ترفيه

المثلية الجنسية والسينما المصرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد عبدالرحمن من القاهرة: رغم عمرها الطويل والذي يزيد عن المئة عام لا تزال السينما المصرية تعاني من انفصام في الشخصية فيما يتعلق ببعض الأدوار الحسّاسة التي يهرب منها الممثلون والممثلات تفادياً للمشاكل ولنظرة المجتمع السلبيّة، فمازال الجمهور يحبّ السينما إلا أنّه يصنّف نجومها حسب الأهواء والتقاليد رافضاَ الاعتراف بأنّ هناك انفصالاً بين الدور ومؤدّيه , ومناسبة هذا الحديث هو الأزمة التي واجهت أسرة فيلم "عمارة يعقوبيان " عندما رفض الفنّان فاروق الفيشاوي وعدّة ممثلين آخرين مجرّد مناقشة أمر قبولهم دور الصحافيّ الشاذّ جنسيا فى أحداث الفيلم المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم, لدرجة أنّ الفنان عادل إمام إنتقد الفيشاوي علناً فى مؤتمر صحافيّ وقال "لا أعرف لماذا يهربون من هذه الأدوار, هل سيركض الناس وراء الممثّل فى الشارع لأنّه ظهر في هذه الشخصية "، وبالطبع أشاد عادل أمام بالممثّل خالد الصاوي الذي قبل الدور دون تفكير و علّق الصاوي بأنّ الشاذّ جنسياً شخصية موجودة في الحياة، والسينما ليس أداةً لتجميل الواقع ,لكنّ شجاعة هذا الممثّل تعتبر حالة استثنائية، و هو ما يظهر فى السطور المقبلة.

بدأت ادوار مثيلي الجنس تظهر فى السينما المصريّة بخجل ، و بأشكال غير مباشرة , فكان يتمّ تقديم الشخص الناعم الأقرب للفتاة بصورة كوميديّة، وغالباً ما يحمل اسماً أنثويا مثل "لوسي " ونذكر هنا الفيلم الشهير "إشاعة حب" بطولة يوسف وهبي وعمر الشريف ,كان من يقوم بهذه الأدوار أشخاص لا يمثّلون بل هم في الحقيقة يمارسون حياتهم بنفس الطريقة ,وبالتالي لم يظهروا في ادوار أخرى,فلم يكن المخرجون يبذلون جهداً في البحث عن ممثّل يقبل الدور، أو تدريب الممثل الذي قبل الدور .

بالطبع كانت كلمة "الشاذّ جنسيا "غير موجودة بل يطلق عليه "خنفس" وهو لفظ كان يطلق فى تلك الفترة على كل من يقلد الغربيين والفرق الغنائية المنتشرة آنذاك وخصوصًا فيما يتعلق بإطالة شعر الرأس وارتداء ملابس ضيّقة وبألوان فاقعة ,وهكذا ظلّ الشاذّ أو الرجل الذي يقلّد النساء مصدر ضحك في الأفلام حتّى بداية السبعينات عندما تحرّر المجتمع بعض الشيء من الحديث عن الشذوذ الجنسي وأصبح لدى البعض الشجاعة فى تناول الشخصية إلا أنّ الأمور لم تكن سهلة , خصوصاً وأنّ معظم الشخصيات كانت للشاذّ السلبي الذي يبحث عن الذكور , ومع انتشار شائعات كل فترة عن إصابة أحد الفنانين بهذا المرض فإنّ الابتعاد عن هذه الأدوار كان أفضل للجميع فالناس ستربط بين الشخصيّة على الشاشة والممثّل كانسان يعيش بيننا , ولهذا استعان المخرج يوسف شاهين بصديق له هو أحمد محرز لأداء هذه الشخصية في فيلم "إسكندريّة ليه " وهو من الممثّلين الذين لا يظهرون إلاّ في أفلام يوسف شاهين , بالتالي هو متحرّر من أيّ قيود قد تفرضها هذه الأدوار .

وكانت مفاجئة فى منتصف السبعينيات أن يقبل الفنّان يوسف شعبان أداء دور فنّان تشكيلي يبحث عن متعته فى حمّام شعبي للرجال في فيلم "حمام الملاطيلي" وبالتأكيد تأثّر شعبان سلبيّاً بهذا الدور ولعلّه يقول لنفسه دائماً كان من الأفضل ألاّ أكون شجاعاً , ثم مضت سنوات كثيرة ولم تظهر هذه الأدوار مرّةًَ أخرى خصوصاً مع انهيار مستوى السينما مع نهاية حقبة الثمانينات , ليواجه السيناريست وحيد حامد هذه الأزمة مجدّداً مع فيلم "ذيل السمكة" الذي رفض عدد كبير من الممثلين أداء مشهد لرجل ثريّ يعاني من الشذوذ الجنسيّ، وقبله ممثل موهوب غير مشهور هو رؤوف مصطفى ونال عنه جوائز.

إلا أنّ هناك من هاجم وحيد حامد بدعوى انّه أظهر هذه الشخصية دفاعاً عن حقوق الشواذ , كان هذا قبل 3 أعوام والمفارقة أنّ فيلم "عمارة يعقوبيان" كتبه أيضا وحيد حامد الذى استمر تعجّبه من هذا الرفض وكأنّ المجتمع لا يتطوّر, ثم طالما ظهرت الشخصيّة في الراوية فلماذا لا تظهر في الفيلم, وهكذا تظلّ المعركة مستمرّة وستتجدّد مع ظهور دور آخر يبحث عن ممثّل خصوصًا وأنّ الممثّل الذي سيؤدّي الدور مرّة لن يجرؤ على تقديمه مرّةً أخرى، والا التصقت به الصفة للأبد , و قد نشرنا على "إيلاف" المضايقات التي بدأ خالد الصاوي يتعرّض لها منذ قبوله الدور .و قبل أن ننهي هذا التقرير يجب أن نذكر أنّ الشذوذ الجنسي في "عمارة يعقوبيان" مختلف وله أبعاد أخرى بعكس جميع الأعمال الفنيّة التي تحدّثنا عنها في ما سبق من سطور, فشخصيّة الصحافيّ الشهير حاتم رشيد شخصيّة رئيسيّة في الرواية وهناك من يقول بأنّها تشير إلى شخصيّة واقعيّة, وبالتالي فإنّ تقديمها بالتفاصيل نفسها لن يخلو من المشاكل, كما أنّ الرواية تتحدّث عن تفاصيل العالم السريّ للشذاذّ جنسياً, وكيف يتمّ اصطياد الذكور و إغواءهم، وسيتمّ أيضاً تقديم شخصيّة "الشاذّ الايجابي "بوضوح في الفيلم الذي سيعتبر محكّاً مهمّاً لهذه الأدوارلعلّ بعده لن يجد أحداً حرجًا في تقديم الشخصيّة طالما لها أهميّة درامية وليس كوميدية, أو ستستمر أزمات الشواذّ في السينما المصرية .

Keshk2001@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف