كتَّاب إيلاف

ولكن...هل كردستان مٌحتلة حقاً؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحوادث والمٌجريات "المعولمة" في تطايرها وسرعة وصولها إلى أصقاع وزوايا العالم تحمل في تفاصيلها الكثير من أخبار الكرد. وهي أخبار ( قطعاً وحصراً : في ظل الأنظمة التسلطية الحاكمة على رقاب الشعب الكردي) مأساوية تنبئ عن مدى سوداوية المشهد الكردي وحجم الغبن التاريخي الواقع على أبناء هذه الأمة.

ففي تركيا إستطاعت جمهورية كمال باشا أتاتورك بعد تبلورها عام 1923 عن السلطنة العثمانية القمعية أن تجثمّ على نفس ووجود الشعب الكردي في كردستان الشمالية. وقد نجحّ أتاتورك ونتيجة عوامل ذاتية وموضوعية كثيرة في خداع و"إستكراد" قادة وشيوخ الكرد وتعبئتهم ضد من أسماهم بأعداء الأمة على أمل نصرته بوجه "الكفرة" ومن ثم بناء دولة حديثة يكون فيها الكرد والترك عنصريها البنائيين، ولكنه ـ كما هو معلوم ـ نكثّ بكل وعوده ولحسّ العهود الشفاهية التي أطلقها للكرد ليذيقهم فيما بعد ( أو حتى ساعة كتابة هذه السطور) الأمريّن في عالمه العبودي المرعب ذاك (ذو المخمس الإقصائي المعروف: وطن واحد، شعب واحد، علم واحد، لغة واحدة وهدف واحد). أو إنه، بكلمّة أخرى، أسسّ منظومة قوميةـ علمانية "عمدت الى تحريم اللغة والثقافة الكردية، وإجبار الاكراد على تعلم اللغة التركية وإخضاعهم لعملية الصهر والتتريك بطريقة مكثفة وتغيير اسماء الاكراد والمواقع الكردية وتتريكها وفرض الغرامات على من يتكلم الكردية والقضاء على الاكراد وعلى ثقافتهم القومية" حسبما يقول عالم الإجتماع والمناضل التركي المعروف إسماعيل بيشكجي. ووفق تلك السياسة وبناءً عليها، فإن الكرد يٌعانون اليوم الواقع المظلم الذي فرضته تلك الأيام التأسيسية الحاسمة والتي لم يكونوا فيها ـ أو لعلهم كانوا ولم يقتنصوا الفرصة ـ ذوو نظرة إستشرافية وتقديرية ثاقبة. والحال، فإن الكرد في كردستان الشمالية المغتصبة من قبل الدولة التركية يعيشون اليوم في أحوال قاتمة وسيئة للغاية، فسياسة الإنكار ماضية بحقهم والمنهجية التتريكية قائمة وجارية وبأساليب شرسة على قدم وساق، ورغمّ العشرات من الثورات والإنتفاضات في كردستان والتي فاقت 28 إنتفاضة، وكان أقواها إنتفاضات الشيخ سعيد بيران في دياربكر عام 1925 والجنرال إحسان نوري باشا في جبال أرارات وآغري 1937 حيث قضى عليها الجيش التركي بوحشيته المعهودة وأعدمّ قائدها ل"تدفن كردستان هناك وللأبد" كما قالّ أحد الضباط الترك وقتها. ومن ثمّ قمعت ثورة سيد رضا في جبال ديرسم عام 1937. وقامّ الشعب الكردي بثورات كثيرة حتى آخر ثورة وهي ثورة حزب العمال الكردستاني والتي أعلنت الكفاح المسلح عام 1984 ومازالت مٌستمرة للآن.

والآن وتركيا تستعد لدخول الإتحاد الأوربي هذا التجمع الحضاري الذي يٌمثل في شكله الحالي آخر المراحل الحضارية التراكميّة التي وصلّت إليها البشرية عبر تاريخها الطويل( ذلك التاريخ الذي لم تشترك فيه الأرومّة التركيّة المأخوذ بفكرة الفتح والضم سوى بسفك دماء الكرد والعرب والسريان والأرمن وبقية الشعوب هنا وهناك). فتركيا رغمّ المكياج الذي تضعه لتغطية وجهها القبيح ذاك لن تغير من عقليتها العنصرية ليسّ فقط تجاه الشعب الكردي وبقية الشعوب التي كانت تزين المساحة الحضارية في الأناضول بل تجاه بقية شعوب الأرض، وليس لها أن تتغير وتغير بنيتويتها وعقلية ناسها إلا بحالة إنتداب شاملة تفرضها أوروبا عليها لترتقي بشعبها الذي عششّ فيه ثقافة الرفض والتعالي النرجسية، وهوّ مانستبعد أن تنجح فيه أوروبا( وإن كنا نرى المٌحاولة حيوية ولابدّ منها) كما نستبعد قبول تركيا في ناديها إذما جدّ الجد وحانت ساعة المفاصلة الحقيقية...
ثمّة بضع حوادث وقعت في تركيا"المرشحة لدخول الإتحاد الأوروبي" تٌعيد إلى الأذهان تلك العقلية الإستعلائية الفارغة التي يترنح التركي إنتشاءً تحت سحرها الكذوب. ففي بلدة (أورفة) الكردية رفضّ أحد الأطباء الأتراك معلاجة طفل كردي صغير لأنه فقط يحمل إسم كردي(ولات). أما في إسطنبول حيث هناك جالية كردية كبيرة تعد بالملايين( جراء حروب العسكرية التركية وحرقها الأخضر واليابس في كردستان) فقد رفضت موظفة تركية تسجيل طفل آخر تحت إسم كردي، فلمّا ألحّ عليها والد الطفلّ على "قيد" ولده تحت إسم كردي مٌتسلحاً بالتغييرات الأخيرة التي أحدثها البرلمان التركي تحت ضغوطات الإتحاد الأوروبي، فما كان من الموظفة التركية الحانقة سوى معاقبة الطفل ووالده العنيد بتدوين كلمة " مسيحي" ـ كتعبيرعن سخطها وغضبهاـ في هوية الطفل الكردي، فأية عقلية هذه التي تٌحتقر الآخر وتجد في إسمه إهانة لإثنيتها. وطالمّا الترك، أو ثقافتهم الجمعّية الشعبية في أقل تقدير، يكرهون النصارى ويحقدون عليهم( وهو مايقوله لسان حال الجالية التركية هنا في أوروبا، ومؤسساتها الدينية/القومية) فلماذا إذن هذا الإستجاء والزحف على البطن لكي تقبلهم أوروبا في "ناديها النصراني"؟.

تركيا تعامل الأوربيين بعقلية كره وإستعلاء نرجسية كما تعامل الشعب الكردي بعقلية إحتلالية واضحة: تحرق الشجر والبساتين( بساتين هوسر المزنرة لمدينة دياربكر) وتدمر القرى والمدن( 4500 قرية كردية أحرقتها تركيا) وتقتل العزل( 30 ألف كردي قتلتهم القوات التركية وجواسيسها وفرق حربها الخاصة في كردستان الشمالية) وقتلها الأرمن وتهجيرها الكرد والسريان والإيزيديين الكرد إلى خارج تركيا، ويأتي رجل متخلف وحاقد حضارياً مثلّ رجب طيب أردوغان لينتقد أوروبا على عدم قبول تركيا في ناديها زاعماً إن دين تركيا هو السبب: ذلك إن أوروبا تنظر نفسها نادياً مسيحياً..!. فمن هي دولة الدوجّما الأحادية/الإقصائية القاتلة هنا يا ترى؟ هلّ هي تركيا ذات "الشعب الواحد" المٌعتدية التي تعمل ليل نهار على قهر وصهر بقية الشعوب والأجناس في بوتقتها، أم المنظومة الأوروبية الحضارية التي قدمت للبشرية الرقي والعلم والتحضر، ومازالت ؟.

والحال في كردستان الشرقية ( أو كردستان إيران) ليسّ بأفضل مماهو عليه في تركيا، فالظلم هو عينه وحالة القمع والإنكار الإحتلالية مٌشابهة لما يحدث في تركيا وليسّ قتل المخابرات الإيرانية للمواطنين الكرد في سجونها الرهيبة ومنعها اللغة والثقافة الكردية وإهمالها المناطق الكردية إقتصادياً وتنموياً، ومٌحاصرتها الكرد أمنياً معّ كل من أنظمة تركيا وسورية حيث يشكل القوم محوراً ثلاثياً لمحاصرة أبناء الشعب الكردي العزل في قراهم ومدنهم المتخلفة...
ناهيك عن قتلها لقادة الكرد بطرق جبانة في الخارج كما في مثال الدكتور عبدالرحمن قاسملو والدكتور صادق شرف كندي قادة الحركة السياسية الكردية في كردستان ايران، وثمّة ثورة إحتقانية جاهزة ولكن منومة حالياً قد يفجرها الكرد في أية لحظة، أو"مشروع حرب داخلية" على رأي توماس فريدمان يلوح في الأفق مع بوادر أي تغيير داخلي أو خارجي قد يحدث ويٌطيح ـ مشكوراً ـ بحكم الملالي في طهران.

وفي العراق، حيثٌ الأنفال وحلبجة وقتل وسبي الكرد منذ تأسيس الدولة العراقية منذ إلحاق ولاية الموصل بها يكفي للإستدلال على الواقع الإحتلالي الذي تعاملت به العقلية العروبية العنصرية مع الشعب الكردي( وبشكل خاص بعد سطو البعثيين على الحكم حيث أشعلوا النار في كردستان حتى يوم التحرير العظيم في 9 نيسان 2003) والآن، ثمّة حالة من الأخذ والرد بين الكرد وبين القوى العربية المعارضة للبعثيين لتحديد شكل العلاقة الترابطية بين الشعبين في البلد العراقي الجديد، ولنرى إلى ماذا ستؤل إليه الأمور بعد كل هذه السنين الداميّة...

أما في "الجمهورية العربية السورية" فحدث ولاحرج، ليسّ ثمّة من إعتراف رسمي بوجود الشعب الكرد وإقرار بهويته القومية، والدستور السوري يٌعرفٌ سورية دولة عربية ويسمي جميع أهلها عرباً سوريين. فاللغة والفلكلور الكردي ممنوع: تحت طائلة الإعتقال والسجن والتعذيب. والخيرات منهوبة والمناطق متخلفة وثمّة تضييق يومي ضد الكردي فقط لمجرد كونه كردياً(...) ومع وجود مشاريع إستثنائية وعنصرية بحق الكرد كالحزام العربي : تجريد أراضي الكرد منهم ومنحها للفلاحين العرب. والإستثناء العنصري الذي جردّ مايقارب الثلاثمئة ألف كردي من المواطنية السورية وعدّهم منذ مايقارب الخمس وأربعين سنة أجانب ومكتومي قيد: محرومين من كل حقوق المواطنة المتعارقة عليها دولياً ....

ولعلّ الإنتفاضة الكردية في 12 آذار 2004 وتعاملية النظام السوري معها بالحديد والنار كأي نظام إستبدادي بوليسي، إذ قتلّ الناس في الشوارع جهاراً نهاراً وأطلق مليشياته وقطعان كائناته اللصوصية لتنهب المحلات والدور الكردية في مشهد بربري يٌعيد للأذهان صور همجيّة العصابات الناهبة في رواندا الأفريقية.

المشهد الكردي العام، في علاقته بالأنظمة، وكذلك الشعوب التي تقتسم وجود الكرد لايشي بأي تطور أو إرتقاء أو تبلور حالة تفاهم و"حلحلة" للمنهجية القمعية والتسلطية القائمة حالياً. فالتبدل الوحيد حدثّ في العراق بعد العصف الأميركي الذي أطاحّ بنظام صدام وأتاحّ المجال لإجراء أولى الإنتخابات الديمقراطية في البلاد وبمشاركة كافة الفئات والنحل العراقية، حيثّ شاركّ فيها الكرد وحصلوا على حجمهم التمثيلي الحقيقي. وفي تركيا ثمّة خطوات بطيئة، ولكنها مراوغة وخادعة، تجري تحت الضغوط الأوروبية وسطوة التقارير التي يقدمها الموظفون الأوروبيون لقادتهم وقممهم الدورية.أما في إيران: فإن التغيير الذاتي أو الإصلاح الداخلي أمر ميؤس منه تحت حكم نظام الملالي المتخلف، وليسّ من أمل سوى في إمكانية عصف جديد يٌطيح بأوكار الخراب في طهران ويؤسس لمرحلة تشاركية وبنائية عادلة بين الشعوب الإيرانية الكثيرة يٌعيدٌ لكل منها حقهّا المهضوم تحت مٌسميات وشعارات لاهوتية لاتغني ولاتسمن من جوع . ومعّ عدم وجود مشاريع أخرى مطروحة للإصلاح وإعادة تأسيس للمنطقة وتوزيع الحقوق والثروات فيها، فإنّ المشروع الأميركي/الغربي( ومهما زعقّت جموع القومجيين والإسلاميين...) يظلّ هو الوحيد المطرح حالياً لإعادة صياغة هذه المنطقة المضطربة، والتي باتت مصدر تصدير للإرهاب والموت لمناطق العالم الأخرى بأفكارها التدميرية... فكيفّ إذاً لو سايرت أكثر فأكثر لتمتلك سبل القوة وأسلحة الدمار الشامل الرادعة؟.

صحافي كردي مقيم في ألمانيا
tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف