كتَّاب إيلاف

العمل الإيجابي السلمي من السيد المسيح إلى يوحنا بولس الثاني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في يوم السبت 2 أبريل رحل عن هذا العالم شخصية عظيمة بكافة المقاييس هو قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. كان يوحنا بولس يسير على خطوات وهدي السيد المسيح في قوة التفكير والعمل الإيجابي المتواصل، مما يجعل الحياة سلسلة من العطاء البناء القادر على التغيير الحقيقي، وكل العظماء الذين صنعوا أمجادا على الأرض سلكوا نفس طريق العمل الإيجابي.
كان يوحنا بولس مثل سيده ممتلئا بالسلام والحب والخير والحق والشجاعة، رسول سلام وداعية حوار ومدافع عن الحريات وحقوق الإنسان، وقد قالها بوضوح في أحدى خطبه "أن تفتح قلبك للمسيح يعني أن تفتحه للحرية". و في كلمات واضحة يعرف معني الحرية " ليست الحرية أن نفعل ما نحب، بل أن يكون لنا الحق أن نفعل ما ينبغي فعله".
كان يوحنا بولس ينظر إلى سيده ومثله الأعلى في الشجاعة وقول الحق، كان السيد المسيح "وديعا متواضع القلب"، "وكان يجول يصنع خيرا" " وليس له أين يسند رأسه"، ولكنه كان ضد الظلم والرياء والنفاق، كان حادا وقويا مع الظالمين، وكان شاهدا أمينا على عصره أدان الظالمين إدانة واضحة، وهذا ما فعله هذا الرجل الهادئ يوحنا بولس الثاني فكان شجاعا قويا صامدا مثابرا ضد ما ابتليت به أوروبا الشرقية من المد الشيوعي.
بالحب والحوار والوقوف الحازم في وجه الظلم غير المسيح البشرية، فالسيد المسيح أكبر الثوار في تاريخ الإنسانية ولكنها الثورة السلمية التي تنبذ العنف وتقف ضد الحروب والقتل وسفك الدماء والأعتداء على الأبرياء وترويع الأمنيين. كان السيد المسيح ثوريا في الحب قويا في كشف الظلم،منسحق وشديد الحنو والرحمة امام ضعف الانسان وثائر من اجل حقوقه وكرامته وخلاصه. وهذه الثورية الإيجابية التي تعلمها يوحنا بولس فساهم بشكل فعال في سقوط النظام الشيوعي وعودة حرية الضمير والفكر إلى دول الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ومن سار في فلكهما، وعندما كان أسقفا في بولندا باسم كارول فوتيلا سأله أحد الصحفيين الغربيين عن الكنيسة الصامتة تحت الحكم الشيوعي فأجاب بغضب " ليست هناك كنيسة صامتة ولكن أنتم في الغرب الصامتون عنها ". ولهذا لم يكن غريبا أن ينعيه أغلب قادة العالم بكلمات تحمل كل التقدير لدوره في نشر الحرية والحب والسلام. قال عنه جورج بوش " الموت غيب بطلا مدافعا عن الحرية الإنسانية وعن ثقافة الحياة".
كان السيد المسيح قويا حتى وهو ذاهب إلى الصليب حيث قال لبيلاطس " لقد أتيت إلى العالم كي أشهد للحق وكل ما هو من الحق يسمع صوتي". وفي كثير من الترجمات الغير عربية جئت لأشهد "للحقيقة".
كان المسيح متسامحا إلى أقصى الحدود فيما يتعلق بحقوقه، وكان يعني بالتسامح إمكانية التساهل في الحقوق الفردية singly rights ، من أجل خير المجتمع، ولكنه لا يعني عدم مقاومة الظلم والفساد، أن نحتمل الآلام ونسموا فوقها شيء، وأن نضفي عليها المشروعية شيء آخر. لم يكن المسيح وديعا مع الظالمين، قال عن هيرودس " أمضوا وقالوا لهذا الثعلب" ووصف الكتبة والفريسين بأنهم "حيات أولاد أفاعي، وأنهم كالقبور المبيضة من الخارج وفي داخلها عظام نتنه، وأنهم مراؤون، وأنهم قتلة الأنبياء".
التسامج الذي علمه المسيح قصد به الأفراد لسلامة المجتمع وتقدمه ولم يقصد به أن يتنازل المجتمع أي مجتمع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والروحية، لأن هذا التنازل معناه سقوط المجتمع ونهايته والمسيح أراد قيام المجتمع لا سقوطه.
هو نفس ما فعله يوحنا بولس حيث تنازل عن حقوقه الشخصية، وذهب إلى السجن وزار على أغا الذي حاول قتله واحتضنه في منظر مؤثر وأعلن أنه سامحه وطلب من السلطات الايطالية العفو عنه،ولكن فيما يتعلق بحقوق الناس "كان مناضلا دوليا من آجل الحرية والسلام والعدل ". وهذا هو طريق وحياة المسيح، الرأفة والحب والتسامح والترفق بالخطاة والحزم وقول الحق في وجه الظلم، أن تحتضن الخطأة وتزمجر في وجه الخطية، وبهذا المنطق رفض يوحنا بولس الزواج المثلي والشذوذ والإجهاض، ولكنه كان روؤفا بهؤلاء الذين وقعوا تحت نير الخطية.
قول الحق وأتباع الحقيقة هو الذي قاد يوحنا بولس إلى الأعتذار عن أخطاء الكنيسة الكاثوليكية الغربية، فاعتذر عن العبودية في أفريقيا، وأعتذر للكنيسة الأرثوذكسية عن ما فعلوه وأدي إلى أنهيار الكنيسة الشرقية بالقسطنطينية. وأعتذر لليهود عن 2000 عام من الاضطهادات والتمييز ضدهم. وبرىء اليهود المعاصرين من دم السيد المسيح. وعندما زار معسكر أوشفتيز وصفه بأنه "جلجثة العالم المعاصر" وقال " أن إبادة اليهود تشكل جريمة وصمت على الدوام تاريخ البشرية". ودعا إلى الحوار مع العالم الإسلامي، وهو أول بابا لروما يدخل مسجد ويصلى فيه حيث زار المسجد الأموي في دمشق، وكان من كبار الداعيين إلى الحوار الدولي وقال " أن العالم بحاجة إلى جسور وليس إلى جدران "، وبالتالي فتح المجال لحوار واسع مع العالم الإسلامي من آجل التواصل الإنساني، ولكنه في نفس الوقت رفض الأعتذار عن الحروب الصليبية، لأن الأعتذار يجب أن يكون من الطرفين. واذكر إنه عندما ثارت وطالبت جهات إسلامية ومنها الأزهر البابا يوحنا بولس عام 2000 بالإعتذار للمسلمين عن الحروب الصليبية، كتبت مقالة وقتها في صحيفة القدس العربي طالبت شيخ الأزهر ايضا بالأعتذار عن أخطاء المسلمين من الغزوات إلى الخلافة الإسلامية إلى ارهاب المتطرفين . والحقيقة إنه لا توجد جماعة بشرية على وجه الكرة الأرضية لم يصلها الإيذاء بدرجة أو بأخرى نتيجة أخطاء المسلمين، ومن ثم إذا كان هناك مجالا للأعتذار فيجب أن يكون متبادلا بين اصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاثة حتى يتم طوي هذه الصفحات المظلمة من التاريخ.
جسد البابا يوحنا بولس بوضوح مفهوم أن السياسة والروحانية لا يتعارضان. فالوقوف في وجه الظلم ومقاومته جزء أساسي من اي عمل روحي، ولهذا كان العنوان الرئيسي لصحيفة الواشنطن بوست " رجل دولة ومدافعا عن الإيمان". فلا يوجد تعارض بين الأثنين. الفصل بين الدين والسياسة شيء أساسي لتقدم الدول، ولكن من حق رجل الدين كمواطن أن يمارس السياسة وأن يدعو للخير ومقاومة الظلم، بالطبع اراءه السياسية غير ملزمة لاحد وقد تصيب او تخطئ ومن حقنا الاختلاف معها، ولكن من حقه كمواطن ممارسة السياسة، ولكن ليس بالذبح والقتل ولكن بالعمل السلمي الإيجابي الفعال الذي دشنه المسيح وسار عليه غاندي ومارتن لوثر كينج ويوحنا بولس الثاني. ولهذا يقول البابا الراحل "ليت ثقافة الحياة والمحبة تبطل منطق الموت ".
لم يكن يؤمن بالحرية فحسب ولكنه ايضا كان يؤمن بحقوق المرأة وفي أحد عظاته قال " أيتها المرأة شكرا لك لكونك امرأة". وكان يرى أن مرض العصر الحالي هو فقدان "التسامح".
في دعوته للسلام والتسامح لم يكن كما قلنا يخاف من الظالمين وإنما كان شجاعا جادا في مواجهتهم وله مقولة شهيرة " إذا دخلت القوات الروسية إلى وارسو فسوف أترك الفاتيكان وأواجه مدافعها بصدري"، وفى عام 81 وقف فى ساحة القديس بطرس امام حشد من المصلين وصرخ " بلدى يغطيه الدم واننى اضع هذه المشكلة امام الضمير العالمى". لهذا كله شكل البابا يوحنا بولس استثناء في تاريخ باباوات روما، في شجاعته، في دفاعه عن الحرية والخير والحب والسلام.
في نشاطه الرعوي أيضا كان استثناء في تاريخ بطاركة روما أقام في الفاتيكان 9 مجامع، و6 اجتماعات لهيئة الكرادلة، 15 سينودس، وأشرف على 14 رسالة بابوية، 15 إرشادا رسوليا، 11 دستورا رسوليا، وخطابات يبلغ مجموع صفحاتها 80 ألف صفحة مجموعة في 54 مجلدا، والتقي 400 مليون شخص في هذه الاحتفالات العامة، وعمد 687 طفلا و 814 رجلا، وأحي 1165 لقاء مع حشود المؤمنيين.
وفي النشاط السياسي عقد أكثر من 1600 لقاء سياسي من بينها 776 مع رؤساء دول، 246 مع رؤساء وزراء. ويجيد التحدث بالبولندية واللاتينية واليونانية والإيطالية والألمانية والفرنسية والإنجليزية والروسية.
قداسة البابا يوحنا بولس الثاني
سلاما لروحك وكما أختارك الله في وقت محدد لمقاومة الشيوعية الدولية، نطلب من الله أن يضع في قلب خليفتك هذه الروح المتقدة لمقاومة الإرهاب الدولي.
magdikh@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف