جريدة الجرائد

محمد صادق الحسيني:البيت الإيراني الجديد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كل شيء في ايران يشير الى ان كبار صناع القرار فيه منشغلون ليل نهار في مهمة اعادة ترتيب البيت الايراني من الداخل. كل شيء في ايران يشير الى ان كبار القوم من أهل الحل والعقد مصممون على اعادة بناء مطبخ صناعة القرار حجراً حجراً وترتيب أحجاره صفاً «كأنها بنيان مرصوص».

وكما فن حياكة السجاد الذي يشتهر به الايرانيون منذ القدم، يسعى أهل الحكم جاهدين ان تكون خطواتهم في هذا الاتجاه «سلسلة متقنة ومحسوبة بدقة لكنها مشدودة بقوة وإحكام صارمين»، حتى تظهر اللوحة النهائية كما المرسوم لها بالتمام والكمال في لحظة عرضها على «الزبون»، تماما كما هي الحال في الرسم على السجاد العجمي الشهير.

مع دخول الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الاصلاحي محمد خاتمي عامها الاخير بدأت الاستعدادات على قدم وساق لدى كل الدوائر المعنية بإعادة ترتيب البيت الايراني من الداخل لاظهار كل ما عندها من قدرات وامكانيات، لوضعها في خدمة رسام اللوحة وربان السفينة الاول الذي يفترض انه المعني اولا وأخيرا بقضية الحرب والسلام وشأن الدولة العام.

البلديات وفي مقدمها بلدية العاصمة طهران شمّرت عن سواعدها، وفي الطليعة عمدة العاصمة الذي أظهر «حزماً» لافتاً في التعاطي مع كل القضايا المثيرة للجدل في الشارع الطهراني، وكانت المبادرة في اعلان «العزم القومي» لاعادة ترتيب البيت من الداخل.

البرلمان الجديد بأكثريته المحافظة والمتناغم بطبيعته «الأصولية» مع بلدية العاصمة كان صاحب الخطوة الثانية في «العزم القومي» المذكور، فكان أول ما قام به هو استجواب الوزير الأقوى في حكومة الرئيس محمد خاتمي واطاحته في خطوة وصفها أحد رموزه من حواريي «البيت الجديد» بأن الرسالة كانت ضرورية ليعرف أهل الداخل والخارج «بأن لدى ايران برلماناً قوياً وحازماً وله شأن». هذا فيما يستعد لتمرير مشروع قرار مهم يلزم الحكومة إعادة نشاطها النووي المعلق طوعاً في اطار المفاوضات الشهيرة مع المجموعة الأوروبية، في اشارة واضحة وصارمة الى العالم الغربي الضاغط على طهران بقوة الى ان صاحب القرار الايراني ليس «هشاً وليناً» بالامكان كسره بسهولة!

وحتى تتدعم كل تلك المؤشرات بفعل مدوٍ أقوى من كل الخطابات والتصريحات الديبلوماسية، حرص أهل الحل والعقد في الأسابيع والأيام الأخيرة على الاعلان بأن لدى ايران من الصناعات العسكرية في مجال الصواريخ الباليستية وتكنولوجيا الفضاء ما لا يمكن تجاهله بسهولة، وآخره الصاروخ الاستراتيجي الطويل المدى والذي قيل ان القوات الايرانية جربته في مناوراتها الأخيرة غرب البلاد. وقد يكون هو نفسه الذي اعلن عنه قبل أيام الرجل القوي في مطبخ صناعة القرار الايراني أكبر هاشمي رفسنجاني، والذي قال «ان مدى صواريخنا باتت تبلغ الألفي كيلومتر».

في هذه الأثناء فإن الديبلوماسيين الايرانيين المكلفين ادارة شؤون الملف النووي والمفاوضات الشائكة بهذا الخصوص ما فتئوا يتحدثون عن ان ايران قد بلغت حد الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وانها «باتت عضواً عملياً في النادي النووي الدولي» شاء من شاء وأبى من أبى! أي ان الأمر لم يعد في مرحلة التفاوض بل في مرحلة انتزاع الاعتراف الدولي أو قبول التحدي على علاته!

هذا الكلام لم يعد يقتصر على رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الايراني، ولا أمين عام مجلس الأمن القومي الأعلى الذي يدير المفاوضات مع المجتمع الدولي بهذا الخصوص، بل تعداهما ليشمل رئيس الديبلوماسية الايرانية الوزير كمال خرازي المعروف باعتدال خطابه وابتعاده عن لهجة التحدي. فقد اضطر للاعلان، وعبر وسيلة اعلام غربية،

«سنرد بقسوة على كل من يفكر بالاعتداء على حقنا في اقتناء التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية» في اشارة واضحة الى ان خطاب «العزم القومي» يجب ان يكون موحداً لتظهر اللوحة الايرانية في «بيتها الجديد» الذي نفذه لها كبار صناع القرار في ايران، كما يجب ان تكون، وكما أعد لها ان تظهر، في ظل أوضاع التحدي الداخلي والاقليمي والدولي الذي يعتقد أهل الحل والعقد في ايران بأنها مقبلة عليه في الأشهر المقبلة.

هكذا أيضاً يجب أن يظهر دور الرئيس الايراني الجديد المفترض ان يخلف الرئيس المعتدل محمد خاتمي في انتخابات أيار (مايو) المقبل، بمعنى ان من يريد الترشح ويريد ضمان قبول ترشحه وضمان احتمال فوزه في سباق صناديق الاقتراع لا بد ان يحسب، في ما يحسب، موقعه المناسب في لوحة البيت الايراني الجديد.

ومثل هذا البيت، في رأي من يعمل لإعادة ترتيبه، لا يجوز ان تكون جدرانه «شفافة» كالمرايا أو الزجاج في عالم محيط به مليء بتحديات الرماية بكل أنواع الوسائل الهدامة التي تفتت الصخور. فكيف ببيت «بلوري» حلم به ولا يزال الرئيس «الشفاف» جداً والمعتدل محمد خاتمي، ليس فقط لأبناء وطنه بل لكل سكان الأوطان الأخرى في العالم في مجمع ما سماه بحوار الثقافات والحضارات!

ذلك المجمع الذي يتم اطلاق النار عليه من كل الجهات الكونية الأربع دون هوادة، سواء بحجة الحرب على الارهاب أو بسبب الارهاب المنظم والمؤدلج الذي بات منتشراً في العالم «لغاية في نفس يعقوب» وغير يعقوب!

اذاً، كل الاشارات المنطلقة من طهران تفيد بأن أصحاب هذه الدار مصممون على انتزاع اعتراف دولي بهم كما هم، أي التعايش مع «توازن الردع الاستراتيجي» الذي تحقق اصلا على أرض الواقع برأيهم، ولا فائدة للمماطلة في هذا المجال.

«توازن ردعي» تقول عنه طهران بأن من شأنه كبح جماح اسرائيل وتطلعات اميركا غير المبررة وغير المشروعة، كما ان من شأنه أن يعيد للمسلمين، فضلا عن العرب، مكانتهم اللائقة بهم بين الأمم في ما لو صبروا وصابروا!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف