محمد سيد أحمد: لو تكررت11 سبتمبر!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل يملك أحد الجزم بأن العالم لن يشهد ـ بعد أيام أو أسابيع ـ حدثا بخطورة حدث11 سبتمبر2001 ؟.. لقد أفتت اللجنة التي شكلها الكونجرس الأمريكي للتحقيق في هجمة11 سبتمبر, والتي ضمت بالتساوي ممثلين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي, بأن أبرز خلل جري في ذلك اليوم المشئوم لم يكن نقصا في المعلومات, وإنما بالذات نقصا في التخيل.. نقص في التصور أن طائرات مدنية من الممكن تحويلها الي قنابل موقوتة عملاقة تستخدم لهدم ناطحات سحاب..
والخطير في هذا الصدد أن طرفا ينجح في إظهار مثل هذا الخيال, بوسعه أن ينجح في تجارب مماثلة أخري لا تقل جسارة, وتوسيع دائرة الممكنات علي نحو تتحدي أخصب خيال.. من ينجح في عملية معقدة مثل عملية11 سبتمبر لابد أن يكتسب ثقة في نفسه وأن يجد ما يشجعه علي خوض عمليات أخري لا تقل خطورة..
لقد عقد الحزب الديمقراطي الأمريكي مؤتمره في الأسبوع المنصرم, استعدادا لانتخابات الرئاسة الأمريكية في يوم2 نوفمبر القادم.. وبعد أيام, ينعقد مؤتمر الحزب الجمهوري للسبب ذاته... ويؤذن المؤتمران بأن معركة الرئاسة الأمريكية بسبيلها أن تبلغ أكثر مراحلها احتداما وسخونة.. وليس معني ذلك تنشيط كل الطاقات علي الجبهة الداخلية وحسب, وإنما علي الصعيد الدولي كذلك, وربما بالذات ـ في ضوء معطيات عالم اليوم ـ علي صعيد قضية الإرهاب تحديدا..
وليس من شك في أن تركيز المجتمع الدولي قاطبة علي الصراع مع الإرهاب انما يدفع الإرهابيين كي يخوضوا هم أيضا هذا الصراع حتي نهاية المطاف... فلسنا بصدد إعادة تشكيل النظام الدولي لاجتثاث جذور الإرهاب.. ولا نحن بصدد علاج الأسباب التي تفضي الي الإرهاب.. كما لا نتناول انقسام المجتمع الي قطاعات فاحشة الثراء تجاورها قطاعات شديدة الفقر, وخلق أوجه عدم تكافؤ تولد السخط والإحساس بالظلم والإرهاب.. فنفاجأ بأن السلطات تلجأ الي القمع والكبت, والي عمليات مثل تلك التي جرت في سجن أبو غريب, من شأنها تغذية الكراهية, وروح الإنتقام, ودفع الأمور دفعا في اتجاه زيادة الموقف تفجرا..
نقول: إن حدثا كبيرا لابد أن يقع وفي حالة عدم وقوعه فلن يكون السبب هو التقاعس عن الإقدام عليه بل خلل فني أو ضبط بوليسي حال دون وقوعه.. ذلك أن الحدث حتي يكون له تأثير وفاعلية يجب أن يحدث قبل2 نوفمبر القادم يوم إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. فنحن بصدد موعد محدد لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
الخيال.. عدد لا يقهر
قلنا إن الحدث حتي تكون له قيمة لابد أن ينجز في أقل من3 أشهر.. هذا بالطبع لابد أن يصاحبه تصميم, وجزم, وحسن أداء, ولكن قبل ذلك, وفوق ذلك, لابد من قدرة علي المفاجأة, ومعني ذلك أن يكون عملا خارجا علي المألوف..
وخطف الطائرات ليس بجديد.. بل ربما كان, طوال سنوات, النموذج التقليدي.. الكلاسيكي ـ للعمل الإرهابي.. وقد اكتسبت السلطات في المطارات تجارب هائلة في مناهضة هذا النوع من الإرهاب.. فهل من سبل لإجهاض نوعيات منه.. مبتكرة تماما؟
إن مقاومة الإرهاب المبتكر إنما يتطلب قدرة فائقة علي الحصول علي معلومات.. ولا شك في أن الثورة العلمية والإعلامية المعاصرة كفيلة بتحقيق المعجزات في هذا الصدد.. ولكن ليس معني ذلك أن الخيال البشري, والعقل البشري اقوي بالضرورة من الآليات العصرية في هذا الصدد.. ألم نشهد برامج آلية من أجهزة الشطرنج وقد تفوقت علي بشر هم عباقرة في هذه اللعبة؟...
ثم هنالك قيد آخر في وجه انتزاع معلومات علي وجه السرعة.. خاصة في ضوء ما علم مؤخرا عن التعذيب في العديد من السجون الأمريكية, وعلي رأسها سجن أبو غريب في بغداد وسجن جوانتانامو في كوبا.. والحقيقة أننا هنا بصدد معضلة عويصة.. ذلك أن الإرهاب المعاصر بوسعه التسبب في عمليات قتل بالجملة.. وقد تكون السرعة في الحصول علي معلومات محددة, مسألة حيوية يتوقف عليها إنقاذ حياة الملايين من البشر.. فكيف التصرف في مثل هذه الحالات؟.. هل جاز الامتناع عن اتخاذ إجراءات صارمة من أجل إفساد وقوع جرائم قبل ارتكابها بالفعل؟..
لقد اتسم الوضع من قبل, في ظل النظام العالمي الثنائي القطبية, بنوع من الردع المتبادل.. نوع من التحييد المتبادل.. وقد ترتب علي ذلك امتناع الدولتين العظميين من استخدام اسلحة للدمار الشامل.. ولكن لم يعد الحال هكذا في ضوء النظام العالمي الأحادي القطبية, وفي ضوء انفراد دولة عظمي واحدة بتفوق عسكري مطلق علي بقية دول العالم مجتمعة!.. ومع غياب أي نوع من التكافؤ, فثمة خطر أن تتصاعد أوجه التباين بين الدول, وبالتالي أن تتعدد صور الصدام..
هكذا يتضح أننا بصدد موازين قوي مختلة, ووضع بالغ الحرج.. ولسنا بصدد خطر آجل وحسب, وإنما أيضا بصدد خطر عاجل, قد يتهددنا في أي وقت.
لقد أفلتنا من الإبادة المتبادلة قبل نهاية الحرب الباردة بأعجوبة.. كان من الممكن أن يحدث صدام مروع بين الكتلتين الشرقية والغربية.. وليس هناك ضمان أن نفلت في هذه المرة أيضا.. لقد اتسمت العملية في المرة السابقة بنوع من التحييد المتبادل, بينما الواضح للجميع في هذه المرة هو تفوق جانب تفوقا كاسحا علي الجانب الآخر.. وبالتالي, فلا إمكانية للتحييد المتبادل أصلا.. إن أسلحة الإرهاب تختلف نوعيا عن أسلحة الدول العظمي, حتي لو سلمنا بأن هناك صفة قد تجمع بعض أسلحة هذا الجانب وذاك, هي الأسلحة التي تتسم بصفة, الدمار الشامل..
موقع الشرق الأوسط الموسع
والجدير بالملاحظة أن صداما إذا ما وقع, فالأرجح أن يقع في منطقة الشرق الأوسط الموسع, حيثما تتعدد النزاعات, وحيثما تتداخل وتتضافر.. إنها منطقة أكثر اشتعالا من غيرها.. ومن الصعب البقاء بمعزل عن النزاعات فيها إذا ما نشبت.. هناك العراق والصراع الذي يزداد احتداما بين الحكومة المؤقتة والذين يلجأون الي عمليات مقاومة بالسلاح.. ثم هناك القضية الفلسطينية والصعاب التي مازالت تحيط بتشكيل حكومة مستقرة.. وهناك الإنذارات التي توجهها أمريكا لإيران.. هناك مواصلة اسرائيل إقامة حاجزها الأمني مع ابتلاعها لقطاعات غير قليلة من أرض الضفة الغربية.. هناك الاحتكاكات بين الأكراد والأتراك.. هناك الاتهامات التي توجهها واشنطن لسوريا.. إن المنطقة برمتها في حالة غليان, وليس من الصعب اختراع مبرر لتفجير المنطقة برمتها..
ثم لم يحدث من قبل ان وصل العالم العربي الي ما وصل إليه الان من تفكك وتمزق وتضارب في المواقف.. وأن تعددت وكثرت المنظمات الإرهابية كما هو الحال الآن.. إننا بصدد حالة هي اقرب الي التشتت, والفوضي الشاملة.. إن الجامعة العربية مشلولة مهما تكن الجهود التي تبذلها.. وها اصبحنا بصدد حاكمين عربيين هما ياسر عرفات وصدام حسين في حالة هي أقرب الي الحبس والاعتقال.. هل شهد التاريخ العربي المعاصر حدا من التدني بلغ هذه الدرجة؟
ومما ينبغي إدراكه أن الوضع إذا انفجر, لن يظل الانفجار مقصورا علي موقع دون آخر.. بل سوف يتسع لينال من المنطقة برمتها.. لن يكون ممكنا فصل القضية العراقية عن القضية الفلسطينية, أو سوريا عن لبنان, أو المشكلة الكردية عن مشاكل الأتراك, الي غير ذلك من المشاكل المتلهبة, المتداخلة, المتشابكة..
وهذا بغض النظر عن وقوع الانفجار داخل إقليم الشرق الأوسط الموسع أو خارجه.. إننا سوف نكون بصدد خريطة جديدة للشرق الأوسط, ذات انعكاسات ومضاعفات علي العالم كله..
كان للـ11 من سبتمبر عام2001 تأثير هائل في تغيير ملامح الشرق الأوسط, بل ومختلف ارجاء العالم.. ومن المؤكد أن حدثا مماثلا في الخطورة لن يقل عنه اصداء.. وذلك بغض النظر عن نجاح بوش أو كيري في انتخابات الرئاسة الأمريكية.. وستستمر هذه الأحداث تلاحق منطقتنا مادامت المشاكل الجذرية التي تولد الإرهاب لا تجري مواجهتها مجابهة.. ومادامت لا تعالج مشكلة الإرهاب في جذورها, لا في مجرد أعراضها.