شرقٌ على حافة القطب.!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هاني عبد الله من يوتوبوري (السويد): روح الشرق، سحره، رموزه، تحفه، وحتى عشوائيته، ممزوجة، بكل ما له علاقة بقِدم السويد وتاريخها،
" أكشون " كلمة لاتينية " Auction" تعني المزايدات، مرتبطة لدى المهاجرين خصوصا العرب منهم بكلمة " اللنكات " اي بيع الملابس القديمة المستعملة. لكن معنى الكلمة المذكورة يتسع بشدة، لدى السويديين وغيرهم، ليشمل بيع وشراء كل صنوف المأكل والملبس، والتحف والحاجيات المنزلية والأجهزة الكهربائية المستعملة، وحتى تصليحها، إضافة الى بيع ما طاب ولّذ من الفواكه والخضراوات.
كل يومي السبت والأحد، يتقاطر المئات من الناس الى منطقة " بيريخون " في المدينة، حيث يقع "أكشونها" هناك! و"أكشون" يوتوبوري، الذي يتميز عن مثيلاته في مدن سويدية أخرى، بتنوعه وغناه حتى تكاد العين تتعب من كثرة التحديق بأشيائه، يُعتبر من أكبر " الأكشونات " في السويد مساحة وكُبراً.
ثلاث قاعات كبيرة جدا ( جمالونات )، ومساحات مترامية تحتضن الألأف من السلع والمواد القديمة المعروضة للبيع، هي مساحة " اكشون " يوتوبوري.
ملتقى للشرق والغرب
هذا التنوع الصارخ يعبر عن نفسه بطرق مختلفة أخرى: أكشاك ودكاكين صغيرة لبيع الكتب الدينية الأسلامية، محلات لبيع الملابس الفلكلورية الشعبية الصومالية، لوحات منسوجة من قماش آسيوي، سجاد أيراني، ملابس وأزياء عربية وكردية، كابويات موضة سويدية، كماليات وعطور ومعطرات.
الحاج سليمزدش، هكذا عرّف نفسه لي، يقول: " أنا هنا أبيع كتب القرآن الكريم والكتب الأسلامية الأخرى منذ حوالي سنتين. كل يومي السبت والأحد من أيام الأسبوع يصبح دكاني هذا ملتقى لنخبة من المسلمين المهتمين بقراءة الكتب الدينية الأسلامية، حيث نتناقش في قضايا الدين وأمور السياسة ونتبادل الأخبار عما يحدث في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها من البلاد الآسلامية ".
ويضيف ردا على سؤال حول كيف يحصل على هذه الكتب: " هناك الكثير من المنظمات والجمعيات المدنية الدينية غير السياسية تورد لنا الكتب، سواء من خلال البريد، او عن طريق المسافرين. كذلك فأن المكتبات السويدية هي الآخرى مصدر هام من مصادر الحصول عليها".
ولم ينسى سليمزدش، ان يهديني قبل مغادرتي دكانه، أو " كشكه " لبيع الكتب منشورا أعلانيا لقناة فضائية أسلامية تدعى " التقوى ".
والشيشة " النركيلة " حاضرة أيضا...
على رغم أن السويديين المولعين بالنظام والقانون حد الملل، يمنعون التدخين في الكثير من الأماكن العامة، وينوون العام القادم منعه حتى في البارات
في " أكشون" يوتوبوري، محلات تُعرض فيها أجود أنواع الشيّش، بألوانها الزاهية، والى جانبها يجد الزبون مختلف المعسلات من "التفاحتين" الى " المعسل البحريني الشهير.
وفي أسابيع الصيف القصيرة ( الصيف في السويد يمر بسرعة البرق )، وعندما يصفى الجو، يمكنك أن تميز الشرقي من بين آلاف البشر على البحر، بسحنته الشرقية وشعره الأسود ودخان نركيلته، ورائحتها الجذابة!!
تحف صينية رائعة..
على مبعدة من ذلك، وقع نظري على مزهريات وتحف منزلية رائعة الجمال، كُتبت ونُقشت عليها آشعار وكلمات صينية غير مفهومة، لكنها توحي لناظرها دقة النقوش وزخرفتها بطريقة فنية تُعتبر سمة من سمات الفن الأسيوي ألأصيل.
صاحب المحل، شاب صيني، تمتم ببعض الكلمات بالأنكليزية، فهمت منها أنه يدعوني أن لا أفرط بالظفر بإحداها!
بالقرب من هذه التحفيات تسمرت عدد من السويديات، يتعاملن مع الشاب بهدف تخفيض السعر، فيما أقنع رجل في الستين من عمره، وبيده فخار سمائي اللون، صاحب المحل تخفيض سعر تحفته التي كان يحتضنها الى صدره، من 250 كرونة سويدية ( حوالي 30 دولارا أمريكيا ) الى 200 كرونة!
كباب وفلافل..!
وأنت تتجول وسط هذا الزحام الشديد من البشر والأشياء، تتسلل الى أنفك رائحة الفلافل الشرقية والكباب، التي تُعد على شكل لفات سريعة! وبأسعار مقبولة. والكباب في السويد بالتاكيد ليس ككباب أربيل في العراق، او مثل شاورمة دمشق! إنه كباب تركي الأصل، يباع بكثرة في مطاعم البيتزا. وهكذا يمكنك وأنت في هذا المكان أن تختار بين الفلافل والكباب، في محطة أستراحة لمواصلة التجوال في هذا السوق الشرقي قلبا وقالبا وبأمتياز!
حتى الموضة موجودة..!
توقفت عند إحدى هذه المحلات، فسألت شابة عراقية يبدو من مظهرها وطريقة كلامها وملبسها، أنها شبت هنا: " مالذي يجذبك من هذه القطع المعدنية الملونة والمزركشة والغريبة؟" قالت : " من أشهر وأنا ابحث هنا عن قطعة معدنية تشبه ميدالية عسكرية، مرسوم عليها أمراة قوقازية تمسك بيد طلقة وبأخرى سنبلة"!! وتضيف :" صديقتي الروسية في المدرسة تحمل على ياختها واحدة منها وقد اعجبتني كثيرا، لذلك أريد الحصول على واحدة منها، أنا ايضا".
من هنا يمكنك الأتصال بالعالم كله..!
تنتشر في هذا "الأكشون" عدد من المحلات التي تبيع أنواع غير متناهية من كارتات التلفونات المختلفة، التي يمكنك من خلالها الأتصال بكل دول العالم مقابل أسعار تقل عن أسعار الأتصال من الشبكة الوطنية المحلية. وفي هذه المحلات تجد سحنات وبشر من كل القوميات والأجناس، يشترون مايلزمهم منها للأتصال بذويهم وعوائلهم في كل أصقاع المعمورة.
وتبيع هذه المحلات ايضا أحدث أنواع الموبيلات، والتلفونات الأرضية وملحقاتها، من بطاريات وشاحنات وأسلاك وغيرها!
الدُش " الستلايت " حاضر بقوة..!
أبو سعيد (39 ) عاما عراقي مقيم في السويد، له محل كبير لبيع أجهزة الأستقبال الفضائي التلفزيوني " الدُش " او " الستلايت " كان له نفس المهنة في محافظة كركوك بالعراق. يقول لـ " إيلاف " : " المئات من العوائل الشرقية خصوصا من الدول العربية وعلى الرغم من وجودها هنا سنوات إلا انها حريصة على أقتناء هذا الجهاز في البيت لمتابعة القنوات الفضائية العربية، ومعرفة أخبار بلدانها، ومشاهدة الأغاني وألأفلام والمسلسات العربية"، لذلك تجدهم يأتون الى هنا لشرائه، لاننا نبيعه بأسعار معقولة، أقل من المحلات والمتاجر السويدية، إضافة الى أننا نوفر خدمة نصبه وصيانته".
ابو سعيد يؤكد ان شهر رمضان الكريم من كل عام يشهد أقبالا كثيفا على شراء الدش، لمتابعة المسلسلات الرمضانية والأفلام العربية التي تتسابق القنوات الفضائية على عرضها.
" اكشون " يوتوبوري مجتمع شرقي صغير، وملتقى أجتماعي أصبح جزءا لايتجزا من حياة المهاجرين العرب الى يوتوبوري السويدية. يعكس للمراقب والمتابع السويدي، ميزة من ميزات الشرق والشرقيين، وطريقة حياتهم وأهتماماتهم! إنه فضاء مكثف لـ "روح في بلاد الشمس، وجسد في بلد الثلج والصقيع"!