داخل الولايات الامريكية فى اى وقت خلال فترة الحملة الانتخابية التى تعيش البلاد اجوائها ".
من ناحية اكد ريتشارد ارميتاج اثناء زيارته الاخيرة للكويت قبل نهاية شهر يولية الماضى ان الولايات المتحدة تخطو كل يوم خطوة جديده ناجحة فى حربها ضد الارهاب !! واضاف ان الانتصارات التى حققتها القوات المسلحة حتى الآن " جلبت الطمأنينة للشعب الامريكى واشعرته ان العسكريون من ابناءه قادرون كما السياسيون على حمايته والدفاع عن طموحاته "، واكد ان الحرب ضد الارهاب تحقق اهدافها ولن تتوقف الا بعد ان " تجتث جذوره بالكامل ".
أمن الولايات المتحدة وأمان شعبها يهم شعوب العالم اجمع انسانيا واخلاقيا، لكننا نتسائل هل افلحت خطط محاربتها للارهاب على المستوى الخارجى فى تعزيز حالة الامن الداخلية التى اشارت اليها مستشارة الرئيس الامريكى للامن القومى ؟ ام ان الاحساس بالامان يرجع فى المقام الاول الى حجم الاستعدادات والتصعيد اليومى لمؤشر الخوف من احتمال وقوع هجمات انتحارية .. ام الى نتائج استطلاع الرأى التى تتابع حملات تحفيز قوى المقاومة الشعبية ضد عدو اطاح بضربة واحدة بعامل الامان الذى ساد ارض الولايات المتحدة وتعمق فى نفوس شعبها على امتداد اكثر من مائتى عام ؟..
واذا كان البعض يرى ان امن الولايات المتحدة فوق ارضها وان كان امرا داخليا الا ان عمليات قواتها العسكرية الخارجية ضد الارهاب كمنظمات وضد الدول التى ترعى عناصره وتقدم لها المأوى والدعم المادى والمعنوى تساهم فى تعزيزه وبلورته، فمن باب اولى ان يرى هذا البعض ان شهادة نجاح هذه العمليات بشقيها لم تكتب سطورها بعد. ما نعنيه هنا بالطبع ليس المعركة الفاصلة فى حرب امريكا وحلفائها ضد الارهاب الذى اضر بالعديد من الدول واهدر قدرات شعوبها، لكنننا نرصد بشكل مباشر النتائج الملموسة لهذه الحرب منذ بدأت ضد حكومة طالبان وتنظيم القاعدة فى افغانستان قبل نهاية عام 2002 والى يومنا هذا :
1 – لم يستقر الامر بعد لحكومة افغانستان ولم تتمكن من السيطرة على كامل اراضى البلاد.. ولازالت كوادر القاعدة تناوئ النظام وتسبب له متاعب كما تثير المشاكل ضد القوات الامريكية وتلك التابعة لحلف الناتو.. ولازالت بعض المقاطعات تدين بالولاء لسلطان تنظيم القاعدة وايضا لعناصر قبلية لا تعترف بالحكم المركزى فى كابول.
2 – لم تتمكن القواعد العسكرية والامنية التى تشرف عليها امريكا والمنتشرة على طول الحدود الافغانية الباكستانية من تصفية البؤر التى تقول واشنطن انها توفر الحماية لعناصر القاعدة وتستتر على تواجدهم ونشاطاتهم.. بل ساهمت فى نشر موجات متعاقبة من الارهاب داخل باكستان التى اصحبت تعيش فى حالة من اللا امن .
3 – لم تعلن واشنطن بعد انها طهرت هذا البلد او ذاك من مجموع الستين دولة التى اعلن عنها الرئيس الامريكى فى شهر يونية عام 2002 اثناء خطاب له بكلية ويست بوينت العسكرية انه سيعمل على القضاء على ما بها من خلايا ارهابية " باستخدام اية وسيلة مالية او استخبارية او امنية " باعتبارها وباء يهدد امن وسلام العالم.. ورغم ذلك تواصل تهديداتها للدول وتفرض وصايتها عليها، وآخر ما ازيح عنه الستار فى هذا الخصوص قيامها بتدريب عناصر من قوات تشاد الخاصه للتصدى للارهاب !!.
4 – لم تنجح من خلال ادارتها للعراق الذى تحتل قواتها وقوات الدول المتحالفة معها ارضه وسماؤه سواء عن طريق مجلس الحكم او الحكومة المؤقته الحالية فى ارساء قواعد حكم ديموقراطى قيل انه سيكون نموذجا للدول العربية والاسلامية الآخرى، بل جعلت منه ساحة لاسالة الدماء اختلطت فيها المقاومة بالارهاب الذى فاق كل تصور واصبح يهدد بالانتقال الى عدد من دول الجوار !!.
5 – لم تتوقف عن تهديد امن بعض الدول كأيران وسوريا فى ظل دعاوى لم تقدم البراهين الموثقة على صدقها كما لم تتوقف عن الدعم الاستراتيجى الذى تقدمه لارهاب الدولة فى اسرائيل، مما ساعد على تصاعد موجه من النشاطات التصادمية بين بعض الانظمة العربية الحاكمة وبعض التيارات التى كانت كامنه.
هذا الفشل الخارجى فى معركة امريكا مع الارهاب انعكس على علاقتها باوربا الحليف الابرز لها.. فهناك اختلاف واضح بين الطرفين حيال سياسة واشنطن التى اشرنا اليها بلغ حد الاعتراض على مشاريع قرارتها التى تحاول تمريرها عبر مجلس الامن وعبر مجلس امناء حلف الناتو. كما انعكس ايضا على علاقتها مع العملاق الصينى الذى يسعى بدأب ليكون له دور اكثر تميزا فى الساحة الدولية ويعمل بكل طاقته على ان يحد من تنامى قواتها فى النطاق الاقليمى الذى يطمح فى الهيمنة عليه لتأكيد دوره فى الشأن العالمى.
واذا كنا لا نختلف مع التأكيدات التى تصدر تباعا من داخل واشنطن مؤكدة ارتفاع دراجات احساس مسئوليها بالامن وشعبها بالامان ونأمل ان تكون مؤسسة على قناعات حقيقية مغايرة لما طرح من قناعات قبل حادث 11 سبتمبر المشئوم، فاننا نختلف معها حول حجم الانتصارات الخارجية التى تنسبها لنفسها فى حربها ضد الارهاب وفى المدى الزمنى الذى تحتاج اليه للقضاء عليه قضاءا مبرما..
وعلى مسئوليها ان يتذكروا ان حلم الانتصار على الشيوعية الذى قدم الرئيس ترومان اول مشروع له الى الكونجرس فى مارس عام 1947 بعد انتهاء معارك الحرب العالمية الثانية العسكرية مطالبا بالمصادقة على تقديم 400 مليون دولار لحكومتى اليونان وتركيا فى شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية " لحمايتهما من الوقوع فى براثم الشيوعية كما سقطت دول شرق اوربا تحقيقا لمبدأ حق امريكا فى قيادة العالم الحر فى مواجهة عالمية مع الشيوعية " لم يتحقق الا بعد ذلك باربعة عقود بالرغم من وضوح معالم " العدو الشيوعى ومن يدور فى فلكه " وبالرغم من الاحاطة بطبيعته وبجغرافيته والقدرة على متابعة اهدافه طوال سنوات الحرب الباردة بل والتنبؤ بمخططاته وافشال بعضها.
الالتزام بمحاربة الارهاب لا يقل اهمية عن شحن القوى العالمية لمحاربة الشيوعية.. وكما دفعت عجلة الحرب الباردة بامريكا الى التعامل سياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا واستخباراتيا مع ساحات لم تكن على علاقة مسبقة بها، ها هى تندفع لحرب على كافة المستويات مع اوضاع فى افغانستان والعراق وفى غيرهما !! اثبتت الحوادث انها قابلة للتحول الى مستنقع يمكن ان تنكسر عليها شوكة تسلطتها وهيمنتها. مثل هذا الامر اذا تحقق سيؤدى الى شرخ اعمق بكثير مما احدثته هزائمها فوق ارض فيتنام وستترتب عليه معاناه شعبية افدح بكثير مما افرزته هذه الحرب، أنذاك سيكون الامن الداخلى قاب قوسين ان ادنى من الانهيار.
الكاتب استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
hassanelmassry@tiscali.co.uk