جريدة الجرائد

حسن مدن: عودة الجنرال

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

د.حسن مدن:


في السياسة لا ثوابت. لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون. إنها بالضبط تلك الحال التي يصح عليها التوصيف: الرمال المتحركة. وهذا القول يصح في كل مكان وفي كل زمان، لكنه يصح بشكل خاص في بلدٍ عربي مثل لبنان تتقاطع فيه الولاءات والمؤثرات الداخلية والاقليمية بالصورة التي تجعل من الممكن لخريطة التحالفات أن تتبدل رأساً على عقب، فمن كانوا حتى حين قريب في خندقين متحاربين سرعان ما يجدون أنفسهم في خندق واحد مشترك منقلبين ضد من كانوا معهم في الخندق نفسه.

وإلى لبنان عاد الجنرال ميشال عون بعد خمسة عشر عاماً قضاها في منفاه الباريسي. وعون كان قائد الجيش اللبناني ورئيس الحكومة العسكرية التي عهد اليها الرئيس الأسبق أمين الجميل ادارة البلاد يوم تعذر تأمين نصاب لعقد جلسة للمجلس النيابي ينتخب فيها رئيساً جديداً للجمهورية خلفاً له بعدما انتهت ولايته. قبل هذا التاريخ لم يكن للجنرال أي تاريخ سياسي. انه عسكري فحسب، ولد في حارة حريك بالضاحية الجنوبية من بيروت. مما يفسر ان تياره الآن يتقاسم المقاعد البلدية مع حزب الله في تلك المنطقة في دليل آخر على لعبة التوازنات في لبنان. لكن هذا العسكري المنحدر من منطقة متواضعة في جنوبي العاصمة سرعان ما سيغدو زعيماً لتيار واسع في الشارع المسيحي سينسب إليه: التيار العوني. وفي هذا يفترق الجنرال عن العميد ريمون اده زعيم الكتلة الوطنية الذي كان قد قضى هو الآخر سنوات طوالاً في باريس، لكنه لم يتحول إلى زعيم شعبي على نحو ما جرى مع عون الذي غدا منافساً قوياً للزعامات المارونية التقليدية، بما في ذلك حزب الكتائب والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، بل انه تطاول في مرحلة رئاسته للحكومة العسكرية على البطريرك الماروني نفسه في خطوة لم يجرأ عليها أحد من الزعامات المارونية قبله. الموارنة وجدوا فيه عنواناً لمواجهة الوجود السوري في لبنان، ليس لأنه الوحيد الذي طالب بخروجهم من لبنان، فمثله فعل ذلك الكثيرون، ولكن لأن خروجه من لبنان انما تم على خلفية عملية عسكرية واسعة نفذها الجيش السوري مستخدماً فيها الطيران ضد مواقع عون وبغطاء سياسي أمريكي، وغض طرف فرض حينها على “اسرائيل”، لينتهي به الأمر هارباً في السفارة الفرنسية في بيروت التي مكث فيها نحو عام، قبل أن تتم صفقة خروجه الى باريس التي شملت تعهدات واضحة بألا يقوم بأي نشاط سياسي. لكن هذا التعهد سرعان ما أصبح غير ذي قيمة بعدما بات الجنرال ورقة مطلوبة في الصراعات الداخلية وفي لعبة التوازنات الاقليمية والدولية المتصلة بلبنان، وإلى مقره الباريسي توافد الزعماء اللبنانيون، ودعي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لزيارتها كي يصبح شاهداً في الجلسة التي خصصها الكونجرس لبحث قانون محاسبة سوريا. وإلى بيروت التي خرج منها السوريون عاد الجنرال عون. بمعنى من المعاني تبدو العودة عودة منتصر، وهي عودة قد تدفع به يوماً الى رئاسة الجمهورية، ولكن كما كان خروجه من لبنان حصيلة توازنات وصفقات سياسية محلية واقليمية ودولية، فإن عودته هي الأخرى حصيلة لتوازنات وصفقات جديدة من علاماتها ان القضاء اللبناني أسقط عنه التهم التي كان سيلاحق بموجبها. وفي السياسة لا ثوابت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف