أخبار

وداعاً محمود عطا الله

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وداعاً محمود عطا الله

تعرفت على محمود عطا الله عام 1984 في ضاحية سري (جنوب لندن) . الضاحية نفسها التي سيرقد فيها رقدته الأبدية. بعد جنازة أرادت اسرته ان تكون دون ضجيج . وفي ذلك شئ من طبع الرجل .

كنا يومئذ نشارك في "مؤتمر التحرير" الذي دأبت صحيفة " الشرق الاوسط " على عقده سنوياً .

كان يتولى مسؤولية التحرير في القاهرة، وكنت اشغل الموقع نفسه في الرباط . وبعد "أيام سري" توطدت علاقتنا حين اصبح نائباً لرئيس تحرير " الشرق الاوسط" . نلتقي باستمرار حين ازور لندن.

ثم طوحت بنا الايام كل في اتجاه . وعدنا لنلتقي ثانية في " إيلاف" في صيف عام 2003 . كان وقتها مساعداً لرئيس التحرير ثم أصبح نائباً لرئيس التحرير. واناط بي الصديق الناشر الاستاذ عثمان العمير مسؤولية " مدير التحرير" للصحيفة.

عملنا سوياً في انسجام . بين الفينة والاخرى كنا نختلف " مهنياً " لكن هدوء محمود عطا الله كان كفيلا بكبح أية خلافات . علي أن أقول الآن ان الرجل كان يجر خلفه سنوات من الخبرات المتراكمة في التعامل الهادئ مع المواقف والناس . على الرغم من أنه ظل غيوراً على صلاحياته لكنه لم يبخل على أحد بما راكمته التجربة .

في شتاء العام الماضي التقينا في اجتماع ثلاثي في ضيافة الصديق عثمان العمير في مراكش.

وجدت محمود كما هو . نشيط ومتحفز . هاجسه المستمر رغبته في العطاء . يمشي على الجسر من الكهولة الى ما بعدها بتؤددة . كان في طوله الفارع ممشوق القامة كما عرفته لاول مرة . شعر سرح فيه الشيب. في عينيه نشوة عصفور .

تبدو عليه رواسب من أصل ارستقراطي . لا يقدم بسرعة بل يحاذر. يملك كفاءة التعامل مع الطوارئ والمفاجآت وملء الثغرات والفجوات واستيعاب الهزات والصدمات. كان إحساسه الاجتماعي مرهفاً . محب للحياة مغرم بها . أحبه كثيرون في هذه الحياة. متصالح مع نفسه .كان من بين مشاكل محمود عطا الله أنه شديد الكبرياء . ورأى بعض الناس في ذلك حالة من الأعصاب المشدودة .

بعد مراكش تواعدنا ان نلتقي خلال الربيع في لندن ، لكن أعاصير الزمن جعلت من حياتي خلال هذه السنة مثل "قلق المتنبي" تحملني الريح شمالاً وجنوباً . والأسى يدفعني مداً وجزراً .

تلك الثلاثاء هاتفني سارغون اسحاق من لندن . لم أكن سمعت صوته منذ فترة طويلة . قال بنبرات ملؤها الأسى والحزن " محمود ...تعيش انت " .

لم أعرف ماذا قلت. لكن أعرف انني خرجت اسير في شوارع الرباط بغير هدف وهو حالي حين تتكالب علي عاديات الزمان .

كنت تحدثت طويلاً يوم الجمعة 29 ابريل مع محمود عطاالله . وكانت تلك آخر مرة أسمع فيها صوته . كانت آخر جملة قالها لي " أرجوك لا تستعجل الأمور " لم أكن أدري انه هو الذي يستعجل أمره مع الحياة .

تحدثت في المساء مع " سلمى" في باريس . طلبت منها إن امكن تنتقل الى لندن لتعزية أسرته . كنت احدثها والدموع تبلل وجهي . وراحت هي تبكي ايضاً على الرغم من انها لا تعرفه . حاولت المستحيل لتسافر لكن الظروف إياها حالت بينها وبين السفر .

تحدثت مع الصديق عثمان العمير لانقل له التعازي واوسيه . راح هو يواسيني .

في اليوم التالي تحدثت مع زمليتنا سمر. بكينا كثيراً على محمود .

رغبت ان اشارك الزملاء في " إيلاف" بكلمة . لم أستطع . هأنذا أكتب اليوم (الخميس) ما استطعت . الحزن يعتصرني .

وداعاً محمود عطا الله . والى جنات الخلد .

طلحة جبريل

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف