كلمات غريبة تخترق جدران المجتمع المصرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الشباب "مهنج" والبنات تحلم بعريس "رجفش"
القاهرة: فى السنوات الاخيرة انتشرت فى مجتمع الشباب المصري ظاهرة التلفظ بألفاظ إما سوقية أو غريبة على لغتنا العربية ، والمدهش أن تلك الظاهرة ليست بين عامة الشعب أو من انصاف المتعلمين أو العاطلين ، كما كان الحال من قبل ، ولكن الشيء المؤسف أن تلك الألفاظ والمصطلحات التى تهبط بالمستوى الاجتماعى للمتحدث قد وصلت بطبقات عليا قد تكشف ايضا عن هذا المستوى ،فالبنت اليوم تريد عريسا لابد ان يكون من وجهة نظرها (رجفش ) وهى اختصار لمواصفات العريس فحرف الراء اختصار لكلمة رجل والجيم مدلول لكلمة جدع والفاء تعنى لديه فلوس أما حرف الشين فيعنى الشياكة ، أما الشباب اليوم فلهم مصطلحاتهم فالشاب المتعب اصبح يعبر عن ذلك بقوله " أنا مهنج" ، أما شباب الحقبة السابقة فكان لهم مصطلحاتهم كأن يقولون فلانا " فلسع" أى توفاه الله أو أن فلانا "عامل شبوره" أى انه شخص يثير المشاكل أما الشخص الذى ترك شيء هام دون علم الاخرين فيقولون عنه انه "شرخ" ، والقائمة طويلة لا يتسع لها المقام وقد انتشرت انتشارا مخيفا بالمجتمع المصري.
الدخان الأزرق
الوزير الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة المصري الاسبق يقرر أن ظاهرة انتشار الالفاظ الغريبة والسوقية فى حياتنا ظاهرة مؤسفة لانها تهبط بصورة المستوى الاجتماعى لشعوبنا العربية ويوضح ذلك قائلا : إن اللغة صورة لحضارة الأمة فاذا كانت الصورة مشرقة ورفيعة ، دلت على تحضر الأمة ورقيها والعكس صحيح ، ويوضح الدكتور أحمد هيكل اسباب شيوع تلك الظاهرة ومن اهمها تملق من ينتجون افلاما سينمائية هابطة أو مسرحيات هزلية متدنية ومتبنية تملقهم لمشاعر طبقة لاتمثل المجتمع انما هى طبقة طفيلية ارتفع مستواها الاقتصادى ولم يرتفع مستواها الثقافي ولا الفكري ، وتلك الطبقة برأي الدكتور أحمد هيكل هى الطبقة المستهلكة لهذا الانتاج الرديء ، تلك الدراما الممولة له والتى يعود الربح من خلال تعاملها مع هذا الفن الهابط ان صح أن يسمى هذا فنا ، وقد يضاف الى ذلك بعض المنتجين للافلام الهابطة ، والمسرحيات السخيفة ، والأغنيات الاسخف يضعون فى حسابهم ايضا طبقة الوافدين الذين يجيئون للترفيه عن انفسهم دون اعتبار لأي مستوى ثقافى أو فنى ومن هنا –والكلام للدكتور الوزير – تمتلىء الحوارات فى المسرحيات من هذا النوع المتدني والافلام من هذا النوع السخيف والاغنيات من هذا الطراز التافه بألفاظ وتعبيرات هى افراز اماكن الدخان الأزرق ، وجلسات الأنس وتجمعات من تدنت ثقافتهم ، وتضخمت جيوبهم من وراء تجارة العملة او المخدرات والتعامل فى التجارات غير المشروعة على وجه العموم ثم تنتفل هذه الألفاظ من خلال بعض الافلام والمسرحيات والاغنيات الى من يسمعون ، وخاصة من الشباب الذي لم يتثقف ثقافة عالية فتشيع هذه الألفاظ ،والتعابير السوقية ، والتى تعبر اساسا وتشيع من باب الاستظراف والتفكه وادعاء خفة الظل ، ومسايرة الموجة الغالبة التى تميل الى التخفف والتظرف والسخرية من كل شيء من هذه الالفاظ كما يرى الدكتور الوزير لفظ اللحلوح بمعنى الجنيه المصري والاستك بمعنى الالف جنيه ، والأرنب بمعنى المليون جنيه ، كما يرى الدكتور هيكل الفعل (طنش ) بمعنى عدم الاهتمام.
تأكيد للشخصية
والاستاذ الدكتور الطاهر مكي استاذ النقد العربى بجامعة القاهرة له رؤى خاصة فى تلك القضية فيقول 00 أنا اشك فى أن من يستخدم تلك الألفاظ يمكن أن نسميه مثقفا لأنها تأتي اما من بعض المسرحيات الكوميدية أو من بعض الأفلام التى تجري فى الأحياء الشعبية ، وتجري على السنة بعض الممثلين الذين يجيدون هذه الادوار ، فمن ليست لديه ثقافة يأخذ بها ويجد فى تقليدها طرافة ، ويتصور أنها تكسب شخصيته ظرفا ، على حين أن المثقف الحقيقى لديه من الحصانة بفضل ثقافته وسلوكه وعاداته مما يكسبه حصانه يرى معها فى الحال انه فى مستوى أرقى من استخدام تلك التعابير حتى ولو جاءت على لسان ممثلين يحبهم أو جاءت فى مواقف واقعية تثير اعجابه ومن هنا فهو يلفظها بطبيعته ويتسامى عليها ، أما من لايملك هذه الحصانة فسوف تستقر فى أعماقه فى الحال ، وبخاصة الأطفال والصبية ، لانهم يجدون فى التقليد تأكيد لشخصياتهم ، وهؤلاء ذاكرتهم قوية فلا ينسون ما تلقوه والتقطوه ، ومن هنا –كرؤية الدكتور مكي – اذا اردنا أن نحد من تلك الظاهرة فان علينا أن نجفف ينابيعها الأولى ممثلة فى أجهزة الاعلام والتليفزيون بخاصة فوظيفته ليست ترفيهية فحسب فان له وظيفة تربوية ، ونفس التوجيه نرجوه من كتاب المسلسلات انفسهم ومن كتاب الروايات والقصص ان الواقعية كما رأى الدكتور مكي لا تعني دائما تصوير ما يحدث فى الطبقة الدنيا كما هو دون تعديل ، ومن أجل هذا كان الرمز ، وكانت الكناية وكلاهما يؤدي دوره فى التعبير دون أن تستخدم تلك الألفاظ السوقية ، وذلك هو الأدب الرفيع وهو الصعب فى الوقت نفسه !
شاكوش وبعرور
وبعد فان استاذ التنظيم في المجتمع يلقي اللوم على الاحياء العشوائية فيقول الاستاذ الدكتور علي فتح الله الاحياء العشوائية ومجتمعات الحرفيين تكثر بها مثل هذه الالفاظ الغريبة والسوقية ، نتيجة لزيادة تعداد السكان ،ولكثرة الحرف التى يمتهنها الصبية ما بين 10 و12 سنه والذين يختارون لانفسهم اسماء غريبة مثل ( شاكوش ) و(بعرور ) و(زنبه ) وهى نتاج التسرب التعليمي وتكثر هذه الحالات من النازحين من الريف للمدينة وهم يتأثرون بسرعة ، كما تكثر الألفاظ السوقية فى المجتمعات الهامشية ، والاحياء الشعبية نظرا لحالة البطالة والعوز ، ونجدها ايضا بين الباعة الجائلين الذين يستخدمون التورية والكناية ، كما نجدها فى المدارس حيث أن المدرس أصبح فى بعض الاحيان لايمثل القدوة ويختتم الدكتور فتح الله كلامه قائلا ان نظرة المجتمع العفوية هي التى صنعت تلك الألفاظ ، خاصة فى ظل انعدام روح التربية داخل المنزل والمدرسة.