جريدة الجرائد

حازم صاغيّة: تخصيب عمر كرامي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في إدارتهم معركة تخصيب اليورانيوم، يسلك القادة الايرانيون سلوكاً على شيء من التعقيد. يرفضون ويصعّدون ثم يناورون ويوحون بأن الأمور كلها قابلة للبحث، وأن التفاوض قابل للتمديد. وهذا قبل أن يعودوا مجدداً الى التصعيد والتلويح بأسلحة مخفيّة تحت عمائم الأئمة. ومن هذا القبيل جاءت الاشارة الأخيرة لسيريوس ناصري، عضو الوفد الايراني الذي يفاوض الألمان والفرنسيين والبريطانيين في فيينا، الى ان بلاده ستنظر في عرض مفاوضيه الأوروبيين تفادياً لفرض العقوبات عليها.

كائناً ما كان الأمر، سلك القادة اللبنانيون (؟) سلوكاً مختلفاً في التعامل مع قرار مجلس الأمن 1559، ثم الرقابة الدولية على بلدهم واحتمالات إنزال بعض العقوبات به. وفي السياق هذا جاء تكليف السيد عمر كرامي تشكيل حكومة جديدة لينمّ عن استجابة الرئيس اميل لحود للتحديات المطروحة. وما يضاعف بؤس استجابة كهذه ان المرشحين لدخول الحكومة يضيّقون قاعدة الحكم، الضيقة أصلاً، بدل ان يوسّعوها. فمعظم هؤلاء انما يستمد من السلطة سلطانه، دع جانباً رغبتهم ورغبة عمر كرامي في الاصلاح وقدرتهم على مواكبة التحولات التي عرفها المجتمع اللبناني في سنواته الأخيرة.

بيد أن مقارنة الاستجابة اللبنانية بمثيلتها الايرانية ليست منصفة لسبب بسيط: ذاك ان قرار طهران، على عكس بيروت، يكمن في طهران نفسها، وبالتالي فالأدق ان تُقارَن الاستجابة السورية بتلك الايرانية. فدمشق، بدورها، قدمت تنازلات في ما خص العراق والارهاب وغيرهما ظانّةً انها، بالتنازلات هذه، تتلافى المسألة اللبنانية وقضية الاصلاحات في الداخل السوري.

بلغة أخرى، يبدو لبنان موضوع سورية مثلما تخصيب اليورانيوم موضوع ايران. وإذ آثرت طهران ان تناور بتخصيبها، آثرت دمشق ان تمضي في التخصيب الخاص بها، وعنوانه الجديد السيد عمر كرامي وحكومته. ذاك ان مَن يكون موضوعاً لغيره لا تكون له سياسة واستجابة، وإذا ما ظهر فيه سياسي «علاقاته الخارجية متينة» عُدّ هذا علامة ضعف فيه لا سبيل الى علاجها!

وأن يكون لبنان موضوعاً أكثر منه بلداً سيداً هو ما يدل اليه العبث المديد الحائل دون قيام حكم منسجم فيه. وهذا ما يتخذ شكل لغة «سياسية» ترقى الى تفاهة محضة: ذاك ان الرئيس المستقيل رفيق الحريري الذي «يودّع» لبنان بطريقة تستدعي ملايين المناديل يبدو، مع هذا، «مرتاحاً» لأنه يغادر «بهدوء من دون خلاف مع سورية» (الأخبار التي تهبّ من العراق أخبار خطف وقطع رؤوس!). بذا يكون الرئيس السابق قد حقق «برنامجه» في الحكم الذي يكمّله الآن برنامج المخصّب عمر، وعنوانه العريض «إتكالنا على الله وعلى الأودام».

والفارق أن «البرنامج» الأول من طبيعة دفاعية، مآله وهدفه أن لا يقع صاحبه «في خلاف مع سورية». معاذ الله! أما «البرنامج» الثاني فمن طينة هجومية. فـ«الأوادم» هم الذين سيعلنون، ليل نهار وبصوت جهير، شجبهم «المؤامرة» الدولية على لبنان و«عملائها المتصهينين»، واستعدادهم ان يبقوا مادة تخصيب الى أن يقضي الله أمراً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف