جريدة الجرائد

أسباب توتر العلاقات المغربية الجزائرية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ أن قرر المغرب رفع التأشيرة عن المواطنين الجزائريين المفروضة عليهم منذ وقوع هجمات مسلحة استهدفت فندقاً في مراكش في 27 آب 1994 ضلع فيها مواطنون يتحدّرون من أصول جزائرية، حينها اتهمت الرباط أجهزة الاستخبارات الجزائرية بالتورّط في الحادث ورفضت الجزائر "الرد بالمثل" على القرار المغربي، ومنذ ذلك الوقت ارتدت الخلافات منحى أكثر خطورة مع تخلي الوسيط الدولي السابق في نزاع الصحراء جيمس بيكر عن مهمته.
آخر فصل من هذه الأزمة المفتوحة، حرب المذكرات بين الجزائر والمغرب. فقد وجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، جدد من خلالها موقف الجزائر الذي يعتبر المغرب بلداً محتلاً، ويعتبر قضية الصحراء المغربية مسألة تصفية استعمار، وجدد التأكيد أن الجزائر تعتبر "كل محاولة لحشر مشكلة الصحراء المغربية، في سياق جزائري مغربي، مجرد ضرب من ضروب المماطلة والتعطيل، لأن الجزائر ليس في مقدورها، ولا هي تريد أن تحل محل الشعب الصحراوي في تقرير مستقبله". وبالمقابل، وجه المغرب مذكرة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، اتهم فيها الجزائر بالتورّط مباشرة بنزاع الصحراء منذ العام 1973 أي قبل ثلاث سنوات من اندلاع النزاع الصحراوي، وأكد على "مظاهر التورّط الجزائري" في "الالتزام العسكري والدعم المالي والوجيستي والديبلوماسي، واحتضان جبهة بوليساريو ورعاية جمهورية مزعومة، والتعبئة بقوة لحمل دول على الاعتراف بكيان وهمي ليست له مقوّمات السيادة والدولة".
وجاء قرار اعتراف جنوب افريقيا، بجبهة بوليساريو التي تتنازع مع المغرب بشأن اقليم الصحراء الغربية منذ ربع قرن، وبالتالي إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع الجمهورية الصحراوية، التي أعلنتها جبهة بوليساريو من جانب واحد في عام 1976، مفاجئاً ووقع وقوع الصاعقة على السلطات المغربية والأحزاب السياسية المغربية. وقد اعتبر هذا القرار في المغرب انحيازاً مكشوفاً من جانب حكومة جنوب افريقيا للأطروحة الجزائرية.
إن الدارس لتاريخ العلاقات الجزائرية ـ المغربية خلال العقود التي تلت الاستقلال مباشرة، يلمس بوضوح أن سنوات القطيعة بين البلدين أكبر من سنوات الانفراج، إذ ناهزت مراحل إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب أكثر من ثلاثين عاماً منذ 1962. علماً أن هناك نزعة قوية لدى السكان في كلا القطرين نحو الوحدة المغاربية، والزوال ولو التدريجي للحدود، لأن الجزائر والمغرب محكوم عليهما بقوة الجوار حتمية التفاهم، وأن يقدِّما نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين بلدين جارين، يرتبطان بآفاق البناء المغاربي، والتزامات عربية وإسلامية وافريقية.
ان النظامين المغربي والجزائري اللذين يعتبران أساسيين في المغرب العربي من حيث عدد السكان والواقع الجغرافي والامكانات البشرية والاقتصادية لا يتسع نطاق المغرب العربي لدوريهما. كما أن كلاً منهما يطمح لدور قيادي على الصعيد العربي، ولا يبدو أن التوفيق بين الدورين ممكن إلا باندماج أحدهما في الآخر، أو بعقد هدنة مؤقتة، وأسهم موقف كل منهما من مشكلة الصحراء الغربية إلى تحويل التعارضات الثانوية بين الجزائر والمغرب إلى تناقض أساسي، في حين تم تحويل هذا التناقض الأساسي مع العدو القومي للأمة العربية في بعده الأمبريالي الأميركي العام، أو في بعده الصهيوني الخاص، إلى تعارض ثانوي سياسي، فتحول التعارض الثانوي بين الجزائر والمغرب إلى نزيف دائم، واستبدل مشروع الوحدة المغربية بالمشروع الشرق أوسطي الجديد الذي محوره الكيان الصهيوني، أو بالمشروع المتوسطي الذي محوره أوروبا، من خلال إقامة الشراكة المغاربية ـ الأوروبية.
خلاصة القول ان حالة الانسداد التي آلت إليها المبادرات المختلفة لحل قضية الصحراء الغربية تعود أساساً إلى طبيعة التعقيدات الاقليمية والقانونية والسياسية التي تكتنف هذا النزاع المشتعل من أكثر من ثلاثة عقود، وهي التعقيدات التي أدت إلى إخفاق المحاولات الاقليمية والافريقية والدولية لإيجاد تسوية نهائية تعطي لكل طرف من أطراف النزاع بعضاً وليس كل ما يطلبه. بيد أن حل قضية الصحراء الغربية بالطريقة الراديكالية يتمثل في إقامة التطبيع الكامل بين الجزائر والمغرب، وبالتالي تحقيق بناء الصرح الوحدوي المغاربي الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية قوامها تحوّل الأنظمة المغاربية القائمة الآن إلى أنظمة ديموقراطية فعلياً، وبالتالي تخليها عن احتكار الوطنية والقبول بنقاش حر وعلني حول القضايا التي تعيق بناء الاتحاد المغاربي هذا داخل الهيئات الوطنية المنتخبة بصورة ديموقراطية فهل ان الجزائر والمغرب مستعدان لإقامة سلام بينهما، وحل هذا النزاع الاقليمي وفق رؤية مغاربية وحدوية شاملة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف