جريدة الجرائد

علي الدباغ:العائدون من العراق.. فصل آخر من المشكلة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية وبعد أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها قد شجعت تنامي الاصولية الإسلامية لصد الأيديولوجيا الشيوعية التي بدأت تزحف خارج حدودها، وكذلك حشدت ودعمت لحرب المجاهدين الأفغان بعد أن أغرت الدب الروسي بالوقوع في حفرة افغانستان عام 1979 وأيضا خططت لظهور حركة طالبان واكتساحها السريع لبلاد الأفغان بمساعدة باكستان ودول إقليمية.

ظهور طالبان وصعودها السريع قد حفز التيار الاصولي الموجود في أفغانستان وجعله يسرع الخطى لبناء نفسه وإعداد قواعده ومقاتليه للانتشار والتحرك عند طلب النصرة والدفاع عن الإسلام الذي يفهم منه نصوصاً سلخت عن روحه وعن مقاصد الشريعة، واندفعت سيوف تقطع رؤوس الكافرين والمرتدين ممن لا يطيلون اللحى، والمرتدات اللواتي لا يضعن غطاء على رؤوسهن، وأنتج فقهاء يتوعدون مخالفيهم فكرياً، بنار الدنيا قبل نار الآخرة.
هذه الثقافة العنيفة والتكفيرية التي رافقها تدريب متقدم على فنون الموت والتدمير الجماعي للآخر الذي يدين بغير مذهبهم سواء مسلما كان أم غير مسلم، دفعتهم للانتشار في الدول العربية (الكافرة) ليقيموا فيها شرعة الإلغاء والعنف الذي لا يٌبقي ولا يذر وسط مجتمعات وديعة وبسيطة لم تفكر يوماً بأن تحرم حق الحياة من الآخر لمجرد الاختلاف معه في الرأي، فنشأت مشكلة العائدين من أفغانستان التي أربكت أجهزة الأمن والمخابرات في الدول العربية التي لا تقبل التفكير الإسلامي المعتدل فكيف بهذا المتطرف؟. وبعد سقوط نظام صدام في العراق، اتبعت الادارة الأميركية في حربها على الإرهاب سياسة جديرة بالملاحظة والبحث، والأمر ينطبق كذلك على المجموعات المتطرفة الأصولية التي أعطاها العراق بعداً جديداً.
بالنسبة للسياسة الأميركية تجاه هذا الأمر، فقد أغرت الادارة الأميركية مجموعات الجهاد والعنف بالقدوم للعراق وتركت لهم بلدا حدوده مستباحة ويسهل الوصول اليه بيسر ومن دون عناء أو تخف، فالعراق عربي ولا يحتاج المقبلون العرب فيه الى التخفي، وأغمضت عينها على بؤر التوتر التي تتزايد كل يوم في مناطق العراق المختلفة لتمارس هذه الجماعات أبشع عمليات القتل والذبح والتمثيل، لتستكشف هذه الإدارة من خلال هذه البؤر الرخوة التي سميت إحداها بقندهار والثانية طالبان، رؤوس وخيوط ومنابع هذه المجموعات ولا يهم هذه الادارة كم من الأرواح تزهق أو تهدد، إضافة الى أن هذا الإغراء في العراق سيحصر المنازلة في هذا البلد ويجنب الأميركان ضربات غير متوقعة في بلدان أخرى تكون فيها خسائرهم باهظة، فالعراق ساحة حرب مفتوحة وقد عبر جورج بوش أكثر من مرة بأن العراق هو جبهة متقدمة في الحرب على الإرهاب.
أما بالنسبة للمجموعات المتطرفة، فقد أعطاها العراق مكاناً مثالياً لتطبيق الأفكار التي تؤمن بها، فالأميركان أمامهم في الشوارع والطرقات يصولون ويجولون ويسهل اصطيادهم وقتلهم مقارنة بأفغانستان التي يختبئ الجنود فيها في المعسكرات وكذلك خصومها من المجموعات الشيعية. وتحتاج هذه المجموعات لجهود وتخطيط دقيق لاصطيادها، ويوفر لها الداخل العراقي كل ما تحتاجه من المال والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، والسيف الذي به يذبحون، وأجهزة أمنية قوية أصبحت عاطلة عن العمل وتريد الانتقام لأنها فقدت عزا وهيلمانا كانت ترفل به وتريد أن تعيده، ومدن كاملة توفر لهم مخابئ آمنة ويتجولون فيها بمطلق الحرية من دون خوف أو وشاية، ويتوفر لهذه المجموعات وعاظ وهيئات إفتاء تشرعن لهم القتل وسفك الدم وقنوات فضائية وإعلام عربي ومواقع إنترنت تنقل لهم رسائل التهديد وعمليات الخطف والذبح على الهواء.
العراق كان «نعمة عظيمة» أطلق تخريج موجات من الشباب الذين يتم تجنيدهم بواسطة المجموعات البعثية التي هربت من العراق بما خف حمله وغلا ثمنه وكذلك من خلال خلايا المجموعات الاصولية التي تنتشر في بقاع الأرض. وستخرج ساحة العراق مجموعات مدربة على القتل الجماعي تخرج للدول العربية (الكافرة) مجموعات تسمى «العائدون من العراق» تنتشر في بلاد العرب بسقف من التكفير أعلى من ذي قبل، وتصميم على نشر الفكر التكفيري الذي سيطال الجميع، فكل الدول العربية لها علاقات تحالف وولاء وعقود أمنية وقواعد وخدمات أمنية تمنح أكثر من سبب لأن يتم تفجيرها وقتل أعضاء هذه الحكومات ألف مرة حسب نظرة هذه المجموعات العائدة من العراق، وعلى جميع الدول العربية أن تتهيأ لدوامة جديدة من العنف والجنوح نحو حياة متشنجة تطال الأخضر واليابس وسترقص أميركا طرباً لكل هذا لأن الجميع سيهرول اليها مجبراً طلباً للمشورة، وستفقد هذه الدول الشعور بالأمان وستحصد الدول التي أغمضت عيونها عن عبور هذه الجماعات للعراق أو التي كانت تسمح بإقامة مجالس العزاء لإرهابي يفجر نفسه وسط مجموعة من العراقيين الفقراء الذين يذهبون لكسب رزقهم، او قتل أطفال جاءوا فرحين بأنهم سيشربون ماء نقياً بعد أن كانوا لسنوات يشربون ماء ملوثاً، ستحصد هذه الدول رعباً من هذه الجماعات التي لن تستثنيهم كونها (كافرة) أيضاً.
من الواضح أننا أمام حالة خطيرة ومأزق كبير أمام سلوك هذه الجماعات في تحويل دين المحبة والتسامح ودين السلام الى فتاوى قتل ونصوص تكفير وسكوت مريب بل وقبول بالقتل على الهوية ومحاولات مسعورة لافتعال حريق طائفي بين الشيعة والسنة وسط ضجيج جوقة من الطبالين ينادون بمقاومة المحتل عبر قتل العراقيين واستهدافهم حصراً، وحرمانهم من حق الحياة.
اننا أيضاً أمام حالة محيرة ومثيرة لأسئلة عن جمهور عربي يرى أن الذبح في العراق مبرر، وتهتم قناة الجزيرة باظهار نتيجة الاستفتاء المباشر بأن أكثر من 80% يؤيدون هذا القتل، بل انك تجد من يخرج علناً على الفضائيات، من محللين وكتاب، يصف هذا العمل بالحق الشرعي للمقاومة، بل أكثر من هذا توصف بالإسلامية..
إننا أمام تحد كبير لإثبات ان هذا الفكر هو زبد يطفو على السطح عندما يدور الزمن دورته ويخرج لنا حجاج أو صدام من رحم استبداد يسطو على الفكر الإسلامي الأصيل ويحوله إلى فكر الحاكم المستبد الذي يعبث بالإنسان.
إنها دعوة للمراجعة ونقد الذات وبصورة جمعية وتفادي السقوط الحضاري بين مطرقة الصليب وسندان التكفير والفكر المنحرف والخارج عن الإسلام، لكل غيور على الإسلام الذي أكرمنا الله به.
* كاتب عراقي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف