كتَّاب إيلاف

الفاشية الاوربية والفاشية العربية: درس مقارن

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

" ان اسطورتنا هي عظمة الامة "! (موسليني)


مقدمة:
-----
بقدر ما كان القرن العشرون جميلا بكل انجازاته ومعطياته الحضارية والفكرية والتكنولوجية، بقدر ما كان قد توالد فيه من نزعات واتجاهات وسياسات وحروب واوبئة ودكتاتوريات وثورات بدائية وحركات عنيدة وعنيفة أضرت بالانسان وأخّلت بمنظوماته القيمية ونالت من امكاناته وعطّلت ابداعاته وبددت ثرواته وافقرت قدراته وسفكت دمائه وبطشت بوجوده.. ولعل من اقسى ما ولد في قرن مضى الحركة الفاشية التي ولدت وعاشت وتبلورت في كل من حكومات ايطاليا والمانيا واسبانيا، ثم انتقلت بعدواها الى شعوب ونخب واحزاب عدة في العالم.. واعتقد ان العالم كلّه لم يتأّثر بها قويا كما تأثر العرب بافكارها ويا للاسف الشديد، نتيجة التقاء جملة من عناصرها مع تفكيرهم، وخصوصا ان العرب مشهورون بالمفاخرة والمصادرة والمناجزة والمحاسنة والمرافعة والنسيب والاعتزاز بالاصول والاحادية وتربيتهم لدهور طوال على سماع العنتريات وهم تحت حكم المماليك او قسوة الباشوات او هجمة الخانات.. لقد وجدوا في رسالة الفاشية التي تعد الشعب ببعث الامجاد حلما سعيدا وطيفا نورانيا نتيجة جملة هائلة من المواريث والسلوكيات التي ترّبت ولما تزل تتربى عليها اجيالهم العربية الجديدة من دون ان يجدوا ما لدى الامم الاخرى من امتيازات وآفاق من نوع آخر!

خطايا الفاشية العربية
----------------
واذا كان الاخرون قد انتجوا ركاما هائلا من الافكار والفلسفات والمفاهيم والايديولوجيات التي ساهمت واحدتها بتوليد الاخرى في اماكن شتى من العالم ، فان العرب بقوا يجترون طقوسهم ويقلّدون ميراثهم ويتعبدون في ترديد مفاخرهم واشعارهم واساطيرهم وملاحمهم، ويطنبون في تمجيد ذاتهم، ويبكون بكاء الصعب على ماض يعتبرون انفسهم جزءا منه، والصحيح انه مسيطر عليهم سيطرة عمياء.. لقد تلاقت طبائع العرب مع العناصر الفاشية ومبادؤها، بعد ان كانت الفكرة القومية للقرن التاسع عشر قد غادرتها اوروبا، ولكنها غدت موضع اهتمام فوق العادة عند العرب في القرن العشرين.. لقد وجدناهم يقدسونها وخصوصا في كل من العراق وبلاد الشام، ثم لحقت بهما مصر على عهد جمال عبد الناصر. ولم تزل فصائل كبيرة من العرب حتى يومنا هذا تستمع الساعات الطوال الى خطابات عبد الناصر لاشباع عواطفها القومية، اذ لا علاقة بخطابات الرجل مع واقعنا المعاصر ابدا!
دعونا الان نتوقف قليلا عند معنى الفاشية، ثم نتحّول الى تقهقرها اوربيا وبقائها عربيا حية ترزق في مجتمعاتنا وبلداننا، لتسبب مشكلات لا حصر لها، ولتتسلط باسم احزاب وحركات وزعامات غاية في الشراسة والعصبية والتطرف والاستبداد منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى هذه اللحظة وقد اجتاز العالم كله عصر الحكومات الشمولية كي يبدأ عصر جديد يرث تركة الماضي الثقيلة، وعلينا نحن العرب ان نتوّقع ازمات ومشكلات ومعضلات عرقية واقلياتية وطائفية ودينية في القرن الواحد والعشرين.. بسبب الاحتقانات التي ولدتها السياسات الفاشية في البلاد العربية، اذ ان لها تداعياتها التاريخية التي لا يحسّ بها الا من يقرأ التاريخ قراءة متمعنة، فلقد دّق الفاشيون العرب في مجتمعاتنا أسافين خطيرة ضد القوميات والاقليات والطوائف والملل والنحل التي كانت تتعايش باسمى حالات التعايش على امتداد عصر طويل.

معنى الفاشية Fascism
---------------
تجمع العديد من الموسوعات العالمية بأن الفاشية مبدأ شمولي (أو كما يطلق عليه: توتاليتاري)، يعد حامله نفسه ارقى من الاخرين.. وهو شكل من اشكال الانظمة السياسية التي سادت في فترة ما بين الحربين العظميين. ومصطلح Fascism مشتق من كلمة Fasces التي تعني: حزمة من القضبان كان يستعملها القضاة في الامبراطورية الرومانية لمعاقبة الناس. وعليه، فان الحركات الفاشية تعد نفسها ادوات قمع لمعاقبة الناس وتطهير ارواحهم من اجل رسالة قومية جديدة، يتعين عليها تخليص الامة من التفسّخ والانحطاط والانهزامية التي تكون قد غاصت فيها. وكان مبدأ هذه الحركات الفاشية في اوربا يسعى الى بعث الحياة في الامة وروحها، واعادة الامة الى سابق عظمتها وامجادها. وبدأت كلمة فاشيا تستخدم في ايطاليا في العقد الاخير من القرن التاسع عشر، لتشير إلى جماعة أو رابطة سياسية عادة ما تتكون من اشتراكيين ثوريين. ولقد وظفها موسوليني لوصف الجماعة البرلمانية المسلحة التي شكّلها أثناء الحرب العالمية الأولى ويعد موسوليني أول من بلور المفهوم في زيه الفاشي مؤشرا على ممارسته عمليا في واقع سياسي شحن يوما بعد آخر بمصطلحه: "fascism" بمعان أيديولوجية واضحة، وعلى الرغم من ذلك فلقد بقي توظيف اصطلاحي "الفاشية" "fascism" و"الفاشي" "fascist" يفتقران إلى الدقة، خصوصا عندما ينتج الإساءات السياسية للواقع ويؤثر بالضد في مجتمعات اخرى، فيصبغها مثله بالدكتاتورية ومعاداة الديمقراطية.
وعليه، فان الفاشية اساسا هي شكل عرقي نضالي للقومية التي ترى المجد في مشروع عنف وتطهير وعقاب.. ومن المؤسف ان الاحزاب الفاشية قد وجدت نفسها بركوبها موجة الليبرالية وجسرها كي تصل الى السلطة وتبدأ العمل ضد المبادىء الليبرالية في الحريات والمساواة والعدل. لقد ظهرت الفاشية وتبلورت في اماكن رئيسية من اوروبا: المانيا وايطاليا، فلقد توحدتا في القرن التاسع عشر، ودمرتا في الحرب العالمية الاولى (مع ان ايطاليا كانت في جانب المنتصرين)، ولكنهما بدءا يشعران انهما مهددان من قبل الثورة الروسية عام 1917 حيث عمّت الاضطرابات اوروبا. وصفق الشعبان للفاشيين باعتبارهم حماة للتضامن القومي وسيحققوا الامجاد التليدة.. ولكن اكتشف العديد من المفكرين الاوربيين بأن الفاشيين استخدموا المبادىء الميكافيلية لتحقيق مآربهم، وساقوا بلدانهم الى الحروب والكوارث بعد ان ردد أدولف هتلر على رأس النازيست الالمان انهم افضل عناصر البشر، وبعد ان كان موسليني يردد صائحا مهتاجا وهو على رأس الفاشيست مقولته الشهيرة: " ان اسطورتنا هي عظمة الامة "! لقد لحق بكل من الحزب الفاشي الايطالي والحزب الفاشستي الالماني (= النازيون) حزب الفلانج الاسباني، وهو الحزب الفاشي العسكري الذي تعاون مع الجنرال فرانكو اثناء الحرب الاهلية الاسبانية 1936- 1939.

الفاشية بأي معنى تثور اسئلتها؟
------------------
ان مفاهيم جديدة كالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والفصل بين السلطات واحترام الدستور.. الخ قد وجدت الى جانبها مفاهيم من نوع آخر تقول بالفاشية والنازية وصراع الطبقات والدكتاتورية وحكم البروليتاريا والشمولية والرجعية والعمالة .. وكلها ربما استخدمت في وصف من يخالف في الرأي، فما معنى أن نصف شخصًا بأنه "فاشي"؟ وما دلالة ذلك؟ وما هي المعتقدات والآراء التي يحملها الفاشيون، ولماذا يحملونها؟ وماذا يريدون؟ وما الفارق الجوهري بين الفاشيين عن غيرهم؟ وما الذي يكمن اصلا في جوهر الايديولوجيا الفاشية؟ ولماذا لم يتعلم الفاشيون من اخطائهم الكبرى؟ ولماذا يعيش الفاشيون على مخيالهم وطوباويتهم ومثاليتهم وهم يسحقون واقعهم سحقا مريرا؟ ربما لا استطيع الاجابة على كل هذه الاسئلة في مثل هذه العجالة.. وربما أثرت لدى بعض الكتاب والمفكرين العرب الاحرار المعاصرين او القادمين التفكير من اجل البحث طويلا عن اجابات حقيقية لكل هذه الاسئلة.. ولكنني اقول أنه عند دراسة الفاشية تثور أسئلة رئيسية منها:
أولاً: ما هو الدور الذي تلعبه الأفكار والنظريات في السياسية؟
ثانيًا: ما هي طبيعة الأنساق العقيدية التي تتطور في إطارها هذه الأفكار لتشكل أطروحات متكاملة، أي ما هي الأيديولوجيا السياسية للفاشية؟ وما هو تأثير الفاشية الاوربية على العرب خصوصا؟ وما الذي نتج عن تطبيق تلك الفاشية العربية على الحياة العربية وخصوصا السياسية في القرن العشرين؟

الفاشيون العرب
--------
لقد اطلق مصطلح "الفاشي" و"الديكتاتور" بشكل متبادل على كل مَن يتبنى أو يعبر عن آراء منافية أو مخالفة للمنظومة القيمية للأيدلوجية الليبرالية أو مؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا عندما التبس الامر على مجتمعات في طور التبلور السياسي، بحيث وظفت الفاشية باسلوب خبيث جدا واستعيرت لكي تبدو تمثل قيما قومية عليا، وانها تعمل لتحقيق اهداف نبيلة فازداد التعّلق بها وبدأت من خلال ذلك تمارس اقسى انواع القمع واساليب الجلد بالانسان وبالاقليات وبالاعراق الاخرى وانتفت صيغ التعايش والتراحم وافتقدت الاواصر الانسانية.. بل وكثرت الانقلابات والاعدامات لتحقيق اهداف فاشية من خلال ممارسة فكر فاشي..
كما أن الأنظمة الفاشية التي ظهرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين في اوربا قد قدمت صيغًا ونماذج من الحكم والإدارة السياسية لمجتمعات وثقافات اخرى بدأت تؤثر فيها في الاربعينيات والخمسينيات.. ولما جرت تحولات فكرية وسياسية ليبرالية واسعة النطاق في غربي اوربا ازاء متغيرات فكرية وسياسية اشتراكية وشيوعية في شرقي اوروبا.. فان الفاشية نمت وسيطرت وترسخت في مجتمعات آسيوية وافريقية مثل المجتمعات العربية، وبقيت تفعل فعلها سياسيا من خلال احزاب وجماعات وتكتلات وانقلابات عسكرية.. وانتجت كوارث حقيقية في تاريخنا العربي المعاصر في العديد من مجتمعاتنا ودولنا العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وفي ابرز واكبر الدول العربية.. ولم تزل بعض مجتمعاتنا واغلب النخب العربية تعاني من آثار الفكر الفاشي الذي حل في احزاب وافكار وثقافات نخب عربية تحت مسميات وشعارات مثالية عربية ! ويمكنني القول بأن الفاشية هي وليدة القرن العشرين، ولم يرحل ذلك القرن الصعب الا ورحلت كل من الفاشية والشيوعية معه، ولكن مع بقاء آثارهما في احزاب وتكتلات سياسية هنا وهناك..

ما تأثير الفاشيّتين الاوربية والعربية؟
-----------------------------
اعتقد بأن الاثنتين كانتا من جنس واحد بالرغم من اختلاف في الممارسات السياسية والفاشية عموما هي ثورة ضد الحداثة وأفكار وقيم التنوير وضد الحرية والقيم والمبادىء الحرة، اي انها ضد اي واقع ليبرالي يمكن ان يصلح نفسه بنفسه من خلال الممارسات الديمقراطية.. وعليه، فان الاعتقادات السياسية التي أنتجتها الفاشية في اوربا تحالفها مع النازية التي تؤمن بتقسيم البشر اثر تصنيفهم الى انواع عليا ودنيا، فاذا كانت المانيا النازية قد قالت بأن " نتائج الثورة الفرنسية 1789 قد سقطت"، ففي إيطاليا الفاشية قد حلت شعارات "آمن -أطع -حارب"، وكذلك "النظام -السلطة -العدالة" محل مبادئ الثورة الفرنسية الأكثر شيوعًا "الحرية -المساواة –العدالة ". ولم تكن الفاشية مجرد مفاجأة غير متوقعة، وغير مرجوة لمسيرة التنوير فحسب مثلما وصفها البعض؛ بل عملت على تغيير العالم السياسي، وعمدت إلى اقتلاع الفكر السياسي الحداثي من جذوره. وعليه وجدنا بأن الفاشية العربية التي لبست ملابس عربية في كل من العراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر.. قد الغت من قاموس الحياة العربية " قيم المروءة العربية " وقيم التسامح والتضامن " و " مصادر التحّضر " و " تراث الانسان والتعايش والاقليات " ورسخت سطوة " الاحادية والقومية الواحدة والاقصاء للاخر "، وانها قامت بالغاء " الحريات والنخب والبرلمانات " واحلت بدلها استعارة " الثورة والانقلابية والعسكريتاريا "، وانها دمّرت قيم الحداثة والواقع والعقل " ورسّخت قيم " اليوتوبيا والمخيال والشعارات "، وانها اقصت روح " الحوار والتعددية والانفتاح " ونفخت في النفوس اعمال " القسوة والانغلاق والملاحقات والتجسس " و" سجل التعذيب والاعدامات والموت "، لقد رسخّت عبادة البطل الوهمي تحت مظلة رائد القومية العربية او الزعيم الاوحد او بطل الامة العربية او رئيس الى الابد.. الخ
ظاهرة ما بين الحربين العظميين

الممارسات الفاشية العربية
--------------
1/ العراق: بروسيا العرب
لقد انتقلت الفكرة وممارساتها مستعارة بشكل او بآخر لتترجم منذ ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين في بعض بيئاتنا العربية الصعبة وخصوصا في العراق وبلاد الشام، فكان ان برز العديد من الفاشيين الجدد من المثقفين القوميين العرب الذين وصل الحد ببعضهم ان يحّول العروبة الاجتماعية النبيلة الى افكار شوفينية قاتلة بكتابات سمّاها (صناعة الموت) وقد ترجمت استعارات شوفينية صارخة كلها من نسج الخيال عندما سمي العراق في الثلاثينيات (بروسيا العرب) لأنه سيجمع العرب كلهم ويوحدهم سياسيا، وبدأ مسلسل الانقلابات العسكرية منذ الثلاثينيات عربيا بحدوث اول انقلاب عسكري في العراق بروسيا العرب العام 1936.. في حين بدأ مسلسل اضطهاد الاخرين من الاقليات بالقصف بالطائرات وفي بروسيا العرب نفسه بالذات سواء ضد الاثوريين العراقيين في الثلاثينيات او في ضد اكراد حلبجة عندما احرقهم النظام العراقي السابق بالاسلحة الكيمياوية ابان الثمانينيات !! ولا يمكننا ان نتغافل عن تأثير النازية والفاشية على العرب ابان الحرب العالمية الثانية واحتواء المانيا وايطاليا لكل من رشيد عالي الكيلاني من العراق والمفتي امين الحسيني من فلسطين! وتأثير ذلك على الضباط الاحرار في مصر بشهادة انور السادات!
2/ استعارة " البعث " من الفاشيست الطليان
لقد ترجم كل من زكي الارسوزي وميشيل عفلق وصلاح البيطار جملة من الافكار الفاشية الاوربية لينطلقوا بتسمية حزبهم "البعث العربي" على غرار " البعث الايطالي "، اي ترسيخ التفكير الفاشستي عربيا وباسم القومية العربية والذات العربية والرسالة العربية ومن دون اي شعور بالذنب، وقد نجحوا في استعارتهم من دون ان يعي الفكر العربي بأن واقعا فاشيا عربيا بدأ يقف على قدميه، ومن دون اي معاناة حقيقية للعروبة من اي واحد منهم.. ولقد وعى ساطع الحصري ذلك الغثاء الذي مارسه البعثيون ولكن بعد فوات الاوان في الستينيات عندما انتقد ممارسات البعث الفاشي بشدة في كتابه عن الانقلابية ضدهم.. علما بأن الحصري نفسه الذي قال بـ العروبة والقومية العربية اولا، لم يكن عربي الاصل اذ تقول معلومات قديمة تعود الى ما بعد الحرب العالمية الاولى بأن اصل الحصري من اطراف ماردين في الاناضول.
3/ الفاشية العربية تعبير عن التخلف السياسي العربي
ان الفاشية العربية قد وجدت نفسها في بيئة عربية متخلفّة سياسيا، وهي بذلك قد اختلفت عن الفاشية الأوروبية اختلافا كبيرا، فاذا كانت هذه قد افرزها تاريخ من مصالح وتطلعات البورجوازية والنخب السياسية، فان العربية قد ولدت وترعرعت في رحم المتمردين على بقايا الاوليغاريات العثمانية بكل ما يحمله العرب من التفسخات والامراض فأفرزت اعضاء فاشيين فاسدين ومشوهين نجحوا ويا للاسف الشديد من التسلل الى السلطة وتسلم أعلى المناصب والمسؤوليات وبدأوا يمارسون فاشيتهم باساليب عربية متنوعة منها: التآمر اوالقتل او الاغتيالات او زرع الفتنة اوالخديعة والمكر.. بحيث تفوقوا على الفاشيين في اوروبا.
4/ الثورات الشعبية الحقيقية والانقلابات العسكرية الفاشية:
ولابد ان نفهم ونميّز بين الثورات الشعبية ضد الاستعمار والتي عرفها العرب في القرن العشرين، مثل: ثورة العشرين في العراق، وثورة 1919 في مصر، وثورة عمر المختار في ليبيا وثورة عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وثورة عز الدين القسام في فلسطين عن مسلسل الانقلابات العسكرية العربية الذي جرى في سوريا ومصر والعراق وليبيا والجزائر واليمن والسودان.. ولعل تلك السلسلة لا تخلو من نزوعات فاشية وجماعات مغامرة وتكتلات عسكرية لضباط سمّوا انفسهم بـ (الاحرار) وتسلطت احزاب وزعامات فاشية مستبدة في المواقع الاولى من خلالهم وقد اضرّت بشدة وبضراوة مجتمعاتنا العربية واخّرت مسيرتها وخلقت فيها من المشكلات والتناقضات وحروبا باردة مما لا يحصى عدده ابدا.. ولنا ان نقارن اليوم بين مجتمعات عربية عاشت الانقلابات العسكرية بضراوة وحماقة وبين مجتمعات عربية اخرى لم تمر بمثل تلك السلسلة من الممارسات الفاشية.
جوهر الفاشية العربية واساليب الخلاص منها في القرن الواحد والعشرين
اولا: خصائص الفكر الفاشي العربي
لقد بلغت الفاشية العربية بصفتها ظاهرة تاريخية من التعقيد والتركيب ما تعذر معه تحديد جوهر مبادئها أو" الحد الأدنى الفاشي القومي " الذي ضّيع على العرب بممارساته المضادة والقمعية والبوليسية والاستبدادية والدكتاتورية والاحادية والانغلاقية اكثر من نصف قرن من الزمن، كان على العرب ان يكونوا اليوم اكثر قدرة في مشاركة العالم حيويته وفعالياته وانشطته، فضلا عن ضياع الارادة والعقل بما زرعه المتعصبون من الفاشيين العرب القدماء والجدد من افكار عقيمة خيالية وشعارات راسخة من دون واقع وتربّت اجيال عدة في القرن العشرين على خرافات فاشية لا اساس لها من الصحة. ويمكن تحديد ملامح وخصائص عامة للفكر الفاشي العربي بالجوانب التالية:
1-مناهضة المذهب العقلاني بغياب الثقة في المنطق والفكر عند الفاشية الاوربية والعربية، ولقد دعم الفاشيون كل مؤيديهم واغدقوا على الاجهزة الاعلامية باستخدام عامل الجذب للجماهير والايمان بشعارات مزيفّة او كاذبة والانفاق على العملاء المنتشرين في صحف ومجلات ومراكز (دراسات) والانفاق المهول على الترسانتين الاعلامية والعسكرية وخصوصا على الاذاعات التي تنشر فكر الفاشية بمسميات عربية!
2-القومية العسكرية الفاشية الاوربية والعربية طّورت نموًّا وهميا للقومية كشعور وهوية على حساب العروبة الاصيلة الاجتماعية النبيلة التي كانت ولم تزل تدعو للتعايش والتوافق مع بني البشر.. لقد اكد الفاشيون العرب على الفكرة القومية الفاشية من دون احترام الثقافات المختلفة واكدوا فقط على تفوق أمة العرب على جميع الأمم الأخرى كما هو تفكير النازيست الالمان.
3- سعت الفاشية الفاشية الاوربية والعربية سواء إلى دعم ما هو أكثر من الوطنية وحب الوطن، فهي ترمي إلى خلق شعور كثيف وعسكري بالهوية القومية، وهو ما عُرِف بـ "القومية المتكاملة"، وتجسد الفاشية شكلاً من أشكال الرأسمالية المتعصبة للفاشيين فقط والأمل في انبعاث القومية وميلاد الكبرياء القومي من جديد على ايدي حفنة من المتعصبين.
4- كان نظام الفاشية هو النموذج الديكتاتوري المتمثل في خضوع الفرد التام للدولة، اذ لم تسمح الفاشية بوجود مجتمع مدني حديث ولا ديني قوي ورأت في ذلك تهديدًا لقوة الدولة، وسحقت المعارضة سحقًا، وعرف نظامها الداخلي قبضة بوليسية حديدية، فكثرت العسس والجواسيس والشرطة السرية..
5- استخدم الفاشيون العرب في كافة انظمتهم السياسية ادوات القتل والاعدام والتهجير والتغييب والملاحقات والتجسس والمخابرات واسلوب الاغتيالات واستلاب العقول والتكتيكات وإختلاق الأزمات وتهييج العواطف وترويج الشعارات والخطب الرنانة .. فضلا عن العنف والارهاب، فلقد احتمى بجدرانهم ارهابيون عتاة امثال: ماركوس وابو نضال مما جعل بيئاتهم مؤهلة للارهاب.
ثانيا: هل تشهد الفاشية رواجاً في القرن 21، وكيف يتم خلاص العرب منها؟
اذا كان الاوربيون قد تخلصوا من النزعة الفاشية وآثارها المميتة، فان العرب ما زالوا يحملون في تفكيرهم نخبا واحزاب وجماعات.. تفكيرا فاشيا او آثار نزعة فاشية.. اعتقد ان مجمل التحولات التي تحدث في العالم اليوم كفيلة بأن تخلق فكرا عربيا جديدا له قطيعته النهائية مع اي نزعة فاشية سادت في القرن الماضي، بل وتصبح نماذج الامس مجرد تجارب تاريخية لابد من دراستها والتعلم منها لا التعلق بها واعادة انتاجها وممارستها من جديد.. ان الانفتاح على العالم اليوم ومعرفة كيفية التعايش مع امكاناته المذهلة سيجعل تفكيرنا هو الاقدر على ان يمارس حقه بكل حرية على اجراء تحولات واسعة في البنى الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية العربية، وايضا بالاعتماد على استلهام جملة هائلة من القيم الاصيلة غير المشوهة وهي قيم عروبية لا فاشية قومية تتضمن كل الاخلاقيات العالية في السماحة والمقدرة وحسن التعامل والاغاثة والتوسط والتعايش وعدم الاكراه وعدم الاضطهاد ولا القمع وفسح المجال للاخر والانفتاح على العالم والتحرر من القيود والكرامة والعزة والاستقامة والرؤية الثاقبة والشراكة بين الحاكم والمحكوم وتبادل السلطة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية الاقليات واحترام الاديان..
كلها وعلاجات اخرى يمكن للعرب ان يستخدموها في الاتي من الايام خلاصا من عصر فاشي مر به العرب في القرن العشرين متأثرين به باوروبا، وعلى ايدي اناس ادركوا ام لم يدركوا مخاطر الفاشية، وقد اضرهم فكرها ضررا شديدا واخر مسيرة العرب الحضارية وسيرورتهم التاريخية ومن شاركهم حياتهم وعيشهم وكل ترابهم ومصيرهم في اوطانهم.. بل وقادهم الى مهالك وحروب واضطهادات وحكومات قمعية وممارسات مبتذلة واشاع الرعب والخوف وغلق التفكير وزرع الشعارات والخطب الرنانة من دون عقل ولا واقع.. واحتكر السلطات وقبض على انفاس الناس وقبض على حرياتهم وافكارهم وتجارتهم وامم املاكهم وصادر اراضيهم وثرواتهم واجاعهم واورث فيهم الامراض السياسية والكوارث الاجتماعية.. فكيف بالاجيال العربية الجديدة ان تعي الصواب من الخطأ، وتتجرد من اتون التفكير الفاشي لتخلق لها قطيعة تامة معه من اجل بناء فكري وسياسي جديد..

وأخيرا: ماذا يمكنني قوله؟
--------------
ان الانظمة السياسية العربية لابد لها وهي تخطو خطوات اصلاحية وتجديدية جذرية من الاعماق، تحاول فيها ان تعيد علاج الفكر الاجتماعي المسيطر من خلال تحديث الاساليب التربوية والبرامج الاعلامية بحيث تقضي على كل آثار ذلك التفكير المميت الذي يشيع التعصب ويؤمن بالاحادية ويمارس الاضطهاد ويشجع التقليد ويبارك المهترءات.. فهل سيخطو العرب خطوات جريئة في هذا الخصوص من اجل استئصال المواريث الفاشية كي يخرجوا على العالم امة تتساوى مع غيرها من الامم، (امة) تعيد الاعتبار للعروبة النقية التي عاشت عليها مجتمعاتنا بسلاسة وتعايش مع الاخرين وتضامن وسماحة ومحبة واغاثة وتجاذب مع الجميع.. وان تحقق اهدافها وغاياتها وامانيها السامية والنبيلة التي عجز عن تحقيقها الفاشيون، بل واساءوا جملة وتفصيلا الى العرب وكل من يشاركهم التراب والمصير والعيش.. ان اجيالا قادمة ستدرك الصواب من الخطأ، وستلوم تاريخا عربيا طويلا اشاع القهر والفتنة واشعل الحروب الداخلية الاهلية واثار الانقلابات العسكرية واضطهد الناس وبدد الثروات ومارس العنف والارهاب .. هذا ما آمل حصوله عند الاجيال الثلاثة القادمة في القرن الواحد والعشرين.

Sayyarjamil1@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف