جريدة الجرائد

كريم بقرادوني*: لنعط لحود الفرصة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يقول الجنرال شارل ديغول: «لن اضحي بفرنسا من اجل نص»، وكان يعني بكلمة نص الدستور الفرنسي. وبدوري اعتقد ان الدساتير هي في خدمة الأوطان والناس، وليس العكس.
ومن مراجعة تاريخ لبنان منذ الاستقلال في عام 1943، يتبين أن المادة 49 من الدستور التي نصت على عدم جواز انتخاب رئيس الجمهورية مرة ثانية، تسببت بالكثير من الأزمات والويلات والحروب، وقد راودت معظم رؤساء الجمهورية الرغبة في تعديلها.
عمد بشارة الخوري، وهو اول رئيس لجمهورية الاستقلال، الى تزوير الانتخابات النيابية في عام 1947 لتأمين اكثرية تعدّل المادة 49 «بصورة استثنائية»، وتجدد له لولاية ثانية، فكان له ما اراد، لكن انقلابا ابيض اطاح به في منتصف ولايته الثانية. وخلفه في عام 1952 كميل شمعون الذي اسقط كل معارضيه في الانتخابات في عام 1957 ليضمن اكثرية تعدل المادة عينها وتعيد انتخابه من جديد، فانفجرت في وجهه احداث 1958 الدامية وحالت دون التجديد له، فخلفه غريمه فؤاد شهاب.
نجح فؤاد شهاب عبر الانتخابات النيابية في عام 1964 في ضمان اكثرية نيابية وقعت عريضة خطية تطالبه بتعديل المادة 49 من الدستور، غير انه رغب بنوع من المبايعة لم تتحقق، ففضل ان يستمر عهده عبر رئيس ضعيف يحكم من خلاله، فوقع اختياره على شارل حلو الذي اضطره ضعفه في آخر سنة من ولايته على توقيع «اتفاقية القاهرة» مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهي السبب الرئيسي لاندلاع حرب لبنان في عهد خلفه سليمان فرنجية.
وتحت وطأة حرب لبنان جرى تعديل الدستور في عام 1976 لتقريب موعد الاستحقاق الرئاسي ستة اشهر، لتفادي حصول فراغ دستوري، فانتخب الياس سركيس خلفا لسليمان فرنجيه. وفي عام 1982، اجتاحت اسرائيل لبنان قبل اشهر من انتهاء ولاية الياس سركيس، فارتأت واشنطن وباريس وبعض العواصم العربية ان تعرض عليه فكرة التمديد فرفض بصورة قاطعة، وانتخب على التوالي كل من بشير الجميّل وأمين الجميّل.
وانتهت ولاية امين الجميّل في عام 1988 بكارثة غير مسبوقة حين ابقى الأمور معلقة حتى آخر يوم من ولايته رغبة منه في البقاء في السلطة. وعندما استحال عليه الامر وقبل ساعة واحدة من نهاية عهده، شكل حكومة انتقالية برئاسة ميشال عون الذي تسبب بحربين مدمرتين: «حرب التحرير» ضد سوريا، و«حرب الالغاء» ضد قوات سمير جعجع.
اما الياس الهراوي، وهو ثاني رئيس جمهورية بعد اتفاق الطائف الذي انهى حرب لبنان، فقد جرى التمديد له في عام 1995 لثلاث سنوات «بصورة استثنائية». وفي عام 1998 انتخب اميل لحود رئيسا للجمهورية، وما ان شارفت ولايته على سنتها الاخيرة حتى تكرر المشهد عينه فارتفعت اصوات تطالب بتعديل المادة 49 تواجهها اصوات معارضة له.
هذه الوقائع التاريخية تثبت بما لا يقبل الجدل ان المادة 49 المانعة للتجديد حملت اثنين من رؤساء الجمهورية، بشارة الخوري وكميل شمعون، على تزوير الانتخابات النيابية بصورة سافرة، فحدث انقلاب ابيض ضد الاول وثورة مسلحة ضد الثاني. ورفض رئيس واحد، هو فؤاد شهاب، التجديد المتاح له فضعف الحكم من بعده ووقّع خلفه على «اتفاقية القاهرة» التي تسببت بحرب لبنان. وراهن رئيس واحد، هو امين الجميل، على الفراغ الدستوري للبقاء في السلطة، فلم يسلم رئاسة الجمهورية الى خلف له، بل سلمها الى حكومة انتقالية برئاسة ميشال عون الذي فجر حربين شرستين الى اقصى الحدود.
ان الابقاء على نص المادة 49 كما هو من دون أي تعديل يعني ترك الباب مفتوحا على مصراعيه امام تكرار الازمات والويلات والحروب. فالمادة 49 هي المشكلة، وتعديلها «بصورة استثنائية» لأي غرض من الاغراض هو استمرار للمشكلة. اما الحل فهو في تعديلها «بصورة نهائية» لافساح المجال امام رئيس الجمهورية بأن يترشح لولاية ثانية، على غرار معظم الانظمة الديمقراطية في العالم. فالرئيس الناجح في ولايته الاولى يترشح لمرة ثانية وتكون حظوظ فوزه كبيرة، والرئيس الفاشل لا يترشح، واذا ترشح فانه خاسر لا محالة. وهذا ما تجرأ على الاقدام عليه رئيس الجمهورية الحالي اميل لحود حين ابدى استعداده لتحمل المسؤولية لولاية ثانية.
ان تعديل المادة 49 بصورة نهائية افساحا في المجال لرئيس الجمهورية، أي رئيس للجمهورية، بأن يترشح لولاية ثانية واخيرة، بات ضرورة وطنية للحيلولة دون تكرار الازمات والويلات والحروب عند كل استحقاق رئاسي. اننا لا ندعو الى تعديل استثنائي لصالح رئيس الجمهورية الحالي اميل لحود، كما جرى تعديل 1948 لصالح بشارة الخوري و1995 لصالح الياس الهراوي، بل نطالب بتعديل نهائي للمادة 49 ليصبح من حق أي رئيس للجمهورية ان يترشح لولاية ثانية واخيرة، على غرار ما هو معمول به في معظم الانظمة الديمقراطية في العالم كفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وفنلندا والنمسا وروسيا واليونان، اضافة الى العديد من دول اميركا اللاتينية كالارجنتين وفنزويلا والبيرو، ومن دول آسيا كالهند والصين والباكستان.
ان هذا التعديل لا يخالف احكام الدستور كما يدعي المعارضون. فالمادتان 76 و77 من الدستور اللبناني تنصان على امكانية تعديل الدستور وتحددان آليته بصورة تفصيلية. واننا نصر على ان يتم تعديل المادة 49 وفق الاصول الدستورية، ومنها تأمين ثلثي اصوات مجلس النواب على الأقل، أي تأمين الحد الأدنى من مقتضيات الوفاق الوطني. وتجدر الاشارة الى ان المادة 49 ليست من المواد الميثاقية التي تضمنها الميثاق الوطني في عام 1943 ووثيقة الوفاق الوطني في عام 1989 لننادي «بقدسيتها» وعدم المس بها، خصوصا انها خضعت لستة تعديلات متلاحقة منذ صياغتها في عام 1926، ورمى آخرها الى تمديد ولاية الياس الهراوي في عام 1995، وتم التعديل بناء على اقتراح رئيس الحكومة رفيق الحريري وايده اكثر من مائة نائب من بينهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
غير اننا نشارك البطريرك الماروني هواجسه حين يحذر من مغبة التلاعب بالدستور، وتخوفه من ان الافساح في المجال لاعادة انتخاب رئيس الجمهورية الى ما شاء الله، مما يمس مبدأ التداول على السلطة وجوهر الديمقراطية، على ما هو جار في العديد من دول المنطقة.
بناء عليه، نريد ان يتم تعديل المادة 49 «بصورة نهائية» تحاشيا للأزمات المحتملة عند كل استحقاق رئاسي. ولا غرو ان افاد اميل لحود من هذا التعديل فهو رجل كرس حياته للخدمة العامة من دون هوادة منذ اربعين سنة ونيف. ونجح في اعادة بناء الجيش اللبناني بعد حرب طويلة شرذمته. وعرف ان يحتضن المقاومة اللبنانية التي حررت القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية المحتلة. وصمد امام الضغوطات الاميركية الكبيرة لارسال الجيش اللبناني الى الشريط الحدودي حماية لأمن اسرائيل. فهو رئيس الجمهورية اللبناني الوحيد الذي تداول على الهاتف مع وزيرة الخارجية الاميركية، «المرأة الحديدية»، مادلين اولبرايت، لأكثر من اربع ساعات ولم يرضخ لمطاليبها وأنهى حديثه معها بالقول: الوقت عندكم ما زال مبكرا، اما عندنا فقد ناهزت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وأنا بحاجة الى بعض الراحة، وأقفل السماعة.
لقد قدم اميل لحود مثالا يحتذى في التصدي لاسرائيل، وفي التضامن مع الحقوق العربية وفي مقدمتها حق الفلسطينيين في العودة ورفض التوطين، وفي التحالف الاستراتيجي مع سوريا، وفي ضمان الأمن والاستقرار داخل الوطن في زمن الزلازل الاقليمية المحيطة، وفي نبذ الذهنية الطائفية السائدة والتمسك بمسلّمات الوحدة الوطنية، وفي الدعوة الى مكافحة الفساد والمفسدين، والانكباب على معالجة اسباب الفقر وحل مشاكل الفقراء. غير انه يعترف بجرأة بأنه لم ينجح في احقاق الاصلاح المرتجى على مستوى الادارة والقضاء والاقتصاد. وهو عازم على الحفاظ على ما انجز واكمال ما لم ينجز بعد.
فلنعطه الفرصة لتحقيق الاصلاح الشامل الذي يحتاجه الوطن بتعديل المادة 49 من الدستور التي بات تعديلها، وبمعزل عن الوضع الحالي، ضرورة وطنية ملحة.

* رئيس حزب الكتائب ووزير لبناني سابق

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف