ترفيه

بيروت تغرق في الظلمات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ليست هي تلك الظلمات التي تتهم بإيجادها القوى الأكثر تطرفا من التيارات الإسلامية، انها ظلمات رسمية، توجدها دولة بمؤسسات وسلطات قضائية وتشريعية وتنفيذية، انها "الظلمات الحكومية" بحسب تعبير صديق، هي التي تنتابنا هذه المرة، انها الظلمات الرسمية لدولة لبنانية لم يعد من الممكن ان نميز بينها وبين الفساد. ولا بينها وبين قوات غزو إسرائيلية عبرت من هنا واستقرت لمدة قبل ان تغادرنا.

الظلمات التي تعم الان على اللبنانيين جميعا لم تكن هي نفسها في زمن الغزو الإسرائيلي، حينها، في صيف العام 1982 كان العالم مشغولا بكأسه لكرة القدم، وكانت اجزاء من بيروت ترزح تحت حصار دموي، انعدم في ظله وضمن ما انعدم التيار الكهربائي، ولمدة ثلاثة اشهر هي زمن الحصار، واليوم شاءت الدولة التي لما تزل تتقبل التهاني بتمديد ولاية رئيسها اميل لحود، ولمدة ثلاثة اعوام بمثابة جائزة ترضية على حكم مضى لمدة ستة اعوام لم تتطور خلالها البلاد، وفي حين لما تزل حفلات التهنئة مستمرة كما قلنا، تختفي الانوار وتبهت الصورة، وتبقى ضحكات المهنئين في القصر الرئاسي، ومشاريع الذين خسروا في قصور اخرى تدار في الظلام.

يمكن السير في شوارع بيروت ليلا، يمكن التجول بحرية، يمكن قطع طرق كانت منذ عقد ونيف خطوط تماس ومحاور حربية، يمكن ان تسهر في مقهى باية منطقة لبنانية، ولكن قبل منتصف الليل، لانه مع انتصاف الليل تتوقف شبكات التغذية الخاصة، التي تشغلها مولدات مملوكة من اصحاب المتاجر، وبعدها ستغرق الطرق في الظلام، وتسير في عتمة لا يضيئها الا مصابيح سيارات عابرة.

الصورة نفسها كانت العام 1982، ولكن لم يكن من المحتمل ان تعبر إلى المناطق الاخرى، لم يكن متاحا العبور إلى المناطق الاسلامية، ولا بالعكس الا بشق النفس، وكانت الشوارع الاسفلتية تعكس ضوء القمر، وحفر في الارض هي بقايا قصف النهار من جيش يحاصر مدينة رفضت التسليم.

لا جيش يحاصرنا الان، انه فقط سؤ ادارة اوصلنا إلى العدم، هذا الليل الذي يتدبر الاولاد فيه طرق التهرب من الدرس في الظلام، والذي يصيب المرء بكآبة هو نتيجة سؤ ادارة ترفض الرحيل، انها الديموقراطية مرة اخرى، تأتي بادارات ترفض الرحيل، وحين يحين وقت المحاسبة تتحول المحاسبة إلى حفلات من الترداد المملل للمقولات الجاهزة، وتختفي اصوات المعارضة، التي تعيد كل مصائب بلادنا المتخلفة إلى عامل واحد فقط لا غير :"انه الوجود السوري سبب كل مصائبنا". وفي بال المعارضة القول :"انه الاحتلال السوري لارضنا". وبين الوجود والاحتلال نعيش اسوأ ايام حصار بيروت من قبل قوات غازية، ولكن من غير هذه القوات.

شارع الحمراء اسود، وشارع فردان المترف يخزف الثراء المدعي اسود أيضا، وشوارع الاشرفية المزينة بصور أحلام استعادة حكم احدى الطوائف الاكثر تشددا في البلاد سوداء أيضا، كل ما يخطر في البال من ازقة ودروب ومسالك في لبنان العزيز تكللت بالسواد، ليلها اسود ونهارها بليد ومليء بضجيج مولدات الكهرباء الصغيرة التي تسمح لاصحاب المتاجر والشركات بالعمل.

الدولة التي اوصلتنا إلى اشهار الافلاس تتربع باشخاصها ورؤوسائها حريصة على استقرار الاوضاع، رؤوساء مختلفون في ما بينهم، كل منهم يتآمر على نفوذ الاخر، وكل منهم يغرق في عسل الحكم الذي لا يمل منه المرء، ولكن أي منهم لم يتمكن من اعلان افلاسه الشخصي، اضافة إلى اعلان افلاس جمهورية اين منها جمهوريات الموز. ثمة من يحاول تمرير مشروع موازنة تضرب نفوذ الاخر، وثمة من يحاول "تثبيت الامن الاجتماعي كما ثبت السلم الاهلي". وثمة من يتساءل إلى الان :"من يقف خلف محاولة اغتيال مروان حمادة" النائب والوزير المستقبيل، وبينهم رعاع القوم يتبرمون، "إلى متى سيستمر انقطاع التيار الكهربائي".

قال صديق عربي "المسافة بينكم وبين الدول الاوروبية قصيرة، تشبهون دولة اوروبية في الكثير الكثير، ولكن فقط الفساد وبعض التنظيم" هو ما يميزنا، بحسب رأي الصديق، نعم الفساد الذي اصبح يحرمنا الضوء، وسوء التنظيم الذي صار يشبه جيشا من الأشباح يقف على ابواب عاصمتنا ومدننا وقرانا، قاطعا عنا سبل الحياة، ومهددا باجتياح قلوب أطفالنا.

في ايام مشابهة منذ 22 عاما غنى مارسيل خليفة "بيروت مدينة سودا وحزينة"، واليوم تستعيد البلاد كلها ذكرى هذه المدينة السوداء والحزينة، بانتظار بضعة بواخر محملة بالذهب الاسود الذي لا يني يثير شهية الحكام لمزيد من الفساد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف