خيري منصور: حصان الياور وذُبابته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ما عبّر عنه الرئيس العراقي المؤقت “الياور” حول الشروع الامريكي في اقتحام الفلوجة، ذكّرنا على الفور بالحكاية القديمة عن الدب والذبابة، والتي اراد مؤلفها سواء كان فرداً أو شعباً أن يقول في النهاية ان العدو العاقل خير من الصديق الجاهل.
حسب الحكاية أراد الدب الجاهل انقاذ صاحبه وهو نائم من ذبابة كانت تحوم وتطن حول أنفه، فرماها بحجر أودى برأس صاحبه وفرّت الذبابة.
ولأن “الياور” عربي ويتشبث بارتداء الزي العربي التقليدي فقد اختار الحصان لا الدب في هذه الأمثولة، وقال إن اجتياح الفلوجة وتدميرها هو أشبه برمي حجر ثقيل على رأس الحصان لإنقاذه من ذبابة تحوم حول رأسه، وسينتهي الأمر بقتل الحصان، وفرار الذبابة بعد نجاتها.
وما يستحق التوقف عنده في تصريح “الياور” هو الحصان العراقي الذي أصبح الآن مثاراً لسوء فهم وتفاهم أيضاً بين معظم الأطراف، فالحصان يحارب، ويزف عرساناً ويعدو على حلبة سباق، كما انه يجر عربة نفط أيضاً واحياناً يصبح داجناً بحيث يداعبه أطفال في زقاق، أو في حديقة حيوان.
وقد كان المطلوب أولاً تدجين الخيول العراقية كلها، بمعزل عن انتماءاتها الايديولوجية والأثنية، لأن عربة العراق تجرها هذه الخيول بتناغم اذا كان الأمر سوياً، لكنها تختصم وتترافس وتقود العربة الى الهاوية بعد تدميرها اذا حدث العكس.
الأمريكيون، هم الدب المقصود في تصريح الياور لأنهم يريدون انقاذ رأس الحصان برميه بحجر بحجم جبل كي يقتلوا الذبابة، وبالرغم من ان الرجل لم يقل ان العدو العاقل خير ألف مرة من الحليف او الصديق الجاهل، الا ان التأويل الشعبي لهذه الحكاية ينتهي الى هذا التفسير!
لكن ألم تكن الحرب على العراق منذ الصاروخ الأول، تكريساً انجلوساكسونياً للحكاية؟ بحيث تم تدمير العراق، بحجة اطلاق النار على ذبابة أو أو سرب ذباب يحوم على رأسه.
إن الصديق الجاهل كما يحدده تصريح الرئيس العراقي المؤقت معروف، بل هو مفروز بوضوح، انه الولايات المتحدة التي تعد منذ فترة لهجوم كاسح على الفلوجة، وكأنها تعد لحرب ضد الاتحاد السوفييتي قبل تفكيكه.
اما المجهول او شبه المجهول في هذا التصريح فهو العدو العاقل، انه بالطبع ليس ابن لادن أو الزرقاوي وليس ايضاً من يصنفون ضمن هذا المدار.
اذن لابد من البحث عن هذا العدو العاقل كي ينجو الحصان العراقي من مصير دب الحكاية!
الأرجح ان الرئيس العراقي المؤقت، يدرك حجم الكارثة، بل المجازفة شبه الانتحارية في هجوم بهذا الحجم ضد بلدة عراقية، لها تاريخها الباسل، ودورها في ثورة العشرين، ولا يمكن على الاطلاق ان يحكم على سكانها جميعاً وكأنهم جيب متقيح في جسد العراق المعافى.
فالعراق ليس بهذه الدرجة من العافية، وهو مريض وينزف من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه.
وموقف “الياور” من هذه الحرب المصغرة ضد الفلوجة، يجب ان يستمر، بل يتضاعف اذا بدأت الحرب، ولابد ان جملة عوامل دفعت الياور الى اتخاذ هذا الموقف، فهو يعي جيداً ان التاريخ لن يرحم من يتورطون في تدمير أوطانهم، او سحق رؤوس الخيول بحجة قتل الذباب.
ويمكن لأي مراقب ان يذهب بما قاله الياور بعيداً، ويعممه بحيث يشمل الحروب الحديثة التي دشنتها الولايات المتحدة في آسيا، فهي حروب الدببة والحلفاء والذباب، وان كانت لا تدّعي انها أبصرت الذبابة وهي تنجو وتطير، لكن الحصيلة هي على الدوام فشل هذا النمط من الاستراتيجيات القاصرة التي تحقق انتصارات سريعة الذوبان على المدى القصير، لكنها تتورط بهزيمة طويلة ومتقطعة قد تستمر عقوداً كما حدث في فيتنام!
واذا أردنا الاستطراد في تأويل الحكاية وما يدور حولها من تصريحات، فإن الذباب الذي ينجو بعد قتل الخيول أو الدببة يفقس بيضة في مكان آخر وعلى رؤوس جنرالات أيضاً.. عندئذ تصبح الصواريخ لا الحجارة هي أداة الصديق الجاهل لقتل ذبابة واحدة..!