كتَّاب إيلاف

من وراء اغتيال الحريري؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إن عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، الشهيد رفيق الحريري، وتسعة آخرين من مرافقيه ورجال حمايته وإصابة العشرات من الأبرياء يوم الاثنين، 15/2/2005 في قلب العاصمة بيروت تعيد للأذهان الصور البشعة ذاتها التي بدأتها قوى الشر في تدشين الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. تفيد السيرة الموجزة لحياة المغدور الحريري أنه كان رجلاً عصامياً بدأ حياته فقيراً حيث أضطر أن يجمع بين الدراسة والعمل لإعالة عائلته ودفع تكاليف دراسته إلى أن تخرج من الجامعة في بيروت ومارس التدريس في السعودية ثم المحاسبة وبعدها صار مقاولاً وجمع ثروة يحسد عليها حيث صار مليارديراً وصاحب شركة مقاولات كبيرة ومؤسسة إعلامية.
وفيما بعد، كرس الرجل كل نشاطه وثروته في خدمة بلاده، لبنان، حيث لعب دوراً كبيراً في استقراره وإعادة بنائه بعد 15 عاماً من الحرب الأهلية الطاحنة التي أحالت بيروت الجميلة التي كانت تلقب بسويسرا العرب، إلى خرائب وأنقاض ومدينة أشباح. فتبوأ رئاسة الحكومة اللبنانية بعد تلك الحرب اللعينة منذ العام 1992 لولايات ثلاث، إلى أن استقال في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتجاجاً على التدخل السوري في فرض تجديد ولاية الرئيس اللبناني أميل لحود لثلاث مرات خلافاً للدستور، حيث انظم إلى المعارضة.
وكان الحريري صديقاً مقرباً للرئيس الفرنسي جاك شيراك والحكومة السعودية خدمة لمصلحة بلاده، ومعروف عنه أنه كان ضد تواجد القوات السورية في لبنان. ويعتقد أنه كان وراء صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 القاضي برحيل القوات السورية من بلاده واستعادة سيادته. وبذلك فقد أثار غضب وعداء نظام البعث السوري والمنظمات التابعة له مثل حزب البعث وحزب الله اللبنانيين.
لا شك إن اغتيال الحريري بهذه البشاعة عمل إرهابي مرعب، ليس من نتاج منظمة إرهابية صغيرة ذات إمكانيات محدودة، بل لا بد وأن وراءها تحالف دولي يضم حكومات وما لها من تنسيق بين تنظيمات إرهابية في المنطقة، وهي جزء من عملية أكبر يراد منها إشعال الحروب الأهلية عن طريق إفشال عملية السلام الجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ودمقرطة الشرق الأوسط الكبير ومواصلة الإرهاب في العراق وإشعال حرب أهلية جديدة في لبنان واستمرار الانتفاضة في الضفة والقطاع.

فبعد سقوط النظام البعثي الصدامي في العراق وفشل إيران وسوريا ومنظماتهما الإرهابية في إفشال العملية الديمقراطية في العراق، وبعد وفاة ياسر عرفات الذي كان يشكل عقبة في حل القضية الفلسطينية، وفوز السيد محمود عباس (أبو مازن) في رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وما يعرف عنه من براغماتية وتصميم على حل القضية الفلسطينية سلمياً، كل هذه الأمور بعثت الأمل في النفوس على حل هذه الصراعات وإطفاء بؤر التوتر وجر البساط من تحت أقدام المنظمات الإرهابية مثل حزب البعث والقاعدة وحزب الله والحكومات التي ترعاها، لذلك نشطت هذه الجهات بإبراز مخالبها، ومحاولتها بالقيام بسلسلة عمليات لاغتيال زعماء سياسيين من أنصار الحل السلمي مثل الزعيم الفلسطيني محمود عباس وزعماء المعارضة اللبنانية المطالبة برحيل القوات السورية مثل وليد جمبلاط. وما اغتيال الشهيد رفيق الحريري إلا البداية في سلسلة العمليات الإرهابية التي أعداء السلام والديمقراطية القيام بها في المنطقة.
والجدير بالذكر أن الزعيم اللبناني المعارض، وليد جمبلاط، قد اتهم قبل فترة قصيرة حزب البعث اللبناني باغتيال والده الشهيد كمال جمبلاط في السبعينات من القرن الماضي. كما يعتقد أغلب المحللين السياسيين الغربيين والمعارضة اللبنانية أن النظام السوري متورط في اغتيال الشهيد الحريري. أما التصريحات التي أدلى بها مسؤولون سوريون على عجل في الدفاع عن أنفسهم وببراءتهم من التهمة، وحتى ما أذيع عن منظمة تدعى (الدعم والجهاد في سورية ولبنان) عن مسئوليتها في الاغتيال وبأن الحريري عميل سعودي...الخ فهي بمثابة ذر الرماد في العيون لا تقنع أحداً.
واغتيال الحريري هي عبارة عن رسالة تحذير من سوريا وإيران لأمريكا والدول الغربية الأخرى، أنهما بإمكانهما إشعال حروب أهلية في لبنان والعراق ومنع حل القضية الفلسطينية ما لم يكن لهما دور فعال في العملية ومطالبة أمريكا بالتخلي عن مناهضتها لهما ومشروع دمقرطة المنطقة.
لا شك أن الأيام القريبة القادمة ستكشف المجرمين الحقيقيين وأغلب الدلائل تشير إلى ذات الجهات والمنظمات الإرهابية الموغلة في الإجرام والتي احترفت إشعال الحرائق في المنطقة مثل حزب الله والبعث والحكومات التي ترعاهما، سوريا وإيران. ولم يستخلص قادة هاتين الدولتين أي درس من مصير صدام حسين ونظامه المقبور. فمازالوا يفكرون بعقلية الأشقيائية والبلطجية في مواجهة السياسيين الغربيين الذين اعتمدوا العلم والعقلانية في مواجهة مشكلات العصر وحلها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف