سمير قصير: إذ تنسحب سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يستطيع منشدو اهازيج التلازم ان يكذّبوا على انفسهم، فينتشون بـ انتصار جديد من النوع الذي يهواه السيد احمد الحسن، مايسترو الجوقة (ووزير الاعلام السوري). يمكنهم إن شاؤوا الاستغراق في احلام اليقظة ما دام النوم صار مستحيلاً عليهم.
يحق لهم حتى ان يتعاموا عن كل ما قد يعكّر مزاجهم عساهم ينعمون بنهاية سعيدة.
لكن قدراتهم على اختراع واقع على ذوقهم باتت محدودة. فأياً تكن توجيهات دائرة الفكر القويم وادارة البروباغندا، لم يعد يغيب على احد من المواطنين في لبنان (وفي سوريا ايضاَ) ان اتجاه الرياح لم يعد قابلاً لأن يتقاطع مع شهوات الحكم البعثي في دمشق.
سوريا تعلن من واشنطن اعادة انتشار قواتها؟ لا، هي لم تذعن امام الضغط الاميركي. اصلاً، هي لم تعترف في العلن بان ثمة ضغطا اميركيا، فاذا وصلها تهديد اعتبرته رفعاً لمستوى الحوار .
غريب، على فكرة، هذا الهاجس المزدوج القائم على تعبئة النفوس ضد الضغوط، وعلى نفي حصول هذه الضغوط في آن واحد. وغريب ايضاً هذا الاصرار على ان ثمة صفقة تهيأ. الهدف منه طبعاً معروف، هو تيئيس المواطنين والايحاء للمعارضة ان من الافضل لها القبول بالوضع القائم، فتخف عندئذ حدة خطاباتها وتنتفي تاليا الحيثيات المحلية للضغط الدولي. ولكن أليس ذلك هدفاً مكلفاً؟
فماذا تعني الصفقة غير البيع والشراء، وتحديداً ان تشتري سوريا راحتها في لبنان بـ بيع شيء ما في مكان آخر، مثلاً في العراق او فلسطين او كليهما؟
ماذا يعني الايحاء بالصفقة غير الدعوة الى اعتبار خروج خالد مشعل من دمشق ترحيلاً؟ ماذا يعني التبشير بالصفقة سوى الدعوة الى وصم التعاون الامني الاميركي السوري على الحدود العراقية (وفي امكنة وجود المسؤولين الامنيين العراقيين السابقين، ومنها بيروت) بالتخلي، قياساً بالترويج السابق لمنطق لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة العراقية ؟
لندع جانباً المعايير الاخلاقية الوطنية ، ما دام زجالو الانتصار الدائم مستعدين لقبول فرضية خروج سوريا عن هذه المعايير. يبقى ما هو اهم، واكثر فاعلية، الحقيقة الجديدة بأن لا صفقة ممكنة اليوم. فما يغيب عن المروجين للمقدرة السورية، وربما ايضاً عن مدّعي المقدرة في الحكم البعثي، ان القرار 1559 بات جزءاً من الشرعية الدولية. قد يتطلب تنفيذه اشهراً او اياماً، سوف نرى. لكنه في اي حال غير قابل للالغاء، اذ لا يمكن تصور قرار آخر يلغي بنوده، اي قرار يجيز التدخل السوري في الشؤون اللبنانية وتجاهل الخط الازرق في الجنوب. هذا فضلاً عن وجود قانون اميركي ينص صراحة على استعادة لبنان سيادته، ويردع تالياً اي ديبلوماسي اميركي من التورط في عمل قد يحاسب عليه قضائياً.
اللبنانيون ملدوعون، بالتأكيد، وقد يكون مفهوماً ان يبقوا حذرين حيال السياسة الاميركية. لكن الحذر لا يمكن ان يكون مسوغاً لاستهبال المواطنين، كما يحب ان يفعل منشدو اهازيج التلازم من جهتي الحدود. فاذ يعلن الحكم البعثي عن انسحاب جديد لقواته، فانما يفعل ذلك هذه المرة في سياق حدّده القرار 1559 وفي ظل ضغط اميركي صار يعلن عن نفسه يومياً، وعلى اعلى المستويات. واذ تتعامل دمشق مع القرار 1559 في اطار واقعي وعملي ، بحسب ما دعتها اليه القاهرة، فإنها تضع نفسها في طريق افقه التنفيذ الكامل لهذا القرار، بما يعنيه من تحرير للبنان من وصاية الحكم السوري ومخابراته.
وهذا يقتضي من سوريا، اذ تنسحب، ان تدرك ان لا جميل لها، ولا حصانة تحصّلها من تعقلها، الا اذا اسرعت في تنظيم النهاية ونجحت في ان تجعلها سعيدة للجميع.