عبدالمعطي حجازي: الأمريكان يفضلون التطرف الإسرائيلي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يحق للأمريكيين ويجب عليهم وعلي العالم كله أن يعلنوا الحرب علي الارهاب أيا كانت الشعارات التي يرفعها الارهابيون ويتسترون خلفها. لكن الخطأ الذي وقع فيه الامريكيون وهو ليس خطأهم الوحيد أنهم أعلنوا هذه الحرب متأخرين جدا, فعندما كانت عصابات عمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري تقطع الطرق في بلادنا وتدمر اقتصادنا وتشق وحدتنا الوطنية وتغتال رجال الفكر والأمن والدولة وتفرض علينا قوانين العصور الوسطي وتقاليدها الوحشية, كان الامريكيون وحلفاؤهم في المنطقة يتحالفون مع هذه العصابات ويسلحونها ويستعملونها في فرض سياساتهم, وحماية مصالحهم الإمبراطورية, وتخويف أعدائهم.
ولا شك في أن الامريكيين استخدموا الجماعات الباكستانية المتطرفة في الضغط علي الهنود.
ولا شك في أنهم احتضنوا جماعة الطالبان واستخدموها في حربهم الاخيرة مع السوفيت. والصداقة والمصالح التي تجمع بين أسرة بوش واسرة بن لادن كانت موضوعا من الموضوعات التي اشار لها الفيلم الامريكي11/9 فهرنهايت الفائز هذا العام بالجائزة الكبري في مهرجان كان!
الحرب التي شنها الامريكيون علي الارهاب ليست دفاعا عن مبدأ ولكنها دفاع عن المصالح الامريكية المشروعة وغير المشروعة, التي تتفق أحيانا مع خطط الارهابيين وتتعارض معها أحيانا أخري. وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه الامريكيون علي الدوام لأنهم يؤسسون سياساتهم علي الظروف المتغيرة لا علي المبادئ الثابتة. والدليل هو علاقتهم بالعصابات الارهابية التي تتستر تحت راية الدين. والدليل الآخر هو علاقتهم باسرائيل التي لا يستطيع مراقب منصف أن يتجاهل دورها في استفزاز النزعات الأصولية وإثارتها في المنطقة كلها.
لقد ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر لتخلط السياسة بالدين من جديد, وتحيي فكرة العودة الي الارض المقدسة, وتستخدم في ذلك كل الوسائل السرية والعلنية النظيفة والقذرة ومن ضمنها الاغتيال السياسي.
في عام1924 اغتالت الجماعات الصهيونية في فلسطين شاعرا يهوديا كان يعمل للتقريب بين اليهود والعرب وهو جاكوب دي هان الذي قتلته عصابة الهاجاناه.
وبعد ذلك بتسعة أعوام اغتيل في تل ابيب علي شاطئ البحر حاييم آرلو زوروف رئيس الادارة السياسية للوكالة اليهودية, ولم تكتشف شخصية القاتل, وان كان معروفا ان اليمين الصهيوني المتطرف هو الفاعل الاصلي.
وقد اضطر بن جوريون الي الاعتراف بوجود جماعات صهيونية تتبع سياسة الاغتيال السياسي. وقد نفذت هذه الجماعات بنجاح عددا من الاغتيالات!
وفي عام1944 قامت منظمة شتيرن الصهيونية باغتيال اللورد موين المعتمد البريطاني في القاهرة. وفي عام1948 اغتالت هذه المنظمة ذاتها الوسيط الدولي الكونت برنادوت لأنه تقدم بمشروع لتحقيق السلام بين العرب واليهود اعتبره اليهود انحيازا للعرب.
وفي عام1989 ظهرت في اسرائيل منظمة ارهابية تطلق علي نفسها الاسم القديم السيكاريون وتهدد بالموت كل من يعلن من الاسرائيليين موافقته علي التفاوض مع العرب وتعتبره خائنا لاسرائيل. وقد أشعلت هذه المنظمة النار في منزل سيدة تدير معهدا لاستطلاع الرأي لأنها نشرت نتيجة استطلاع أكدت أن أغلبية الاسرائيليين يوافقون علي اجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية كما أحرق هؤلاء السيكاريون الجدد سيارة لكاتب اسرائيلي استنكر قتل الاطفال الفلسطينيين, وألقوا قنبلة حارقة في فيلا عمدة مستعمرة بتاح تكفا لأنه سمح بفتح دار للسينما يوم السبت, وألقوا قنبلة أخري في شقة عاموس شوكين صاحب جريدة هاآرتس لأن ماينشر في صحيفته' يضر الأخلاق العامة!.
وقد ظلت هذه الموجة تتصاعد حتي أدت الي اغتيال اسحق رابين رئيس حكومة اسرائيل الذي اتهم بالتفريط في حقوق اسرائيل التاريخية.
ولست في حاجة للتذكير بالاغتيالات الجماعية والمذابح المنظمة التي تعرض لها العرب في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا والخليل وجنين وسواها من القري والمدن والمخيمات الفلسطينية
ولا يستطيع أحد ان يدعي ان هذه جرائم فردية يسأل عنها الأشخاص الذين ارتكبوها, فالعنف كامن في صلب المشروع الصهيوني الذي لا يختلف عن اي مشروع استعماري, بل هو أعنف بكثير. لأن المستعمرين الصهيونيين لا يكتفون باغتصاب السلطة أو الثروة بل يحلون محل الشعب الفلسطيني ويسرقون الحقل والبيت والسماء والارض والمهد والمقبرة. من هنا كان الارهاب مؤسسة تابعة للدولة اليهودية نفسها تعطي نفسها الحق في ارتكاب أي جريمة وتعفي نفسها من احترام اي قانون فهي تهدم البيوت علي رؤوس أصحابها وتقطع اشجار الزيتون وتخطف زعماء المقاومة الفلسطينية وتغتالهم وهم نيام في مضاجعهم أو وهم يؤدون الصلاة في بيروت وتونس والخليل وغزة.
والدولة اليهودية تعلن مسئوليتها عن ارتكاب هذه الجرائم البشعة التي يستنكرها العالم كله ما عدا الأمريكيين الذين لا يتحفظون في تأييدهم لاسرائيل ولا يجعلون هذا التأييد مشروطا بشرط يحقق العدالة أو يخدم قضية السلام بل يضاعفون تأييدهم للاسرائيليين كلما ضاعف الاسرائيليون عنفهم مع العرب فصار جنونا وحشيا يذكر بما كان يفعله النازيون في المدن الأوروبية التي قاومتهم خلال الحرب العالمية الثانية.
والأمريكيون الذين يحاربون القاعدة في هذه الايام ويرصدون المكافآت السخية لمن يساعدهم في الامساك بأسامة بن لادن, وأيمن الظواهري, والزرقاوي.. الي آخره يعرفون ان التطرف الديني في اسرائيل يعلو ويشتد وأن المتطرفين اليهود يتحكمون الآن في السلطة وان لم يستولوا عليها بعد.
ولقد كان هرتزل زعيم الحركة الصهيونية يكره التطرف الديني, ويفصل بين الدين والدولة, ويقول ان الدين رابطة روحية تجمع بين اليهود المشتتين في العالم, لكن الدولة التي تسعي الصهيونية لاقامتها يجب ان تكون دولة علمانية لا تسمح للاتجاهات الثيوقراطية وهي الاتجاهات الحالمة بدولة دينية تحكمها الشريعة اليهودية. لكن هرتزل كان واهما.
فاسرائيل التي قامت علي أسطورة الميعاد التوراتية لا تستطيع الفكاك من تأثير الحاخامات الذي يزداد يوما بعد يوم, في الوقت الذي تتراجع فيه التيارات المستنيرة التي تعمل من أجل السلام فيتهمها المتطرفون بالخيانة لأن السلام يعني الانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب1967 وهي أراض يعدها المتطرفون جزءا لا يتجزأ من الارض الموعودة!
وهكذا يحاول المتطرفون اليهود هدم المسجد الأقصي ليقيموا مكانه هيكل سليمان, ويضغطون لالزام المؤسسات الحكومية والزام اليهود بتطبيق أحكام الشريعة اليهودية فلابد من تقديس يوم السبت ورسم نجمة داود علي سيارات الصليب الأحمر.
ومنذ سنوات زودت حافلات شركة دان الاسرائيلية للنقل العام وعددها ثلاثة آلاف حافلة بلوحة كتبت عليها الصلاة التي تحفظ اليهود من أخطار الطريق, ربما تقليدا للوحة التي تظهر في الطائرات التابعة للخطوط العربية وتتضمن صلاة اسلامية مشابهة!
والمتطرفون اليهود لا يترددون في فرض آرائهم علي غيرهم, كما يفعل عندنا أعضاء الجماعات الاسلامية. وهم يدمرون أكشاك الصحف التي يتهمونها بالاباحية ويشعلون النار في الحافلات التي وجدوا عليها اعلانات عن ملابس نسائية غير محتشمة. وهم لا يمارسون نشاطهم في اسرائيل وحدها بل يمارسونه في أوروبا وفي الولايات المتحدة ذاتها.
التطرف الديني ظاهرة منطقية في اسرائيل, فضلا عن أنه ثمرة للواقع الذي يشجع المتطرفين اليهود ويمدهم بأسباب القوة والنفوذ.
اسرائيل قوة عسكرية كبري وترسانة نووية وجيوشها تحتل فلسطين كلها, بالاضافة الي الهضبة السورية ومستعمراتها تتكاثر في الأراضي المحتلة, كما تتكاثر الخلايا السرطانية ومظاهرات المعارضين للانسحاب تملأ الشوارع والطرقات وآرييل شارون يدعو اليهود الفرنسيين للهجرة الي اسرائيل, أي لاغتصاب المزيد من أراضي العرب وقتل المزيد من الاطفال العرب وبناء المزيد من المستعمرات. واليسار الاسرائيلي يتراجع وينكمش ويفقد قدرته علي التأثير والتغيير. والفلسطينيون منخرطون في حرب أهلية وردود الفعل العربي لاوزن لها. والرئيس بوش يتعهد لشارون كتابة بحماية اسرائيل( من من؟!) وتأييدها في اعادة رسم حدودها بالصورة التي تضمن أمنها وفي رفضها لعودة اللاجئين الفلسطينيين الي ديارهم. وتلك هي مطالب المتطرفين الاسرائيليين التي أصبحت سياسة أمريكية رسمية.
لماذا يفضل الأمريكان المتطرفين الاسرائيليين علي المتطرفين العرب؟ ولماذا يحاربون الارهابي بن لادن ويأخذون الارهابي شارون بالأحضان ؟!