محنة العقل العربي: البغدادي أنموذجاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
الأستاذ الدكتور أحمد البغدادي أستاذ للعلوم السياسية بجامعة الكويت. وهو علم من أعلام الكويت الثقافية، ومن المفكرين الليبراليين البارزين في الكويت وفي العالم العربي، ومن الناشطين في الشأن العام الكويتي. وأحمد البغدادي هو الشوكة الجارحة في حلق السلفية والرجعية الفكرية الكويتية. ومن هنا كان أحمد البغدادي أول "سجين فكر" في تاريخ الكويت كله في 1999 ، عندما حُكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر، فقامت لجان حقوق الانسان ومؤسسات حرية الفكر والثقافة في العالم، وفي العالم العربي دفاعاً عن أحمد البغدادي، وأخرجته من السجن بمبادرة خيّرة من أمير الكويت.
واليوم تنجح السلفية الكويتية الظلامية مرة أخرى في جرِّ أحمد البغدادي إلى محاكم التفتيش. وتنجح في تلفيق قضية ضده بتهمة "الإساءة للدين الإسلامي". وتحصل على حُكم بسجنه لمدة عام مع وقف التنفيذ، وبغرامة 2000 دينار كويتي، وبفرض الرقابة على مقالاته لمدة ثلاثة أشهر.. الخ. مما اضطر أحمد البغدادي إلى طلب اللجوء السياسي إلى أية دولة غربية في العالم. ومما اضطره إلى التوقف عن الكتابة نهائياً في جريدة "السياسة" الكويتية التي كتب فيها منذ سنوات طويلة. وأعلن بأنه لن يعود إلى الكتابة إلا بعد خروجه من الكويت.
-2-
هل هناك محنة في الثقافة العربية المعاصرة أكبر من محنة أحمد البغدادي؟
وهل هناك محنة للعقل العربي المعاصر أكبر من هذه المحنة وأمثالها من المحن، التي أدَّت إلى قتل المثقفين العرب وسجنهم وطردهم من بلادهم واضطرارهم إلى الهجرة واللجوء السياسي في دول الغرب؟
لقد شهدنا في تاريخ الثقافة العربية الغابر محناً للمثقفين من أمثال محنة الإمام أحمد بن حنبل المعروفة والتي تحمّلها الإمام أحمد بشجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة (خلق القرآن)، وحمل الخليفة المأمون الناس والفقهاء على قبولها قسراً وقهراً.
ومحنة أحمد البغدادي لم تكن في مسألة دينية خطيرة كمسألة "خلق القرآن"، ولكنها كانت في مسألة الدفاع عن عقل الإسلام حين عارض تحفيظ القرآن للصغار غيباً ، حتى لا يتعوّدوا على التلقين وتحجّر العقول كما نادى بذلك من قبل (جريدة "الحياة" 10/1/1999) المفكر السعودي عبد الله الحامد ، فكَّ الله أسره. وهي دعوة لصالح الإسلام وليست ضده لو كانوا يعقلون. وهي لا تقلل من قدر القرآن بقدر ما تعني إدراك وظيفته الرسالية إدراكاً عقلياً وواقعياً سليماً.
لقد شهدنا في تاريخ الثقافة العربية الغابر محناً للمثقفين من أمثال محنة الإمام مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان. ويُروى أنه ضُرب بالسياط حتى شُلّت يده .
والإمام أحمد البغدادي في محنة وبلاء، بسبب حسد ووشاية بينه وبين السلفيين الظلاميين الكويتيين الذين كادوا له، وما زالوا يكيدون كيد النساء، واستطاعوا أن ينتصروا عليه كما فعلوا في السابق. وكما استطاعوا أن يضطروا الكاتب الليبرالي الكويتي الآخر عبد اللطيف الدعيج للخروج من الكويت ، حيث يقيم الآن في أمريكا ويكتب من هناك. وكما استطاعوا أن يخرسوا كثيراً من رموز الحداثة والليبرالية في الكويت، ويقفوا في وجه الدولة بأكملها التي تريد للمرأة الكويتية حريتها وتمثيلها في البرلمان، وهم يريدون لها البيت لا تبرحه للخَلَف والعَلَف.
لقد شهدنا في تاريخ الثقافة العربية الغابر محناً للمثقفين من أمثال محنة الإمام أبي حنيفة النعمان ووقوفه في وجه ظلم وطغيان الخليفة العباسي المنصور الذي قتل أبا حنيفة بالسم. فنحمد الله على أن السلفيين الظلاميين لم يقتلوا المُعلِّم البغدادي كما فعلوا بفرج فودة وحسين مروة ومهدي عامل ومحمود طه المفكر السوداني وغيرهم، وكادوا أن يقتلوا نجيب محفوظ، واكتفوا بإسكات المُعلِّم البغدادي وطرده من الحلبة الثقافية، وربما دفعه إلى الهجرة، كما فعلوا مع نصر حامد أبو زيد والشيخ الأزهري أحمد صبحي منصور المفكر والمصلح المصري واللاجيء السياسي في أمريكا الآن.
-3-
قضية المُعلِّم أحمد البغدادي في هذا الظرف الثقافي الآن قضية كبرى، على كافة المثقفين الليبراليين في العالم العربي وفي المجتمع الدولي التصدّي لها. لقد قامت الأستاذة الدكتورة رجاء بن سلامة بجامعة تونس بكتابة نداء تضامن مع المُعلِّم البغدادي وطلبت من المثقفين الليبراليين وغير الليبراليين من الشرفاء التوقيع عليه، وقد وقّع عليه مجموعة كبيرة من المثقفين من جميع أنحاء العالم
حتى الآن من بينهم: إلهام المانع، الكاتبة والمحاضرة بجامعة زيوريخ بسويسرا، فرنسوا باصيلي، شاكر النابلسي، أحمد الحباشنة، الشاعر محمّد عبد المجيد، كامل النّجّار الباحث المقيم بإنكلترا، الكاتب مجد ي خليل، الشاعر موسى برهومة، الباحث محمّد عبد المطّلب الهوني، الشاعر باسط بن حسن، أحمد دبيكي، جمال سند، الكاتب والناشر بيار عقل، المفكر العفيف الأخضر، الشاعر عبد القادر الجنابي، الطبيب فتحي بن سلامة، الكاتب اليمني حافظ سيف فاضل، الأستاذة بريجيت علاّل، الناشر توفيق علاّل، المحامية الجزائرية وسيلة تمزالي، الناشط في جمعيّة حقوق الإنسان بالسّعوديّة إبراهيم المقيطيب، خالد كرم، المُعلِّم طالب المولي، الكاتب الصحافي فاخر السّلطان، المهندس محمّد الشّيخ، المهندسة ليلى الموسويّ، المهندس محمّد بوشهري، صقر العجميّ، أحمد حافظ من مجموعة الدّفاع عن حقوق المرأة السّعوديّة، نادية شعبان، محمّد الأخضر لالا، عضو حركة التّجديد بتونس، جمعيّة التّونسيّين بفرنسا، الناشطة النسوية فتحيّة الشّعريّ، الأكاديمي السعودي إبراهيم عبّاس نتّو، ماجد حبيب، ليلى بن اللاّغة، الياحثة التونسية آمال القرامي، المحامي محمّد دهشان، يوسف الأجاجي، رضا النّمير، جلّول بن حميدة، رئيس تحرير "تونس الأخرى" ، الكاتب السوري محمود زعرور، ناجي الزّيد أستاذ الفيزيولوجيا بجامعة الكويت، والأخصائي التربوي التونسي عمارة بن رمضان.
هذا أول الغيث وهو قطرة ثم ينهمر، ومن أراد شرف هذا التضامن فليوقّع على العنوان:
Shakerfa@worldnet.att.net
أو:
rajabenslama@yahoo.fr
-4-
محنة المُعلِّم البغدادي جزء صغير وكبير من محنة العقل العربي الآن.
محنة المُعلِّم البغدادي جزء صغير من محنة العقل العربي الآن، قياساً لما يتعرض له العقل العربي في كل أنحاء الوطن العربي من حرب وتخريب وتضليل عن طريق نشر فكر السحرة والمشعوذين، وحجب الرأي الآخر، وحجب المثقفين العقلانيين، ومحاكمتهم وسجنهم وقتلهم وتعليقهم على المشانق وطردهم خارج أوطانهم .
محنة المُعلِّم البغدادي جزء كبير من محنة العقل العربي الآن، قياساً لما تقوم به الأنظمة السياسية والقضائية والأمنية من تبنّي لفكر الظلاميين السلفيين وعدم احضارهم إلى المحاكم العربية خوفاً من بطشهم، ودفعاً لشرورهم، واتقاءً من إرهابهم، مما اضطر فئة من الليبراليين إلى رفع شكاواهم إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن (البيان الأممي ضد الارهاب).
-5-
لقد كان أحمد البغدادي من أهم المفكرين الليبراليين المعاصرين المدافعين عن الإسلام. وكتابه (تجديد الفكر الديني: دعوة لاستخدام العقل، 1999) من أهم الكتب التي صدرت في العشرين سنة الماضية. وهو يخدم الإسلام العقلاني المنير أكثر بكثير مما تخدمها كتب الشيخ القرضاوي أو حسن الترابي أو راشد الغنوشي ، أو كتب الإخوان المسلمين ، أو كتب كثير من أشياخ الأزهر التي لا تقرأ فيها غير علك الكلام، وتجريم الأنام، والحديث إلى الأنعام، والحطِّ من المقام.
وكل من كان يقرأ مقالات المُعلِّم البغدادي في جريدة "السياسة" منذ سنوات طويلة، أو من يقرأ كتابه (تجديد الفكر الديني: دعوة لاستخدام العقل، 1999) سوف يدرك الاضافة الفكرية الحداثية العقلانية التي أضافها المُعلِّم البغدادي لمفهوم الإسلام الحديث والعقلاني. ولعل محاكمته بتهمة "الإساءة للإسلام" هي من قبيل النكات السخيفة، والجرائم الثقافية التي لن تُغفر ولن تُنسى، والترّهات المبتذلة والمعهودة في أوساط السلفيين الظلاميين.
ولكن كل قضاء للمؤمن خير له (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (سورة محمد:31) . والمُعلِّم البغدادي كان من المؤمنين الصابرين، وهو اليوم يتمثل بجزء من القول المشهور للإمام الشافعي:
إن كان رفضاً حبُ العدالة والنُهى (العقل)
فليشهد الثقلان أني رافضي