محمد العباس: الرواية ليست عيادة نفسية أو سريرا للتداعي الحر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حين تحاور محمد العباس لا يمكنك حصر عدد المجانين الذين يحبهم، بدءا من نيتشه مروراً بغيفارا و بودلير و رولان بارت وجاك لاكان وموريس بلانشو. يعتبر اسمه من أبرز النقاد الشباب في السعودية، صدر له: 1. قصيدتنا النثرية ( قراءات لوعي اللحظة الشعرية )، 2. حداثة مؤجلة، 3. ضد الذاكرة ( شعرية قصيدة النثر )، 4. سادنات القمر ( سرّانية النص الشعري الأنثوي ).. في رحلة طويلة كان لنا معه هذا الحوار :
* اذا كان جبرا ابراهيم جبرا الرمز الاول في الترجمة العربية، يملك 400 خطأ في ترجمته لمسرحية " مكبث " شكسبير.. اذن ماذا سنقرأ من أدب مُترجم؟
- إذا، سأكمل جانبا من أكذوبة الثقافة العربية حول الترجمة، فهذا البعد الحضاري الهام يظل في الثقافة العربية فريضة غائبة. جبرا باعترافه لم يوفق، وجورج طرابيشي جرّعنا موسوعة فرويد النفسية ثم أقر بجناية ترجماته الفادحة. في السابق كان يقال بأن الترجمة لا يفترض أن يضطلع بها فرد بل مؤسسة، وما الذي حدث عندما تصدت المؤسسات للترجمة سواء من حيث اختيار المادة المترجمة أو مستوى كفاءة المترجمين. أتدرين كيف حضرت حاملة نوبل توني موريسن في كتاب " الحداثة وما بعد الحداثة " حضرت كرجل هكذا أرادها المترجم، ووافقه بجهل أو باستخفاف المراجع. في الكتاب أيضا هفوات تثير الحسرة وللأسف " المجمع الثقافي " في أبوظبي كمؤسسة يراهن على الكم.. اليونان بمفردها وفقرها ووجودها في آخر السلم الأوروبي تترجم سنويا أضعاف ما يترجمه العالم العربي مجتمعا، أرجوك لا تتابعي فضيحة المشاركة العربية في فرانكفورت كتب تترجم للألمانية بما يشبه السلق لتدخل في القائمة.
* الصحافة و القراء العرب من النوعية الذكورية، تلك التي تتجه سريعاً نحو اسم امرأة أو صورة لها، لتقرأها و تكتب عنها و تصفق لها دهراً.. ألا تعتقد أن هنالك العشرات من التجارب تُدفن لانها على سبيل المثال ليست لامراة أو ليست لامرأة فاتنة؟
- هنالك الكثير من التجارب الابداعية المتروكة في العراء لأسباب لا علاقة لها بالنوع أو الجنس واعتقد أن السبب يعود أحيانا لمستوى النص الابداعي وفي أحيان أخرى لعطالة النقد بالاضافة إلى أن وفرة الانتاج لا تسمح أحيانا بالمتابعة كل ما كتب برافعة تأويلية عن نصوص رديئة لن يصمد أمام الناقد الأكبر وهو الزمن وكل نص أخضع لقراءة ضالة إلى أعلى لن يخلده التاريخ
وكل قراءة أملاها الولاء الحزبي ستتحول إلى نكتة سمجة، وهذا هو مآل أي قراءة اقتفت آثار تاء التأنيث بشكل مجاني، وقد يلتفت إلى النص الأفضل يوما ما إذا ما توفر له ناقد أو قارئ متجرد يجيد ابراز معناه المؤجل، بتعبير جاك دريدا، المهم ألا يدخل الابداع في حالة موت سريري.
* كونك مبدع سعودي، كيف تنظر للراحل عبد الرحمن منيف، و هل وقفتم بجانبه كمثقفين ؟ و هل ترى انه في رواياته مثل ما يعانيه الانسان السعودي في الداخل؟
- بالنسبة للمرحوم عبدالرحمن منيف، سأكتفي بما كتبته بشكل خاطف كتعليق على وفاته : عبدالرحمن منيف بالشماغ ...السعودة تطال عبدالرحمن منيف. كرنفال المرحوم عبدالرحمن منيف الاعلامي ليس إلا دلالة على أنه غير معفي من " السعودة ". فهنالك من يؤكد بأغلظ الايمان الصحفية أنه صالح بلاده قبل موته، استنادا الى معلومات وثيقة، وتأكيدات شخصية رفيعة المستوى الكل يتسابق لتأكيد هذا التنازل الموقع من الروائي الكبير في دائرة أحوال الوهم بشهادة وتزكية شلة من الأميين ولكن لا أحد يمتلك الدليل ولأن الحقيقة تنام مع الأموات أحيانا لن نعرف رقم السجل المدني للروائي الذي لم يفسح له الرقيب هنا، في موطنه سوى رواية " النهايات "ويوم موته تفننت الصحافة الصفراء والخضراء والبنفسجية وحتى الوامضة الكترونيا في تأكيد مواطنيته وما دمنا في زمن الاختطاف فقد قيل بعد الحادي عشر من سبتمبر أن الاسلام قد اختطف مثلا لننتبه الى محاولات اختطاف منيف من سياقه الإنساني وحتى لغمزات التأكيد على قوميته أو بعثيته فهذا يتم اعدام الشهداء المرة تلو الأخرى هنالك من يحاول سعودته ببلاهة أو قسرية أو مكر كل الصحف استماتت في البحث عن صورة له بالشماغ لتؤكد هذا الانتماء ولكن محاولاتها باءت بالفشل وقد يلجأ البعض الى معجزة "الفوتو شوب" ولكن أظن أن أديبا ببراعة منيف وانسانا بهذا المنسوب من الآدمية عصي على الإختطاف. عندي اقتراح في بمناسبة دفنه هناك أن نمارس شيئا من سريالية موت ناظم حكمت فهذا الشاعر الذي دفن بعيدا عن تركيا يوم كانت السلطات العسكرية تتحداه وتتنصل منه انتبهت على مشارف القرن الحال الى فداحة جريمتها فأرادت استعادة رفاته ولما لم يعد الأمر ممكنا فقد بات هذا الشاعر شرفا للمكان الموارى فيه أخذت شجرة من تركيا وغرست بجانب قبره ليكون الوطن كله بجانبه فمن يحمل اليوم " برحية " ويغرسها بحب ووفاء الى جانب الإنسان عبدالرحمن منيف !!!؟؟؟
* يرى البعض ان ضعف التجربة الشعرية الحديثة يرجع لغياب النقد، هل ترى انه من الصعوبة ايجاد ناقد مؤهل؟
- التجربة الشعرية الحديثة ليست ضعيفة بالقدر الذي يتصوره " حراس الأدب " كل ما في الأمر أنها تعيش صيرورة ابداعية ( زمانية ومكانية ) مختلفة. قد تحتاج هذه التجربة الشعرية إلى توليد نقادها من داخلها وليس من آفاق أو أنساق تجربة ماضوية، أي نحن بحاجة إلى نقد يشبه واقعه ولا يهابه. أتفق معك، نحتاج بالفعل إلى " ترهين " هذه التجربة بفعل نقدي قادر على محايثتها أظن أن جزءا من المعضلة يكمن في التناسب العكسي من حيث تضاعف عدد المبدعين وقلة النقاد ربما لأن النظرة المغلوطة إلى المبدع أو الشاعر لا زالت هي المهيمنة ذوات كثيرة منفوخة باللقب، هنالك علاقة طردية بين الابداع والنقد، فلا نقد إذا لم يتوفر النص المحرض، أما سكوت النقد عن كثير من النصوص، احتجاجا على حصر مهمته في اقتفاء آثارها، فلا يمكن تفسيره بخيانة الفعل الابداعي، فالناقد شاهد حي، ينسج شهادته من المرجع الحي وفيه، لا في النص فحسب، انطلاقا من وعي حقيقة وأهمية المسافة التي ينبغي له أن يحتسبها من موقعه الانساني تجاه النص ومنتجه، وعلى اعتبار أن النقد فعل مثاقفة لا يتم في الفراغ، بل في تربة لها من خصوصية المواصفات الثقافية، المادية والروحية، ما يحتم شكل وبنية الخطاب النقدي وسياقاته، كيلا يغترب عن مرجعياته الانسانية، وهنا تكمن معركته الأهم، أي مع ذاته، فحراك الناقد هو حوار مع حواضن الحياة في المقام الأول، والذات الناقدة ان هي الا امتداد للذات الانسانية في حدة هجسها والحاحها على تحليل الظاهرة الانسانية بوجه عام، وبالتالي فان ذلك الحوار الذي يتكىء على البنية الكلامية للنص، ويمدها خارجه، أي الى فضاء الحياة له أن يتم مع مرجعيات وواقع الانسان، لا مع الهوامش التي تخلط النقد بصيغ ملتبسة من الكتابة، وتغلّب العناوين، والظواهر، والأسماء الرنانة على أصل الفعل الابداعي، فهكذا يكون النقد فعل كشف وتعرية، تقوم عليه مهمة تجذير النص كسؤال وجودي وثقافي في الحياة، وله حينها أن يعلن بصراحة رغبته في اصلاح النص / الحياة، بدون قناعات مسبقة، ولا استسلام للأفكار اللاواعية، ولا أحكام قطعية، وأيضا دون اخضاع الحياة لسلطة النص.
* يقول ادوار الخراط : "الرواية مشروع فلسفي ضخم"، برأيك هل هنالك روائي عربي يفهم بالفلسفة و مشاريعها ليكتب رواية حقيقية؟
- الرواية ليست بالضرورة مكانا للتفلسف، فهي قد تكون محلا عاطفيا، وهي ليست تأريخا لكنها تستبطن التاريخ بالضرورة. الرواية ليست عيادة نفسية أو سريرا للتداعي الحر، لكنها تحتمل التحليل النفسي وهي ليست كتلة من المفاهيم، ولكن لا غنى لها عن الأفكار وهكذا سؤالك يحيل إلى الذوات التي تكتب الرواية هنالك فرق بين رواية القاع الاجتماعي كما كتبها محمد شكري وعلي أفيلال وادريس علي وبين الرواية المكتوبة بذوات أدمنت الأروقة الأكاديمية كحليم بركات أو علي فهمي خشيم أو هاني الراهب، أولئك الذين تحدروا من علم الاجتماع وعلمية النظريات الانثربولوجية، وبين البينين برازخ روائية تراوح بين هذا وذاك. أوروبا فيها كل ذلك التنوع والتباينو ليس بمقدور الجميع ولا في نياتهم كتابة رواية فلسفية مثل " عالم صوفي " لغوستن غادارد، فالرواية كما أعتقدها هي الانعكاس الحقيقي للحداثة الاجتماعية وعليه يمكن أن تحتمل كل ما يدخل بين غلافين المهم أن تكتب بحرفية عالية فالفن هو لغة الكيفيات...