رسالة إلى أعضاء الجمعية الوطنية العراقية الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تهان وشجون وآمال!
أهنئكم من القلب جميعاً لنجاحكم في أعمالكم الانتخابية الأخيرة! ومهما اختلفت القوائم التي ذهبت إليها أصواتنا فينبغي في النهاية أن تجمعنا قائمة واحدة، قائمة حب العراق والعمل من أجل أهله ومستقبلهم. ولا بد من احترام إرادة الجميع وتقدير جهودهم ونواياهم مع زوال أو بقاء الملاحظات والانتقادات المتبادلة. المهم أن تنطلق مسيرة جمعيتكم لتحقيق مهام هذه المرحلة الدقيقة الحرجة، متطلعين أن يكون كل شيء أفضل في المراحل اللاحقة. ها أنتم تنالون ثقة الناس في بلادنا وتحملون آمالهم وأحلامهم الكبيرة في فترة تفتحهم، بعد طول ظمأ، للحرية والديمقراطية. لكم اليوم بهاء الخطوات الأولى ووضع لبنات التأسيس! فلتكن خطوات مرهفة متأنية صائبة!
يمكن القول إنكم لم تحققوا طموحاً شخصياً بقدر ما تريدون تحقيق طموح شعبنا في أصعب وأخطر مرحلة في تاريخه. لقد نجحتم في الوصول إلى المكان الذي غيب في العراق طويلاً بينما كان قد ولد لأول مرة قبل آلاف السنين في هذا العالم على أرضنا الطيبة! إنه المكان الحيوي الأكثر أهمية الذي تتجلى فيه إرادة شعبنا وضميره بأوضح صورة. اليوم أنتم تتسلمون مجلساً أعلى للوطنية العراقية عجز أن يرقى إليه المترددون والخائفون وأدعياء الوطنية ممن برروا أو صمتوا عن قطع الرؤوس وتفجير البيوت والشوارع وأنابيب النفط تمهيداً لقطع رأس العراق!
ومع الإقرار بشجاعتكم ونضالاتكم الطويلة وتضحياتكم، لا بد من التأكيد أن من أعاد إحياء هذا المكان العظيم في قلب العراق ومن أوصلكم إليه هي أرواح شهداء شعبنا ودماؤهم الطاهرة، ودموع الثكالى والأرامل وحسرات اليتامى والمضيعين. أنتم تعرفون إن كل صناديق الاقتراع لن تستطيع استيعاب القليل من دماء العراقيين التي سالت في نضالاتهم ضد النظام الدكتاتوري المنهار في سوح الإعدام وفي السجون وفي المقابر الجماعية وفي الحروب التي زجوا بها دون إرادتهم، ولعدم وجود مجلس وطني حقيقي فاعل مثل مجلسكم. اليوم نستطيع القول إن هذه الدماء وهذه الأرواح البريئة النقية وتلك الدموع التي ما تزال تتدفق لم تذهب سدى. لقد فتحت بأمواجها العاتية طريق الحرية لشعبنا ووطننا وللكلمة النزيهة الصادقة الشجاعة الحاسمة التي ننتظرها كيما تصدر عن أفواهكم. كثيرون أرادوا الإبقاء على أجواء المهاترات وتبادل الكلمات الفجة بعيداً عن هذا المحفل الراقي لأن هذه الأجواء، كانت الغطاء المناسب للصراعات الدموية والانفلات الأخلاقي والحضاري. إن الحوار والجدل أمران طبيعيان وضروريان في حياة كل شعب. ويحدونا أمل أن تسموا أنتم بهذا الحوار إلى مستوى يليق بآلام شعبنا وآماله!
الموجة الثانية الكاسحة التي أوصلتكم إلى هذا المجلس العتيد هي شجاعة شعبنا وشرطته وجيشه الجديد. فهؤلاء الرجال والنساء الذين خرجوا من بيوتهم الخالية من الكهرباء والوقود، والملصقة على جدرانها تهديدات الإرهابيين الأنذال، ليضعوا تواقيعهم وراء قوائمكم الانتخابية اجترحوا مثالاً لا ينسى للشجاعة العظيمة. لم تجر انتخابات في العالم في هكذا ظروف عسيرة رهيبة.لقد انفرد شعبنا بتحمل قدر هائل من الألم والعذاب وترك لوحده طويلاً! وها هو يثبت اليوم إنه قد حول العذاب والألم إلى مصهر لعزيمته لتخرج قوية صلبة لا تقهر. وقد صنعت اليوم هذه المعجزة! كذلك شجاعتكم،أيها الأخوة، ما كان لها أن تثمر وتتألق لولا أنها انبثقت من معدن هذا الإنسان العراقي الكبير ونالت إسناده ودعمه واحتضانه!
الموجة الثالثة الحاسمة التي أوصلتكم لهذا المكان الذي كان حلماً بعيد المنال هي ما يمكن تسميته بالروح الجديدة التي بدأت تهب على هذا العالم الذي غشاه ظلم وجور طويلان! أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسوفيت المندثرون كانوا مع صدام وهو يضع شعبنا في الأسر. واليوم، ولأسباب كثيرة، تقوم أمريكا وبريطانيا ودول أخرى بإطلاق شعبنا ووضع صدام في الأسر. وإذا ما تفتحت أبواب وأنوار في الليل الحالك الطويل فمن الخطأ عدم اغتنامها. اللعبة طبيعية في صراعات الأمم وإن بدت كالأقدار لكنها ستكون واضحة مفهومة ضمن حكمة شعبنا وخبراته وتجاربه. لا ينبغي الشعور بأية عقدة نقص إزاء الدبابة الأمريكية التي رافقت صناديق الاقتراع.جنودها اليوم حلفاؤنا وأصدقاؤنا ولا نتمنى أن نعود يوماً إلى العداء والكراهية ما دام هناك إقرار بحقوق وواجبات الجميع. لقد أجرى بلدنا أولى الانتخابات في تاريخه (بل أولى الانتخابات في تاريخ العرب ) عام 1924. وكان جيش الإنجليز إلى جانبها فكانت ناجحة وساعدت كثيراً في تقريب يوم استقلاله الوطني. وأجرى المصريون انتخاباتهم بعدها بأشهر من نفس العام وبوجود عساكر الإنجليز فكانت ناجحة وقربت يوم استقلالهم الوطني. وأجرى الفلسطينيون قبل أيام انتخاباتهم وهم تحت أبشع احتلال، والمؤمل أنها ستقرب يوم خلاصهم الوطني. لا تصغوا للمشككين المتشدقين بالنضال بالسيارات المفخخة التي يزفون بها أنفسهم إلى حوريات الجنة، فإن هم إلاعبيد للشقاء وحراس للعدم! أصغوا لنبض العراق ونبض العصر! اتفقوا مع الحلفاء على جدول لانسحابهم لا تلهوجه أو تربكه المشاعر التهويشية المؤججة من قبل بعض الجيران والأشقاء الذين يريدون ترقيع وطنيتهم المتهتكة بمزق من وطنيتنا! امتثلوا في ترتيب الانسحاب المحتم لحاجات بلدنا الطبيعية والملحة للأمن والتحديث والبناء! ولكن في نفس الوقت لابد من الحد قدر الإمكان من تدخل الجانب الأمريكي في الشأن الوطني والأمني العراقي. إذ للأسف صنع الأمريكيون في السنتين المنصرمتين على أرضنا عن قصد أو دون قصد الكثير من الصعاب لنا ولهم،في هذه المسيرة المعقدة،وأفعالهم التي يصعب فهمها تكاد تودي بفضيلة مساعدتهم لشعبنا وبلادنا. إن مكافحة الإرهاب هي ليست فقط حاجة أمريكية أو غربية بل إنسانية وعراقية أيضاً. فهؤلاء الإرهابيون الوحوش، حتى لو استجبنا لهم وأخرجنا الحلفاء من أرضنا وأغلقنا مدارسنا ومستشفياتنا ومصانعنا وحرمنا الموسيقى والشعر والتصوير وغطينا أوجه النساء بالصفيح، فهم لن يرفعوا سكاكينهم عن رقابنا ما لم نسلم على أيديهم من جديد، ونطيل لحانا لتكون كلحاهم مزارع للقمل، ونسلمهم بناتنا ليكن جواري لأمرائهم، وبغداد لتكون عاصمة لإمبراطورية طالبانهم وسرطانهم وجذامهم!
تدركون جيداً إن وطننا يقف في منعطف تاريخي نوعي حاسم. وأنتم الآن من يمسك بمقود مساره الجديد،حيث الصراع لا يدور حول السلطة وأسماء قادتها،بل حول نقل العراق من التخلف والحياة البالية التعيسة القديمة إلى الحياة الجديدة التي تجعله يحتل مكانه بين دول العالم المتحضرة وينال ما يستحقه من حياة هانئة رغيدة آمنة. وهذا سيتحدد بشكل دقيق وحاسم في الدستور الذي ينبغي أن يكتب بأوسع مشاركة شعبية، مستعينة بأفضل الخبرات القانونية والسياسية لكي يكون دستوراً معبراً عما يدور في ضمير ووجدان شعبنا كله ولا تبقى لفئة أو شريحة أي ريب فيه. إن أهم أسس ينبغي أن يقوم عليها هذا الدستور هو إطلاقه لأوسع مدى من الحريات العامة وترسيخ الديمقراطية وإزالة أية كوابح أو عوائق تقف في طريق تقدمه. إن أعظم احترام نسديه للدين وللدولة هي في عدم زجهما في معترك واحد. وأفضل ما نقدمه للجيش هي حصره بمهماته الدفاعية الوطنية،وتحريم الانقلابات، وتجريم الانقلابات السابقة، وحصر تداول السلطة بصناديق الاقتراع. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن لا شيء يخرب الدولة والمجتمع كسوء استعمال الدين،وسوء استعمال الروح العسكرية. لا بد من ايلاء اهتمام خاص بالمرأة. فهي التي تحملت القسط الأعظم من العذاب لحقب طويلة ثاكلة وأرملة ومعزولة ومستضعفة. وآن لها أن تتمتع بحق متساوٍ مع الرجل. ودون تحريرها من ظلام وقسوة القرون الطويلة لن تكتمل حرية مجتمعنا ولن يتحقق ازدهاره!
على الدستور أن ينص على نبذ الطائفية والسعي ولو تدريجياً على التخلص من معاييرها ومظاهرها وآثارها. إن من يريد التبجح بالنصر الطائفي يرتضي لنفسه نصراً أسوء من هزيمة! إن نجاح أية مجموعة في تحقيق نفسها لا يعني إخضاعها للمجموعة الأخرى أو إذلالها. إذ الكرامة الوطنية حق متساوٍ، فلا يحق لأي مجموعة أن تنتقص من كرامة الأخرى. لا توجد طائفة مبرأة من الذنوب والخطايا بينما الأخرى مثقلة بكل الذنوب والخطايا. إن ما جرى في وطننا لنصف قرن هو بهذا الشكل أو ذاك من غرس وحصاد أيدينا جميعاً كعراقيين. فقد كنا وما نزال مسؤولين عن مصير وطننا. ولا بد لنا، إذا أردنا تكوين مجتمع سعيد مزدهر، من أن نمتثل لقيم مراجعة الذات وتحقيق التسامح والمحبة ومساعدة الآخر على تجاوز أخطائه وعثراته. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر! وأفضل صيغ لذلك هي ما يمكن الوصول إليها عبر الحوار الوطني العميق الجاد والصادق دون أن يعني هذا التهاون مع الأشرار والمجرمين الذين كانوا رؤوس الشر والدمار والفتنة وخراب الوطن والناس. إن كثيراً من المنتخبين قد أشاحوا عن قوائم واتجهوا لقوائم أخرى ليس بدوافع قومية أو دينية أو طائفية فقط بل لأن هذه القوائم قد وعدتهم بالقصاص من القتلة السفاحين والفاسدين من أتباع وأعوان النظام السابق وحزبه الفاشي. ونأمل أن تبر بوعدها في ملاحقة هؤلاء الأشرار،الذين بدلاً من أن ينالوا جزاءهم العادل، جرى منحهم مواقع مؤثرة ومتنفذة في الدولة والمجتمع ووسائل الإعلام ليحكموا الدولة والمجتمع من الباطن. بينما أهمل الضحايا واضطهدوا من جديدة ولم ترد لهم حقوقهم في وظائفهم أو بيوتهم وممتلكاتهم المصادرة. لذا لا بد من تطهير أجهزة الدولة والشرطة والإعلام من هؤلاء المتسللين العاملين مع الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة التي ترمي إلى تفجير العهد الجديد وقطع مسيرة البلاد وإشعال الحرب الطائفية. يجب الإسراع بمحاكمة صدام وعصابته وإنزال العقاب العادل بهم وبكل من يثبت ولوغه بدماء العراقيين أو أعراضهم وممتلكاتهم. ثمة دول مجاورة تتبارى في المزايدة على ادعاء حرصها على هذه الطائفة أو القومية أو تلك بينما يثبت التاريخ على الدوام أن ليس هناك دولة تفرط بمصالحها من أجل الآخرين وراء حدودها. بل كثيراً ما تجعلهم قفازاً لنواياها الشريرة. لذا ينبغي عدم الامتثال لغير مصلحة العراق وأهل العراق ولوحدتهم الوطنية!
من المؤمل أن تستوعب الفدرالية طموح التجمعات السكانية في وطننا لإدارة شؤونها، ونتمنى أن يستمر توحد العراق عرباً وكرداً وتركمان وآشوريين إلى أبعد مدى بل حتى أبدياً. ولكن إذا وجد الكرد أن الفدرالية لا تلبي رغباتهم ونزعوا للانفصال، كما ظهر في استفتائهم المقحم على الانتخابات العامة، وأرادوا الافتراق عن العراق، فمن الضروري أن يمتلك مجلسكم الشجاعة لمنحهم حقهم في تقرير مصيرهم بدولة مستقلة، فيسلموا أرضهم كاملة لا تنقص متراً واحداً ولا تزيد متراً واحداً، على أن تحدد مساحتها جغرافية وتاريخ المنطقة لا الخرائط الشوفينية ولا الشعارات البراقة المغرية.بذلك يتحقق خير العراق وكردستان معاً! إذ من المستحيل أن تقوم وحدة وطنية راسخة أو أبدية على توازنات سياسية مؤقتة أو على منة أو فضل من هذا الطرف أو ذاك. فهي ستكون ملغومة بحروب وصراعات طاحنة مؤجلة للأجيال القادمة!
لا بد من الارتقاء بمستوى الحقوق الممنوحة للتركمان والآشورين وتبجيل روح انتمائهم الصادق للعراق والاجتهاد في أن يمنحهم الدستور الجديد طرقاً أفضل لإدارة شؤونهم تتناسب والمنحى الفدرالي في الحكم. إن كون المسلمين هم الأكثرية يلقي عليهم مسئولية أكبر في احترام المسيحيين والمندائيين واليزيديين واليهود ومنحهم الفضاء الأوسع لإجراء طقوسهم والتعبير عن مشاعرهم ونشر ثقافتهم وتراثهم واستعادة ما سلب من حقوقهم والاعتذار لهم عن أية انتهاكات أو إساءات وقعت عليهم!
نأمل أن تنجح كلمات الدستور المنتظر في أن تحتضن كل هذه الآمال وبشكل أوضح وأدق وأكثر رحابة وعمقاً. إن ما سيبزغ من مكاسب ديمقراطية ودستورية ووعود كبرى هي ليست عطاء أو فضلاً أو ابتداعاً من مخيلة سياسية. إنه تعبير عن نبض وجدان شعبنا الذي عانى وتعذب طويلاً وآن له أن يستريح بعد أن أودع ثقته لضمائر وعقول ذكية أمينة مخلصة من أبنائه الطيبين ليكتبوا أحلامه على شكل دستور حديث!إن الأهداف بعيدة المدى تقتضي انتظاراً طويلاً بينما هناك حاجات عاجلة ملتهبة تقتضي المعالجة السريعة. لذا ينبغي أن لا تغفل الدورة القصيرة نسبياً لهذا المجلس التصدي للإرهاب والفساد معاً،فهما رأسان بشعان لوحش واحد. ولا يمكن قتل هذا الوحش الهائل الذي يسعى لابتلاع حياة العراقيين دون قطع رأسيه معاً. لقد خرج هذا الوحش من رحم الدكتاتورية والتعصب والقسوة والعزلة الطويلة. ويمكن للديمقراطية والتعددية والشفافية أن تصرعه. ولكن الديمقراطية لا تعني الرخاوة والتسيب والتهاون.إنها تستدعي الحزم والقوة العادلة لتبقى وتزدهر وتدحر أعداءها. لا ينبغي أن تنبثق عن مجلسكم حكومة رخويات، فالبحر هائج والإرهابيون كواسج شرهة مسعورة برائحة الدم. الناس تنتظر منكم حكومة قوية فولاذية حاسمة غير مترددة وينبغي أن تكون إحدى فقرات جدول عملكم اليومي تسجيل الخطوات التي تقطعونها على طريق تصفية الفساد والإرهاب معاً وبلا هوادة.
لا تنسوا شهداء شعبنا! لبوا تطلع عوائلهم المشروع بمعاقبة قتلتهم في السجون والمقابر الجماعية وفي حلبجة والأنفال، وأعلموهم بما حققتموه على طريق العدالة! ارعوهم بما يكفي ولا تدعوا أبناءهم فريسة لليتم والهوان! اعملوا على إيوائهم في بيوت لائقة وأمنوا لهم رواتب مجزية تقي زوجاتهم وآباءهم وأمهاتهم ذل الحاجة! إن هؤلاء هم أصحاب الاستحقاق الأول. ولا هناء ولا راحة لغيرهم إذا ظل هؤلاء في ظلم وإهمال!
تنبهوا إلى أن إهمالكم لهذه الأعداد الهائلة من المنفيين بعذر تردي الأوضاع الأمنية لم يعد مقنعاً! وقد أخذ يساورهم شعور لا يخلو من صواب أن الحكومة والقائمين على الأمور يعاملونهم بقسوة متعمدة وكأنهم هم الذين مارسوا مظالم العهد السابق وأشعلوا حروبه المدمرة، بينما عاد الكثير من رجال العهد المقيت المندثر ليحتلوا مفاصل في الدولة ويتمتعوا بخيرات الوطن. هؤلاء المنفيون الذي تجاوز تشرد بعضهم الربع قرن ما يزالون يذوون ويموتون في المنافي، بل راح البعض للأسف يزايد على وطنيتهم. لذا لا بد من التواصل الحقيقي والواسع مع هذه الجموع الهائلة من المنفيين وتسهيل عودة من يريد العودة منهم وتمكينهم من استرداد وظائفهم وبيوتهم المصادرة وحقوقهم الأخرى والعمل على تصفية أفكار وممارسات تحاول الترويج للتمييز والفرقة بين ما يسمى بأهل الداخل وأهل الخارج. ينبغي الإصغاء لآرائهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم الموضوعية والمخلصة والعمل على الاستفادة من طاقاتهم وخبراتهم الهائلة. لا يمكن بناء العراق الجديد دون جهود ومعارف وطاقات هؤلاء الذين اكتسبوا علوم وتجارب عظيمة بجهودهم المضنية واحتكاكهم بحضارات وثقافات العالم. لا بد من تقدير جهود و نضالات المثقفين منهم، شعراء وأدباء وكتاب ومسرحيين وتشكيليين وموسيقيين، فهم الذين عرفوا بقضية شعبنا في العالم وبمعاناة شعبنا وحقه في الحرية والديمقراطية. وقد كان لهم الأثر الفعال في هبة العالم لمساعدة شعبنا وكذلك في تشكيل وجدان شعبنا وإنعاشه في محنه المتلاحقة وإبقاء جذوة الأمل متقدة فيه حتى تكللت بالنصر. لابد من أن تبقوا على تواصل معهم ومع مثقفي الوطن المخلصين جميعاً، تصغون لكلماتهم وموسيقاهم. ألوانهم فبها الضوء الذي ترون به جوهر الأشياء تحت ركام الواقع المزدحم الصاخب المشوش!
لا تستثقلوا هذه النصيحة أو غيرها من النصائح التي ستنهال عليكم، بل ابحثوا عنها في بيوت الناس وفي المقاهي والحقول ومعاهد الفكر.إن بقاء نوافذ مجلسكم مفتوحة هو الذي سيغمركم بالنور والأمل والقدرة على العطاء! ربما لم يعان شعب في المنطقة والعالم الآلام والعذابات التي عاناها شعبنا، ومن حقه أن يتطلع اليوم لحياة هانئة مستقرة كغيره الشعوب ليعيش معها بندية واحترام متبادل. ورغم قصر مدة بقائكم في البرلمان لكنكم ستضعون المنطلقات الأولى لحياته في الدستور المنتظر الذي سيكون رسالة الحب لشعبكم وللحقيقة وللتاريخ. ومن المعروف إن كلمات الحب الطيبة الأولى هي التي تجعل الحب خالداً إلى الأبد!