عبد الناصر في ساحة رياض الصلح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخطاب الشعبوي المتدفق والحماسي الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أذكرني بخطابات عبد الناصر الحماسية في ميادين القاهرة ودمشق والاسكندرية في حقبة ما سُمّي بالفوران القومي العروبي وبالهبّات الوحدوية والتحررية التي كانت تترجم ما تُطلقه حناجر الجماهير من الدهماء إلى قرارات سياسية خطيرة أدت في النهاية إلى خراب بيت العرب، وضياع فلسطين والجولان وجنوب لبنان وسيناء وافلاس الخزينة المصرية وهجرة العقول.
الشيخ نصر الله بالأمس لبس القناع الناصري أو هو كان عبد الناصر بعمامة سوداء ولحية كثة وزبد غزير، ووقف أمام مليون (وكنت أعتقد بأن عددهم سوف يصل إلى خمسة ملايين، ولكن يقال أن الباصات في الشام لم تكن كافية لنقل المزيد من عناصر حزب البعث من الشام إلى بيروت فاكتفت بنقل أكثر من نصف مليون عنصر للأسف) من الصحابة والتابعين وتابع التابعين من حزب الله المجندين ومن عناصر البعثيين.. الخ. وخطب فيهم ذاك الخطاب الذي هدد فيه المعارضة اللبنانية وسخر منها (أصحاب الشالات) والشرعية الدولية والقوى الكبرى في أوروبا والقوة العظمى في العالم، وقال لهم جميعاً كما قال لهم عبد الناصر قبل هزيمة 1967 (طُز فيكم) و (اشربوا البحر) و (سوف نهزمكم ونهزم عملاءكم في المنطقة) .. الخ. وهي العبارات نفسها التي كررها حسن نصر الله والمستقاة من قاموس البعث الفاشستي.
فأي عاقل في هذه الأيام يعرف تهجئة كلمة "سياسة" يُدرك بأن حناجر الغوغاء لم تعد مصدر صناعة القرار السياسي بأي شكل كان. وأن صناعة القرار السياسي تتم عبر الخبراء والدارسين والسياسيين المحترفين والمحللين ومعاهد الاختصاص بالتشاور مع مؤسسات العالم. ففي الوقت الذي اعتبر حسن نصر نفسه قوة وحيدة في لبنان وفي الشرق الأوسط اعتماداً على بعبع العرب (سوريا) وذهب المنظمات الارهابية (إيران)، تقوم المعارضة اللبنانية بكل ذكاء ومفهومية وحنكة بزيارة دول الاتحاد الأوروبي ومقر هذا الاتحاد لجمع الدعم المعنوي والسياسي لقوى المعارضة اللبنانية . وخطوة المعارضة هذه تنم على أن المعارضة لا تحتكم للشارع المتشنج ولا لحناجر الدهماء المطالبة بالموت والدمار لأكثر من نصف العالم قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، بل تحتكم إلى القوى السياسية الفاعلة في العالم والتي أصبحت هي (بيضة القبان) في القرار السياسي في كل ناحية من الأرض.
لا يحتاج الأمر إلى ذكاء شديد وبصيرة نافذة لكي يدرك البلهاء بأن "تظاهرة المليون" يوم الثلاثاء النصراوية البعثية كانت للرد على المعارضة اللبنانية التي أسقطت حكومة "الأفندي كرامي" وأخرجتها من الباب الواسع للبرلمان اللبناني. وأن "تظاهرة المليون" الثلاثاء أدخلت "الأفندي كرامي" من جديد من الشباك مرة أخرى، ورشحته مع "حركة أمل" الشيعية الموالية لسوريا، وعدوة حزب الله بالأمس (قتل حزب الله 500 عنصر من حركة أمل في 1985 في اقليم التفاح ذبحاً بالسكاكين، كما قتل المفكرين اللبنانيين اليساريين حسين مروة ومهدي عامل اليساريين).
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء شديد وبصيرة نافذة لكي يدرك البلهاء بأن "تظاهرة المليون" جاءت لكي تقول سوريا للشعب اللبناني وللعالم : نعم أنا أنسحب الآن من لبنان عسكرياً ولكني سأبقى في حلق لبنان ما بقي نظام الحكم البعثي السوري قائماً. وأن ما يخرجه الشعب اللبناني من الباب العريض سوف ندخله من الشباك.
ألم يقل عبد الناصر عدة مرات في خطاباته الشعبوية الرنانة، بأن الاستعمار يخرج من الباب ويدخل من الشباك؟