أراد اغتيال السادات فانتهى معتوهًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رحال وبعد رحلة مصرية كويتية اردنية ليقتل والده
فلسطيني اراد اغتيال السادات واسقاط نظامه انتهى معتوهاً
وفي أثناء تقدم اثنين من المقاومين للدفاع عن قريتهم، أصيب احدهم واسمه احمد عبد الفتاح رحّال، نتيجة قصف من الطائرات، وتدلت إحدى يديه، فما كان من زميله إلا حمله، والسير به نحو مدينة بيت لحم، لعلاجه في المستشفى الفرنسي في المدينة. وكتبت الحياة لرحّال، وانخرط فيما بعد في حزب التحرير الإسلامي الذي أسسه في القدس الشيخ تقي الدين النبهاني، بعد انشقاقه عن الأخوان المسلمين، مكفرا كل الأنظمة العربية، وجاعلا إعادة الخلافة الإسلامية احد أهدافه. وبعد احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967، وصل الإسرائيليون إليه في احد مخيمات اللاجئين، حيث عاش بعد أن دمرت قريته عرتوف وهجر جميع سكانها، وأبعدوه إلى الأردن، ويعيش ألان وقد تجاوز الثمانين، مريضا، في احد ضواحي مدينة الزرقاء.
2
ومن بين الذين هجروا من القرية احد شبابها واسمه سالم رحّال، والذي حطت به الرحال في بلدة صويلح الأردنية. تمتع سالم بصفات كثيرة أحبها فيه كل من عرفه، وكان معتدا إلى حد كبير بنفسه، وشهما وكريما، وأصر على الزواج من فتاة أحبها من خارج القرية، وهو أمر لم يكن كثير الحدوث في ذلك الحين، وتجشم مشاق كثيرة، حتى ظفر بها واسمها شيحة عمرو من بلدة دورا في جبل الخليل. وكان على سالم الذي تحدى التقاليد من اجل من أصبحت زوجته، أن يخوض تحديا من نوع جديد بعد أن فقد كل شيء: الأرض والوطن والآمال، تحديا مع واقع اللجوء الصعب.
واظهر محمد تفوقا في دراسته، وما أن أنهى دراسته الثانوية، حتى بدا طريق المستقبل واضحا لديه ولدى عائلته: الدراسة في جامعة الأزهر ما دامت ميوله وثقافته دينية.
3
وصل محمد سالم رحّال إلى القاهرة في أوائل السبعينات، حاملا معه أفكار حزب التحرير المكفرة للأنظمة، والتقى هناك مع دكتور في الفلسفة، هو الأخر فلسطيني اسمه صالح أبو سّرية، ولكنه متعمق أكثر بأفكار حزب التحرير. وقاد أبو سرية، مع مجموعة من الطلاب، هجوما معروفا على مبنى الكلية الفنية العسكرية عام 1974، وكانت خطته الزحف وقتل السادات والاستيلاء على الحكم لإقامة الخلافة الإسلامية.
وفشلت، كما هو متوقع، مغامرة أبو سرية، ومن ضمن الذين اعتقلوا معه محمد سالم رحّال، الذي تم تبرئته واطلاق سراحه، بينما تم إعدام أبو سرية ورفيق له، والحكم على الباقين بين الخمس سنوات والمؤبد. تابع رحّال دراسته في الأزهر، وحصل على البكالوريوس والماجستير، وبدا يحضر للدكتوراة، وخلال كل ذلك، أصبح معروفا في أوساط الحركيين الإسلاميين الذين بداوا يظهرون في محافظات مصر، وكان لرحّال تلامذته ومجموعته ومن بينهم من أصبح معروفا فيما بعد مثل كمال حبيب، الكاتب والباحث الإسلامي.
وتحدث كثيرون عن دور رحّال في تلك المرحلة الهامة من تاريخ مصر والمنطقة وجماعات الإسلام السياسي، ومن بينهم أخيرا المحامي منتصر الزيات الذي تحدث في مذكراته التي صدرت في كتاب عن علاقته برحّال.
ذكر الزيات انه التقي في بدايات عام 1980 بالحركي احمد هاني الحناوي، وهو من جماعة رحّال وعرفه عليه ويصفه الزيات " كان أقرب إلى القِصر منه إلى الطول، أصلع خمري اللون يشع من عينيه الذكاء وكان عمره حوالي 29 عاما". يقول الزيات إن رحّال حدثه عن ضرورة قيام دولة إسلامية، ونصحني بقراءة (فقه الجهاد في سبل الإسلام) للإمام الشوكاني. وقال له إن طريق الدعوة الإسلامية يمر بمراحل عدة، الأولى، مرحلة الدعوة باللسان، والثانية مرحلة زجر المتلقين بشيء من التخويف والثالثة تكون باليد أي بالعنف.
ويشير الزيات إلى أن رحّال كان "يردد أن مصر هي أكبر دولة عربية وأن الحركة الإسلامية فيها ينبغي أن تقوم بدورها من هذا المنطلق، وأن صالح سرية جاء إلى مصر وهو يدرك أنه إذا تحرك الشعب المصري ستتحرك الشعوب العربية كلها لاقتلاع الأنظمة الحاكمة".
وابلغ رحّال الزيات بأنه يوجد في تنظيمه ضباط في الجيش المصري مستعدين لإسقاط النظام بالقوة، وشرح له فكرة القيام بثورة شعبية. وأن تنظيمه يضم مجموعات عنقودية لا يعرف بعضها بعضاً على رغم اتصالها فكرياً.
ورغم أن الزيات يشير إلى انه لم ينصح جماعته بالارتباط بتنظيم رحّال، إلا انه يقول "كنا نجهز لتوحد المجموعات الجهادية من أجل إسقاط الأنظمة العربية وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وهذه أفكار نابعة من حزب التحرير الذي كان ينتمي إليه محمد سالم رحّال في الأصل. كان رحّال يرغب في أن نبدأ بمصر ثم يتم تصدير الثورة إلى بقية الدول العربية، وفقاً لنموذج الثورة الشعبية التي اندلعت في إيران في 1979بتحريض من آية الله الخميني".
5
جميع الذين أرخوا لتنظيمات الإسلام السياسي في مصر كانوا يتوقفون عند مسالة إبعاد محمد سالم رحّال إلى الخارج، ولا ينسون الإشارة إليه باعتباره (الإسلامي الغامض).
ويذكر الزيات انه ذهب إلى موعد مع محمد سالم رحّال، فلم يجده لان السلطات المصرية أبعدته إلى الخارج في أوائل كانون الثاني (يناير) 1981. ويقر الزيات بأن "رحّال لعب دوراً محورياً في توحيد التنظيمات الجهادية في مصر، إلا أنه كانت هناك علامات استفهام كثيرة في شأنه".ويقول إن المشكـــكين فيه كانوا يتساءلون من أين جاء وكيف وما هي أغراضه؟.
وتنتهي قصة محمد سالم رحّال لدى الذين كتبوا عن تلك المرحلة عند ترحيله من مصر. ولكن ما حدث بعد إبعاد رحّال، وفقا لشهادات، مقربين منه ، انه وصل إلى الكويت، ليحظى بحماية ومساندة إسلاميين في هذا البلد الخليجي الذي توجد فيه حركات إسلامية متنوعة ومن بينها متعاطفين مع حزب التحرير الإسلامي.
ولم يوجد احد، من الذين التقاهم مراسلنا، استطاع القطع بشكل العلاقة التي ربطت محمد سالم رحّال بحزب التحرير بشكل رسمي، وهل كان نشاطه السابق في مصر جزءا من خطة للحزب، خصوصا وان استراتيجية الحزب المعروفة تقوم على أساس التثقيف والتحضير لإقامة الخلافة. أمضى رحّال في الكويت بين عامين إلى ثلاثة، ولكن يبدو أن هناك أجهزة أمنية عربية ومن بينها المصرية لم تكن أسقطت رحّال من حساباتها، وربما مارست هذه الأجهزة ضغطا على الكويت لإبعاد رحّال من أراضيها.
وابلغ الرفاق الكويتيين رحّال أنهم لم يعودوا قادرين على حمايته وتوفير ملاذا آمنا أو حتى غير امن له، فقرر بنفسه أو معهم انه لا بد من العودة إلى الأردن ومسقط الرأس: صويلح.
5
استقبلت عائلة رحّال ابنها العائد بكثير من الترحيب والشوق، ووجد مزيدا من شبان ورجال ونساء العائلة ينظرون إليه باحترام، تسبقه سمعته حول علمه وتعليمه وسجاياه. ومثلما ما هو متوقع، اختارت له العائلة أحدى فتياتها ليتزوجها، ولكن شهر العسل بالنسبة له لم يطول، لا مع زوجته ولا مع الحكومة الأردنية، التي اعتقلت رحّال. ولا تتوفر معلومات عن النشاط الذي مارسه رحّال لتعتقله الحكومة الأردنية، ويمكن أن يكون اعتقاله تم ضمن الحملات الدورية من الحكومة على نشطاء حزب التحرير.
ولكن تجربة الاعتقال انتهت بشكل مأساوي.
وعندما أفرجت الحكومة الأردنية عن محمد سالم رحّال، بعد نحو عام من اعتقاله، لم يكن هو نفس الشخص الذي اعتقلته، لأنه أصيب داخل السجن بمرض عقلي وأصبح غير مسيطر على قدراته العقلية. وقال بعض من عرفه بعد خروجه من السجن انه أصيب بمرض نفسي كان يجعله دائم الشك في كل من حوله. وتوالت الإحداث الدرامية في حياة رحّال، فطلق زوجته، ثم وقع ما هو الأسوأ، ففي أثناء مناقشة بينه وبين والده حول قضية عادية، يحلو لعارفيه أن يقولوا أنها تافهة، استل سكينا وطعن والده حتى الموت.
وكان الحدث فوق التصور، وتم اعتقال رحّال الحركي المطارد، ولكن هذه المرة بتهمة جنائية. وحكم عليه بالسجن وإيداعه مستشفى الإمراض العقلية، حيث يوجد الان، غير مدرك أن اسمه ما زال يتردد كأحد المسؤولين عن بث فكر تلك الحركة التي أقلقت وما زالت، دول المنطقة والعالم.