جريدة الجرائد

محمد السمّاك: الأرمن بين تركيا وإسرائيل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ ان فقدت تركيا دورها رأس حربة أميركية في وجه الاتحاد السوفياتي (السابق)، انكشفت أمام ضغط اللوبي الأرمني القوي المعادي لها في الولايات المتحدة.
فاللوبي الأرمني يحتل المرتبة الرابعة من حيث قدرته على التأثير في القرار الأميركي، بعد كل من اللوبي اليهودي الذي يحتل المرتبة الأولى، ثم اللوبي اليوناني، فاللوبي الايرلندي.
وبغياب أي لوبي تركي، أو عربي ـ اسلامي فعال ومؤثر، فان تركيا تضطر، دفاعاً عن مصالحها في الولايات المتحدة، الى الاعتماد على اللوبي اليهودي، علماً بأن بوابة الدخول الى هذا اللوبي هي اسرائيل.
من هنا كانت زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الى اسرائيل (ومن ثم الى الضفة الغربية عبر البوابة الاسرائيلية) رغم مشاعره التي عبر عنها في مناسبات سابقة والتي انتقد فيها بشدة الجنرال شارون وسياسته.
ويدرك الرئيس التركي ان الرأي العام في بلاده يشاطره هذه المشاعر من اسرائيل ومن قيادتها وانه متعاطف مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته، وانه أكثر قلقاً على مصير القدس والمسجد الأقصى ربما من بعض الشعوب الاسلامية الأخرى.
وللتخفيف من حدة انعكاسات زيارة اردوغان، قام الرئيس التركي بمبادرتين بهدف امتصاص رد فعل الرأي العام في بلاده. المبادرة الأولى هي زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. أما المبادرة الثانية فهي طرح مبادرة للتوسط بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. غير أن أردوغان يعرف جيداً أنه لا مجال لوساطة تركية، ولا لوساطة روسية (زيارة بوتين الى اسرائيل) ولا حتى لوساطة أوروبية، فالولايات المتحدة تحتكر وحدها عملية التسوية أو اللاتسوية في الشرق الأوسط، وهي وحدها تحدد ما اذا كان للآخرين أي دور، وذلك بالتفاهم مع اسرائيل وبالتنسيق معها.

من أجل ذلك فان اردوغان دفع بزيارته لاسرائيل ثمناً مسبقاً مقابل الحصول على وعد بأن يتولى اللوبي اليهودي الأميركي تعطيل المفاعيل السلبية على المصالح التركية في الولايات المتحدة المترتبة عن ضغوط اللوبي الأرمني.
هدف اللوبي الأرمني هو استصدار قرار من الكونغرس يعترف بالمذبحة الأرمنية التي جرت في عام 1915 على غرار ما صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، ويعترف بالتالي بحق الشعب الأرمني بالحصول على تعويضات من تركيا. واذا ما تمكن اللوبي الأرمني من ذلك، فان المجالس النيابية في العالم سوف تحذو حذو الكونغرس، الأمر الذي يضع تركيا في موقع دولي لا تحسد عليه.
لا تستطيع تركيا بامكاناتها الذاتية ان تقطع الطريق أمام وقوع مثل هذا التطور الخطير. ولذلك تجد نفسها مضطرة لتوظيف قوة ضغط تكون أكثر قدرة على التصدي لقوة الضغط الأرمني داخل الولايات المتحدة. والقوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها هي اللوبي اليهودي. غير ان لذلك ثمناً لا بد من تسديده، وسلفاً. وهو ما قام به اردوغان مضطراً بزيارته لاسرائيل، وبعقد اتفاقات التعاون الاقتصادي والعسكري معها.
ليس اردوغان أول رئيس حكومة تركي يضطر الى اللجوء الى "أبغض الحلال". فقد سبقه الى ذلك زعيم أكبر حركة اسلامية تركية حديثة عندما تولى رئاسة الحكومة في عام 1997، وهو نجم الدين اربكان. فقد وقع اربكان مع اسرائيل ـ على الرغم من خلفيته الاسلامية المتشددة ـ على اتفاقات للتعاون العسكري لم يسبقه اليها أحد من قبل. وهو لم يفعل ذلك عن حاجة أو عن ضرورة، ولكن فعله عن كره واضطرار... تماماً كما يفعل اردوغان اليوم.
وفي المحصلة الأخيرة فان تركيا تدفع، بالتقسيط وعلى مراحل، ثمن عدم الاعتراف بالمجازر التي تعرض لها الأرمن. وهي تدفع هذا الثمن لغير مستحقيه. ولو انها تعترف بالمجازر وتقدم الاعتذار الى الشعب الأرمني لوفرت على نفسها الكثير من عمليات الابتزاز السياسي التي تتعرض لها.
عندما ارتكبت تلك المجازر كانت ألمانيا حليفة لتركيا. وتستعد المانيا اليوم لاصدار قرار عن البوندستاغ (البرلمان) يعتذر الى الشعب الأرمني ويدين المجازر التي تعرض لها. فهل يعقل ان يعترف وان يعتذر الوكيل وان يستمر الأصيل معتصماً بالرفض والانكار؟.. والى متى؟..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف