كتَّاب إيلاف

الرّجل العربيّ‮ ‬هو المشكلة،‮ ‬المرأة هي‮ ‬الحلّ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تقارير التّنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة في‮ ‬السنوات الأخيرة تفيد بأنّ‮ ‬العالم العربي،‮ ‬مقارنة بشعوب العالم الأخرى،‮ ‬يتواجد في‮ ‬القاع من الناحية الثقافية،‮ ‬الإجتماعية،‮ ‬السياسية إلخ‮. ‬لا حاجة إلى تكرار ما ورد في‮ ‬هذه التّقارير، إذ‮ ‬يمكن الحصول عليها في‮ ‬الإنترنت‮. ‬غير أنّ‮ ‬ما‮ ‬يجب الحديث عنه هو كيفية وضع الإصبع على جذور ومسبّبات هذا الوضع،‮ ‬ومحاولة الإشارة إلى طرق ووسائل للخلاص من هذا المأزق المأساوي،‮ ‬أي‮ ‬وبكلمات أخرى،‮ ‬إذا عرف السّبب بطل العجب وسهل العلاج‮. ‬
إذا ألقينا نظرة سريعة إلى العالم من حولنا،‮ ‬نرى أنّ‮ ‬الشّعوب المتطوّرة هي‮ ‬تلك الشّعوب الّتي‮ ‬تحظى فيها المرأة بمكانة عالية في‮ ‬المجتمع‮. ‬وهذه المكانة لم تأت عبثًا،‮ ‬وإنّما تطوّرت ونمت في‮ ‬القرون الأخيرة على أرضيّة اقتصاديّة،‮ ‬حضاريّة ودينيّة ساعدت على تقدّم المرأة وتسنّمها دورها العضوي‮ ‬الفاعل في‮ ‬تلك المجتمعات‮. ‬أمّا في‮ ‬المجتمعات العربيّة فيبدو أنّ‮ ‬المرأة لم تتخطَّ‮ ‬بعدُ‮ ‬النّظام الرّعوي‮ ‬القبلي‮ ‬الّذي‮ ‬هو العنصر المؤسّس لهذه المجتمعات العربيّة،‮ ‬حتّى بعد مرور قرون كثيرة على خروج الموجات البشريّة من جزيرة العربان‮.
لا مناص لنا سوى رؤية عرب اليوم كعربان الأمس حتّى وإن ركبوا الطّائرات وقادوا السيّارات وتشاتتوا في‮ ‬الإنترنت‮. ‬حتّى أولئك الّذين ولدوا وترعرعوا في‮ ‬دول الغرب لم تتغيّر مفاهيمهم،‮ ‬فكثيرًا ما نسمع عن جرائم ما‮ ‬يُسمّى‮ "الشرف‮" ‬بين أفراد هذه الجاليات،‮ ‬في‮ ‬اسكندينافيا،‮ ‬بريطانيا فرنسا وغيرها‮. ‬وهذه الجرائم العابرة للبحار والقارّات تحدث لأنّ‮ ‬المجتمعات العربيّة هي‮ ‬مجتمعات ترعرعت في‮ ‬ذهنيّة أبويّة ذكريّة في‮ ‬طورها البدائي‮ ‬الحيواني‮. ‬فإذا كان هذا ما‮ ‬يحدث في‮ ‬أوروبا فما بالكم بما‮ ‬يحدث في‮ ‬أرجاء العالم العربي؟‮ ‬
لهذه الحالة أبعاد سيكولوجيّة بعيدة المدى على تطوّر المجتمع بعامّة‮. ‬إنّها حالة مرضيّة لدى الذّكورة العربيّة الّتي‮ ‬يمكن إيجازها في‮ ‬أنّ‮ ‬الشّرف الذّكوري‮ ‬العربي‮ ‬لا‮ ‬ينبع من ذات الذّكر،‮ ‬إنّما هو شيء نابع من مكان خارج ذاته‮. ‬أي‮ ‬أنّ‮ ‬شرف الرجل العربيّ‮ ‬ليس كامنًا في‮ ‬ذاته ودواخله هو،‮ ‬بل هو شرف‮ ‬يأتيه من مكان آخر،‮ ‬من شخص آخر،‮ ‬وعلى وجه الخصوص من المرأة،‮ ‬الحلقة الأضعف في‮ ‬هذه المجتمعات‮. ‬وما إصرار الرّجل العربي‮ ‬على السّيطرة على قَدَر المرأة،‮ ‬وبخاصّة جسدها،‮ ‬سوى محاولة منه للتّشبّث بكرامة وشرف مفقودين لديه منزوعين من ذاته اجتماعيًّا وسياسيًّا‮. ‬من بين أهمّ‮ ‬الأسباب إلى حقيقة كون السّلطات الإجتماعيّة والسّياسيّة في‮ ‬المجتمعات العربيّة على مرّ‮ ‬العصور بدءًا بالقبيلة الجاهليّة وانتهاءً‮ ‬بالدّول القائمة الآن سلطات قهر واستبداد لا تسمح بأيّ‮ ‬تعبير ذاتيّ‮ ‬عن كيان إنساني‮ ‬ذي‮ ‬خصوصيّات فرديّة،‮ ‬فحال الفرد في‮ ‬الدّولة العربيّة هي‮ ‬كحاله في‮ ‬ذهنيّة القبليّة الرّعويّة العربيّة المتجذّرة‮. ‬لذلك،‮ ‬فإنّ‮ ‬كلّ‮ ‬ما‮ ‬يمتّ‮ ‬إلى كرامة الفرد،‮ ‬الإنسان العربي،‮ ‬يصبح شيئًا معدومًا لديه‮. ‬لهذا السّبب بالذّات نجد الرّجل العربيّ‮ ‬يذهب بعيدًا خارج ذاته باحثًا عن ذاته المكبوتة لدى الحلقة الأضعف من حوله،‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬المرأة،‮ ‬الزّوجة،‮ ‬الشّقيقة،‮ ‬البنت إلخ‮. ‬
ومثلما لم‮ ‬يأت الإسلام بجديد من النّاحية الدّينيّة،‮ ‬كمل ورد في‮ ‬غير موضع من الصّحيحين وغيرهما‮: "‬عن أبي‮ ‬سعيد الخدري‮ ‬قال،‮ ‬قال رسول اللّه ص‮: ‬لَتَتّبعنّ‮ ‬سنن الّذين من قبلكم شبرًا بشبرٍ‮ ‬وذراعًا بذراع،‮ ‬حتّى لو دخلوا جحر ضبّ‮ ‬لاتّبعتموهم‮. ‬فقلنا‮ ‬يا رسول اللّه،‮ ‬اليهود والنّصارى؟ قال‮: ‬فمن؟‮". ‬كذلك لم‮ ‬يأتِ‮ ‬الإسلام بجديد من النّاحية الإجتماعيّة ولم‮ ‬يغيّر الإسلام شيئًا لدى العربان‮. ‬فالحديث‮: "‬خياركم في‮ ‬الجاهليّة خياركم في‮ ‬الإسلام‮" ‬هو تكريسٌ‮ ‬لهذا النّمط القبلي،‮ ‬حتّى وإن زيد فيه‮ "إذا فقهوا‮". ‬إلى ذلك انضاف أيضًا مبدأ تفضيل الذّكر على الأنثى‮: "‬للرّجل مثل حقّ‮ ‬الأنثيين‮"‬،‮ ‬تكريسًا للمبدأ الذّكوري‮ ‬المجتمعيّ‮. ‬بكلمات أخرى،‮ ‬كلّ‮ ‬ما في‮ ‬الأمر أنّ‮ ‬الإسلام حوّلَ‮ ‬المجتمعات القبليّة المتناحرة إلى قبيلة جديدة من نوع آخر،‮ ‬قبيلة‮- ‬أُمّة ذكوريّة المنحى،‮ ‬ووجّهها للسّلب والنّهب خارج جزيرة العربان‮. ‬غير أنّ‮ ‬هذه القبيلة- الأمّة سرعان ما تفكّكت فبرزت النّعرات القبليّة المتجذّرة فيها،‮ ‬والّتي‮ ‬تمحورت حول أحقّيّة الخلافة،‮ ‬أي‮ ‬السّيادة السّياسيّة‮. ‬وهكذا،‮ ‬عادت حليمة لعادتها القديمة،‮ ‬لأنّ‮ ‬طبع العربان‮ ‬يغلب تَطبُّعَهم‮.‬
ما العمل إذن في‮ ‬هذه الحال؟ الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر السّهل‮. ‬إنّها تستدعي‮ ‬قدرًا كبيرًا من الشّجاعة الأخلاقيّة لدى أفراد‮ ‬يحملون راية التّغيير‮. ‬يجب عدم الإستمرار في‮ ‬دسّ‮ ‬الرّؤوس في‮ ‬الرّمال،‮ ‬كما‮ ‬يجب التّصريح بالأمور علانية ووضعها للنّقاش والجدل‮. ‬فإن نحن لم نسأل أنفسنا الأسئلة الصّعبة،‮ ‬كيف سنصل إلى حلول للقضايا المستعصية؟‮ ‬من هنا‮ ‬يمكننا أن نقول إنّ‮ ‬العقليّة الذكوريّة القبليّة المتجذّرة والملفوفة لاحقًا بأيديولوجيّة دينيّة إسلاميّة هي‮ ‬هي‮ ‬لبّ‮ ‬المشكلة‮. ‬فعندما تجذّرت النّظرة بأنّ‮ "الرّجال قوّامون على النّسا‮ء"،‮ ‬أي‮ ‬كما‮ ‬يفسّر ابن كثير ذلك بأنّ‮ ‬الرّجل قيّم على المرأة‮" ‬وهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدّبها إذا اعوجّت‮"‬،‮ ‬ماذا تبقّى لنصف المجتمع العربيّ‮ ‬المقموع أن‮ ‬يفعله لصالح هذا المجتمع‮. ‬لذلك نقول إنّ‮ ‬الحلّ‮ ‬بابه مفتوح على مصراعيه وهو باب المرأة،‮ ‬والمرأة بالذّات في‮ ‬هذه المجتمعات‮. ‬
من أجل الوصول إلى هذه الغاية،‮ ‬يجب إقناع الرّجل العربيّ‮ ‬بأنّ‮ ‬شرفه وكرامته‮ ‬يجب أن‮ ‬ينبعا من ذاته هو ومن جوهره هو كإنسان فرد قائم بذاته،‮ ‬وليس من أيّ‮ ‬جوهر لذوات أُخَر‮. ‬فلكلّ‮ ‬فرد،‮ ‬رجلاً‮ ‬كان أم امرأة،‮ ‬شرف نابع من ذاته هو‮. ‬لهذا،‮ ‬يجب تحرير الرّجل العربيّ‮ ‬من عقدته المزمنة من خلال تحرير شرفه وكرامته من تلابيب ما‮ ‬يسمّى شرف المرأة‮.‬
ثمّ‮ ‬على الحركات النّسويّة العربيّة أن تأخذ زمام المبادرة وتطالب بوضع قوانين لتحديد النّسل،‮ ‬بمعنى إسقاط النّظرة إلى المرأة بوصفها ماكينة للتّفريخ فقط‮. ‬إذ أنّ‮ ‬هذا التّفريخ العشوائي‮ ‬لا‮ ‬ينتجُ‮ ‬شيئًا،‮ ‬بل‮ ‬يشكّل عالة تنخر في‮ ‬المجتمع أوّلاً‮ ‬وقبل كلّ‮ ‬شيء،‮ ‬ثمّ‮ ‬بعد أن‮ ‬يعلو الزّغب والرّيش أجنحة هذه الفراخ تطير باحثة عن سبل وطرق للهجرة بحثًا عن الرّزق وراء البحار‮. ‬لنتفكّر قليلاً‮ ‬بما فعلت الثّورة الصّينيّة‮. ‬ألا نرى كيف أنّ‮ ‬الصّين في‮ ‬السّنوات الأخيرة،‮ ‬وبعد عقود قليلة قياسًا بأعمار الشّعوب،‮ ‬قد بدأت تأخذ مكانتها اقتصاديًّا واجتماعيًّا في‮ ‬ركاب الدّول المتطوّرة؟‮ ‬
ولو حاولنا أن نفهم كيف وصلت المرأة في‮ ‬العالم المسيحي‮ ‬إلى هذه المكانة المتقدّمة،‮ ‬فما من شكّ‮ ‬في‮ ‬أنّ‮ ‬ثمّة جذور حضاريّة دينيّة لهذا الوضع‮. ‬فالحضارة المسيحيّة الّتي‮ ‬ترفع شخصيّة السّيّدة مريم العذراء إلى درجة سامية قد تفوق أحيانًا شخصيّة‮ ‬يسوع المسيح،‮ ‬لا‮ ‬يمكن إلاّ‮ ‬يكون لمكانتها هذه تأثير مباشر على تطوّر بنات جنسها في‮ ‬هذه المجتمعات‮. ‬
أنظروا مثلاً،‮ ‬كيف‮ ‬غيّب التّراث القبلي‮ ‬العربيّ‮ ‬الإسلامي‮ ‬المرأةَ‮ ‬من تاريخه،‮ ‬فعلى سبيل المثال،‮ ‬كيف لنا أن نفسّر اختفاء خديجة بنت خويلد من الأحاديث النّبويّة،‮ ‬وهي‮ ‬الّتي‮ ‬عاشت مع الرّسول ربع قرن من الزّمان لم‮ ‬ينكح أخريات معها في‮ ‬هذه الفترة المؤسّسة والحرجة من التّاريخ الإسلامي‮. ‬كيف ذا لم‮ ‬يُرْوَ‮ ‬حديث واحد عنها تقول فيه عن الرّسول إنّه قال كذا وكذا،‮ ‬أو فعل كذا وكذا إلخ؟‮ ‬ألم تتحدّث خديجة مع أحد من البشر،‮ ‬أو ألم‮ ‬يسمع منها أحدٌ‮ ‬طوال ربع قرن من الزّمان كلمة واحدة عن الرّسول،‮ ‬وهي‮ ‬المُبَشَّرَة‮ "‬ببيت في‮ ‬الجنّة من قصب،‮ ‬لا صخب فيه ولا نصب"؟‮ ‬إنّ‮ ‬إلقاء نظرة سريعة على وضع المرأة المسيحيّة في‮ ‬المجتمعات العربيّة،‮ ‬مقارنة بوضع المرأة المسلمة تُعزّز ما نرمي‮ ‬إليه في‮ ‬هذه المقالة‮. ‬
إذن،‮ ‬جذور التأخُّر العربيّ‮ ‬الإسلامي‮ ‬كامنة في‮ ‬هذه النّظرة إلى المرأة،‮ ‬ومن هنا فإذا أردنا أن نبحث عن حلول فإنّ‮ ‬المرأة العربيّة هي‮ ‬الحلّ‮. ‬والخطوة الأولى‮ ‬يجب أن تتمثّل في‮ ‬محو جذريّ‮ ‬للأميّة المتفشّية لديها‮. ‬ذلك لأنّها،‮ ‬وفي‮ ‬المستقبل المنظور،‮ ‬ستبقى هي‮ ‬الشّخصيّة الّتي‮ ‬تقوم بالدّور المركزيّ‮ ‬في‮ ‬تربية الأولاد،‮ ‬مادام الرّجل‮ ‬يخرج باحثًا عن أسباب المعيشة للعائلة في‮ ‬بعض الأحيان لأيّام وأسابيع‮. ‬فحيث تكون الأمّ‮ ‬متعلّمة وواثقة،‮ ‬وعضوًا فاعلاً‮ ‬ومنتجًا في‮ ‬المجتمع،‮ ‬تستطيع أن تربّي‮ ‬جيلاً‮ ‬متعلّمًا وواثقًا ومنتجًا هو الآخر أيضًا‮. ‬وفقط حينما تكون المرأة كذلك تستطيع أن تعطي‮ ‬من ذاتها لأطفالها‮. ‬وإن لم تكن كذلك،‮ ‬فما الّذي‮ ‬تستطيع أن تمنحه لأبنائها،‮ ‬غير الحنان؟‮ ‬لا شيء‮. ‬يجب أن نعترف بأنّ‮ ‬حنان الأمومة وحده لا‮ ‬يكفي‮ ‬لدفع المجتمعات قدمًا‮. ‬من هذا المنطلق،‮ ‬يجب إعادة الثّقة بالنّفس للرّجل العربيّ،‮ ‬من خلال تحريره من سجنه المزمن في‮ ‬الشّرف القائم خارج ذاته في‮ ‬بقعة محدّدة بين أرجل المرأة،‮ ‬زوجةً‮ ‬كانت أم ابنة أم شقيقة،‮ ‬إلخ‮.‬
من أجل الخروج من مأزق المجتمعات العربيّة والإسلاميّة،‮ ‬هنالك حاجة إلى إعادة هيكلة لهذه المجتمعات،‮ ‬بشرط أن تنبني‮ ‬هذه الهيكلة على‮: ‬أوّلاً،‮ ‬إعادة الثّقة للرّجل العربيّ‮ ‬بنفسه،‮ ‬وجعل شرفه نابعًا من ذاته هو،‮ ‬لا من ذوات أخر‮. ‬ثانيًا،‮ ‬سنّ‮ ‬قوانين المساواة التّامّة والمُطلقة بين الرّجل والمرأة في‮ ‬جميع مناحي‮ ‬الحياة الاجتماعيّة،‮ ‬السّياسيّة والاقتصاديّة‮. ‬ثالثًا،‮ ‬وضع الفرد،‮ ‬وعلى وجه الخصوص المرأة،‮ ‬في‮ ‬مركز الحياة العربيّة،‮ ‬ذلك لأنّها في‮ ‬نهاية المطاف هي‮ ‬الحلّ‮ ‬الوحيد وليس أيّ‮ ‬شيء آخر‮.‬

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف