إيلاف+

إيلاف تفتش في دفاتر الزمن.. حديث بنكهة الوطن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


غزة: إيلاف تفتش في دفاتر الزمن أو ممن تبقوا من الذين عاصروا النكبة لإظهار الهوية الوطنية والتاريخ بهدف إحياء الجذور للحيلولة دون طمسها او استبدالها وإن تدوين التاريخ شيء مهم في الكتابة عن الوطن الذي تحول إلى كلمات ومهما كانت تلك الكلمات بارعة في اعادة رسم الأمكنة والأزمان التي مرت، لا تتعدّى ان تكون ظلالا باهتة مهما وعت الذاكرة لحياة كانت اغنى وأكثر كثافة، ومليئة بالتفاصيل التي يصعب استعادتها من ذاكرة الأجيال الجديدة فان عظمة الأوطان تقاس بعظمة تاريخها الذي تصنعه العقول وعرق أبنائه وسواعدهم.
الكاتب الصهيوني أوري زقهيم : قال فكرت في سكان مجدل العرب الذين أجبروا ترك المنطقة وطردوا حاولت تأمل البلدة قبل 1948، كانت بها بيارات، كروم، شاطئ البحر، سبغ بألوان متنوعة وأقمشة متنوعة، تخيلتها منطقة رومنسية ورائعة. ماذا يشعرون سكان المنطقة الأصليون؟ أتغير الوحشة الاشتياق والكثير من الغضب، الواقع اليوم تغير، مجدل التي كانت لم تعد.
اليوم بلدة أشكلون(عسقلان) بلدة متقدمة الصناعة، وزراعة الكروم والبساتين لم تعد موجودة كل ما يوجد بنايات عالية، مصانع ومتجمعات.
ما كان يحدث لو علم سكان أشكلون عن ما في البلدة؟ ما كنت أشعر لو علمت أن في المكان الذي أسكن به طردوا سكان كانت هذه بيوتهم؟ عائلة قريتي أتوا إلى أشكلون سنة 1950 من المغرب. أذكر قصص مؤلمة عن الحياة في المساكن العابرة، هل سألوا أنفسهم إذا سكن هنا أحد من قبلهم؟ هل من خلال صعوبة التأقلم والحياة في المساكن العابرة فكروا بالسكان الذين طردوا؟ هل يعرفون عن الطرد؟
وختم مقالته قائلا : أفكر في رجال الجيش وأصحاب القرار الحكومي سنة 1950 الذين قرروا وكانوا شركاء للطرد، أعمالهم الشنيعة واللا إنسانية، ماذا فكروا؟ هل كان ذلك خوف، كراهية، عنصرية؟ الإيمان أن يفعلون ما لا يمنع من أجل إقامة الدولة، لماذا لم يفكروا على إمكانية السكن سويا عربا ويهودا؟
وهنا نقول ان اثمن ما في الوجود هو الوطن، لأننا نستمد منه الانتماء والكيان و لعل أصعب شيء يكتب عنه المرء شيء ضاع منه، وقرى الهجرة باتت تقطن في الذاكرة ومهما حاول الإنسان في إعطاء كافة المعلومات بدقة وأمانة إلا أنها خداعة لأنها لا تقول إلا الأشياء التي تعيها والمكان ليس حيزا جغرافيا فقط.
ونر سوا عزيزي سويا في محطتنا لنقف أمام مدينة المجدل وبصحبة معمرها الحاج إبراهيم ربيع محمود عودة 110 أعوام،"ابو عاشور" حيث تظل تاريخا وتراثا وحضارة ونضالا مهمة في عقل كل فلسطيني وعربي ومجسدة بسهولها ومعالمها في عيون الأجيال الفلسطينية وبذكراها العطرة التي تهب عبر الأثير وتقع مجدل عسقلان على بعد حوالي 25 كم الى الشمال الشرقي من مدينة غزة وحوالي 5كم من شاطئ البحر، وكانت المجدل حتى سنة 1948م بلدة فلسطينية عربية وسكانها حسب إحصائية الانتداب لسنة 1945م حوالي عشرة آلاف نسمة ومساحة أرضها 42.334 دونما ما زال القسم الأكبر من المنازل والدكاكين والحواصل والعمارات التجارية والأسواق التي تركها السكان العرب سنة 1948 قائما ومستعملا من قبل اليهود الشرقيين الذين حلوا محلهم دون إجراء اي تغيير او تعديل عليها وتبدو على العديد من المباني المسكونة والمستعملة دلائل الإهمال وعدم الاكتراث، كما ان العديد من المباني قد تداعت بعض جدرانها وسقوفها فهجرت وتركت دون عناية او ترميم وهناك بعض الأكوام من الحجارة التي تدل على هدم وتجريف بعض الأبنية أو الأحياء الكاملة، كما أن هناك الكثير من البيوت و الساحات التي يستعملها السكان الحاليون لإلقاء القمامة والأثاث القديم، ولكن البلدة ككل ما زالت تحتفظ بنكهة المدينة الفلسطينية الصغيرة في الأربعينات ومازالت توحي بأنها مرت بأيام وظروف اسعد وأجمل من تلك التي تمر بها الآن الحاج ابو عاشور الذي ارتسمت علي محياه معالم الوطن كله،بصوت مرتفع قال ما أجمل الحديث عن الوطن وعن مدينتي، أعيش كل لحظة واحلم بالعودة إليها وتكتمل سعادتي عندما يبادرني احد بالسؤال عنها لأنه يرجعني الى شبابي والى موطني الأصلي. وتابع بصوت يملؤه التحدي مهما طال الزمن حتما سنعود الى هناك.


اذبح جملا
وأضاف لقد ندرت لله عز وجل أن اذبح جملا إن تمكنت من العودة الي مسقط رأسي مدينة مجدل عسقلان ومن يومها وإلى الان احلم بالعودة، مستذكرا ان ابنه الأكبر عاشور قد اخذه علي المجدل ذات يوم و ان آثارها وما زالت هناك تنبض بالحياة العربية والحياة الفلسطينية التي كانت قائمة آنذاك.
ويشير ابو عاشور ويحرك يديه كان هناك قرار احتلالي بفتح الطريق ولمدة أربعين يوما أمام اللاجئين للعودة الي مدنهم وقراهم بعد تهجيرهم ولكنها خدعة احتلالية خاصة وان من عاد الي هناك تم ترحيله مرة ثانية الي بيت حانون شمال القطاع وبعضهم الى اللد والرملة ناهيك عن العذاب الذي كان بانتظارهم وان الكثير منهم قد لقي نهايته.
موضحا ان كل من كانت تسول له نفسه بالبقاء هناك بعد طرد السكان وقمعهم وقتل من راوده نفسه برؤية الوطن المسلوب لدى اليهود أطلق عليه عميلا.


الفوارق المالية
وعن المجدل والحياة فيها قبل النكبة قال تتداخل الحياة الاجتماعية لمدينة المجدل تداخلا مباشرا مع القرى المحيطة بها، ويندر أن تجد قرية لا يرتبط أهلها وأهل المجدل بعلاقة المصاهرة أو امتداد الأسر الموجودة في المدينة خاصة وان المجدل والقرى المحيطة بها تشكل وحدة اجتماعية واحدة، يشارك أهلها بعضهم البعض الآخر السراء والضراء، وتبدو هذه الوحدة الاجتماعية أكثر ما تبدو في الضراء،عندما تصاب أسرة من الأسر بمكروه أو بعزاء، إذ يكون عزاؤها عزاء المجدل وقراها جميعا. وأشار الى ان الفوارق المالية تظهر في مجتمع مدينة المجدل نتيجة وجود عدد من الأثرياء على مستوى فلسطين كلها إلا أن الفوارق الاجتماعية تختفي في العلاقات العامة تماما، ويعامل الناس بعضهم البعض الآخر على مستوى واحد،ولا وجود لنعرات أسرية أو طائفية في المنطقة، ويتمتع المجتمع باحترام الوجهاء له، كما يتمتع هؤلاء بطاعة المجتمع لهم. مما يدل على الثقة المتبادلة والحرص على المصلحة العامة، وظهر أثر ذلك التكاتف واضحا أمام الغزوة الاحتلاية مشددا علي انه لم تسجل حادثة بيع ارض واحدة، ويكاد سكان المجدل وقراها يتوحدون في الملبس والمأكل والسلوك والمناسبات الاجتماعية ويقول وهو يطالب زوجة ابنه بإحضار ثوب زوجته التي توفاها الله قبل عامين ان المراة كانت تظهر الوجه وترتدي ثوبا طويلا أسود به خطوط طويلة ملونة حتى أخمص قدميها من صناعة المجدل، ويكون من خيوط الحرير أو القطن،ولأثواب النساء مسميات حسب الخطوط الطولية الملونة في الثوب. فإذا كان الخط الطولي أحمر سمي الثوب " جلجي" وإذا كان خطان متوازيان أحمر وأخضر سمي " جنة ونار "، أما الزي الرسمي للمرأة في المناسبات وبخاصة الشابات فهو الثوب الشمالي " وهو قطعة من القماش الحرير الأسود مطرز بخيوط من الحرير وبأخذ التطريز أشكالا متعددة الكف والخنجر. وترتدي على رأسها منديلا مخططا يغطي كتفيها أو شاشة بيضاء او منديلا مطرزا بالخرز في المناسبات وتربط وسطها بحزام من القماش الحريري أو القطني.


القمباز والساق
وللرجال نصيب من الملابس،أما الرجل، فيرتدي القمباز ( الدماية ) والساق ( الجاكيت الطويل ) أو الجاكيت القصير، وهو من الصوف في الشتاء ومن الحرير أو القطن في الصيف، ويضع على رأسه الكوفية الحطة البيضاء والعقال الأسود منوها انه في الأوقات العادية يرتدي الرجال القميص والسروال، وهو امتداد للسروال التركي من الصوف أو القطن أو الحرير، ويضع بعض الرجال وبخاصة المتقدمين في السن عمامة من الأغباني الحرير، تلف حول طربوش، أو لفة عادية من الحرير أو القطن حول طاقية بيضاء تغطي الرأس.


الغزل والنسيج
وأضاف الحاج أبو عاشور وهو يشير بيده حول كيفية الغزل اليدوي ان المجدل تعتبر من أشهر المدن الفلسطينية في صناعة الغزل والنسيج وكانت تعتمد على الأنوال اليدوية التي بلغ عددها عام 1945 حوالي 800 نول ثم دخلت الأنوال الآلية مشيرا الى انه عمل علي نقل صناعة النسيج الى غزة الا أنها سرعان ما بدأت تندثر بحكم انتشار الملابس الجاهزة التي كانت تجلب من الخارج إضافة الى ارتفاع ثمنها حيث يصل قيمة الثوب الواحد الى مائة دينار أردني وأكثر.
وبالفعل أحضرت زوجة ابنه ثوب زوجته واخذ يشرح لي عنه الكثير والكثير وقال العديد حضروا الي هنا لشراء الثوب الا انه لن أبيعه لانه من ذكرى الوطن وذكرى الحبيبة الغالية
وقال أبو عاشور وهو يتحدث بصوت متهدج لم يتوقف الأمر عند صناعة الغزل فحسب بل اشتهرت المجدل بالزراعة و ساعد موقعها المتميز وسط بيئة زراعية كثيفة فبلغت المساحة المزروعة في المجدل 42334 دونما لا يمتلك اليهود منها شيئا وقد زرع سكان المجدل الحبوب والخضر والأشجار المثمرة كذلك زرعت الحمضيات وكروم العنب والفواكه كالتين والخوخ والبرقوق والتوت مشيرا الي أن الإنجليز كانوا يشترون المزروعات من مدينة المجدل لجودتها الفائقة وانهم ينتظرون الموسم الخاص لكل نوع من الخضر وات او الفواكه والحبوب .


التجارة بأنواعها
وأوضح ان السكان مارسوا التجارة ومنها الأقمشة المتنوعة محليا والمنتجات الزراعية وكذلك البضائع المستوردة من الخارج حيث اشتهرت المدينة بسوق الجمعة والذي كان يقام يوم الجمعة من كل أسبوع، يتم فيه تبادل البيع والشراء بين الوافدين إلى السوق من أهل المدينة والقرى المحيطة بها، وينتهي قبيل صلاة الجمعة، حيث ينصرف الناس إلى الصلاة في المسجد ويقع السوق في جنوب غرب المدينة، وهو ساحة واسعة تشرف على نظافته وتنظيمه بلدية المجدل، ويجلب إليه كل ما يريد أهل المجدل وقراها بيعه من منتجات زراعية أو صناعية
ويشير أن باقي أيام الأسبوع كان تجار المدينة يتنقلون بين القرى والمدن الفلسطينية قائلا إنني تمنيت ومن خلال عملي زيارة كافة القرى والمدن الفلسطينية .


أغاني الدلعونة
وحول شهرة المجدل بالعديد من الأغاني والأناشيد التي كانت تصاحب الغزل والنسيج قال وهو يعتدل في جلسته وكأنه سيبدأ في إلقاء قصيدة شعرية كانت هناك أغاني الدلعونة وتقال بصورة عفوية حسب الظروف ولا تلتزم بكلماتها بالتقاليد والقيم السائدة معبرة عن المشاعر الشخصية للشباب في الغزل والعواطف ومنها شاب يغني لمحبوبته عندما تمر فيقول "مرت عني عن باب القاعة ربت في قليبي كل الوجاعة،تشهد علي النجمة اللماعة لايام السوالف تنعس للنوما وتغني فتاة لحبيبها وتدعو له بطول العمر فتقول شغال النول يسلملي دياتك علي من الحلوة تلبس شغلاتك اطلب من الله يرحم إخوانك والظل عايش النا يابو العيونا وتستمر قائلة شغال النول يسلم لي أيدك قلبي يا حلو من جوه يريدك ليش بتوعدني وتخلف مواعيدك يا أبو الهليل فوق العيونا.
ويستطرد قائلا وأخرى تندب حظها فتقول شغال الجنة والنار ينشف مساتك الشينة والزينة صارن من لباساتك،قولوا للنزل ظب مصرياتك يا أولاد المجدل ما تهتمونا وغيرها من أغاني الدلعونة.

بيت الضيافة المنزول

ولم تقتصر الأغاني حول ذلك بل ان كل حادثة لها ما يميزها في ذلك فالمنزول وقد عرف في عهد تركيا حيث كنت امتلك منزولا هناك في مدينتي المجدل وهو بيت مضافة ويرتبط بخصال الضيافة والكرم الذي يلتزم به العربي تجاه من يقصده في أي وقت مبجلا مكرما في المآكل والإقامة والمأوى وان رفض استقبال الضيف عارا كبيرا ويصبح منبوذا داخل المدينة منوها الي أن المنزول هو عبارة عن ديوان للحمولة وكان يبيت فيه الغريب الذي تتقطع به السبل أو الطريق ناهيك عن كونه مكانا لحل المشاكل والقضايا في حال اللجوء الي تلك العائلة ومكانا لإحياء الأفراح والمآتم.
وقال إن لبيت الضيافة " المنزول " فوائد كثيرة خاصة في شهر رمضان الكريم حيث يتناول كبار العائلة الإفطار فيه وكل واحد منهم يقدم أجود ما عنده من طعام ويسمي "الخروج" قبل الإفطار بقليل تحسبا لحضور أي غريب الى المنزول للمبيت فيه او طلبا للمساعدة مضيفا انه في فترة المساء كان الرجال يتحلقون حول "الوجاق" الكانون وهو موقد للنار تصف فيه بقارج القهوة العربية ويتسامرون ويتناولون أحاديث شتى إضافة الى الأغاني الشعبية المختلفة وذات طابع ممزوج بنكهة القهوة العربية .
ويشير كتاب المجدل عسقلان " تاريخ وحضارة من اعداد محمود صالحة انه وخلال إعداد القهوة وتقديمها انبثقت أجمل وارق الأغاني الشعبية بقولهم الله يعطيك ياللي أعطيتنا الفنجان يعطيك بيضة غريرة طول عود الزان، الله يعطيك يا للي أعطيتنا القهوة يعطيك بيضة غريرة طولها ضوه كما وان للقهوة اعتزاز كبير عند العرب ولا تسقي الا للأجاويد ويقال البن الأخضر نصره في محارمنا ونسقيه للاجواد ونقضي مصالحنا،ياقهوجي ظب بنك مع فناجينك واصبر تنصلي الصبح وأجيلك ويا هلا يا مرحبا واحنا المحلية فراش مفروش والقهوة يمنية والنظيف منظافة ديوان يقعد فيه يقعد علي فراشه لما غداه يجيله.


حديث بنكهة الوطن
ويضيف كنت امتلك بجانب المصنع والمنزول أرضا زراعية بجوار مليئة بكافة انواع الخضروات والفواكهه -محركا رأسه- ومضيفا اشعر وكأنها أمامي الان فهي لا تغادرني لحظة واحدة وكثيرا ما كنت اشتري الخضروات لأبنائي وأترحم على تلك الأيام التي خلت مشيرا الى انه لن يتردد لحظة واحدة في العودة الى هناك اذا ما سمح بذلك لكافة اللاجئين الفلسطينيين.
وعن أبنائه وحديثه لهم عن الوطن قال لقد زرع ابي فينا حب الوطن والتضحية من اجله بالغالي والنفيس وانا تدربت على نهجه فزرعت حب الوطن في نفوس أبنائي وأحفادي وأحفادهم فلا يخلو يوما من ذكر الوطن المسلوب مشيرا الي انه في كل ليلة هناك حديث عن الوطن.
وابتسم وهو يهز برأسه أتعرفين أصبح أحفادي يسبقون في الحديث عن المجدل حيث ان الحديث يتكرر يوميا فانا لا أمل من الكلام عن مجدل عسقلان مسقط راسي وهم يتعطشون لكل معلومة ولكل همسة عن الوطن .
وقال الكثير من احفادي يطالبون بزيارة المجدل ليلمسوا ترابها ويشتمون نسيمها ويغتسلون في مائها ويأكلون من خيراتها اه على بلدي اه على مجدل عسقلان.


أم حسن وذكرياتها
أما الحاجة ام حسن الطنة 83 عاما فما زالت ترتدي هي الأخرى زي قريتها المجدل التي هجرت منها في عام النكبة، حيث كان عمرها 30عاما.فإن كانت السنون التي تفصلها عن العودة إلى قريتها طالت، فإن الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية من النسيان، وتذكير الأجيال باستمرار ببلادهم أمر لن يستطيع الاحتلال اجتثاثه وهي ما زالت تحتفظ بتراث قريتها رغم مرور 53 عاما على النكبة، وتذكر كافة تفاصيل اليوم المشؤوم التي حرمت فيه من قريتها، وسردت أم حسن أدق التفاصيل، فما زالت تذكر أسماء عائلات المجدل وجيرانها والذكريات الحلوة التي قضتها في المجدل فقالت انتهيت قبل النكبة بأيام من إتمام بناء منزلي في المجدل ليضمني أنا وأولادي بعدما فقدت زوجي، وأنا سعيدة لأنني أتممت بناءه وبجواره خمسة دونمات مزروعة بكافة أنواع الفاكهة، لقد ترك لي زوجي خيرا كثيرا.


عصابات الهاغاناه
وأضافت الحاجة أم حسن وبدأت أخبار القرى المجاورة تصل إلى مسامع قريتنا عن المذابح التي ترتكبها عصابات (الهاغاناة) ضد النساء من بقرها لبطون النساء أو انتهاك شرفهن، ومن ثم توالى على قريتنا العديد من أهالي القرى المجاورة الهاربين من المجازر، وخاصة قرية سمسمة فاضطر أهل قريتنا والنساء والأطفال للفرار إلى مدينة غزة، وبقي الشباب.وتابعت قائلة أرسلت أبنائي الثلاثة مع أخي إلى غزة، وصممت أن أبقى بجوار أخي الثاني وأبي لننظر ماذا سيحدث في أمر قريتنا، وبعد يومين جاءت الطيارات من فوقنا تضرب بطريقة عشوائية طوال ساعات الليل عائلات بكاملها قتلت وأشلاء كثيرة تناثرت في الشوارع وبيوت دمرت على من فيها، حتى أهل قرية سمسمة الذين هربوا من الموت كثير منهم فصلت رؤوسهم عن أجسامهم.


مصفحات وطائرات
والأهالي من الثوار لا يملكون سلاحا سوى عدد قليل من البنادق البدائية أمام المصفحات والطائرات التي هجمت بشراسة لطرد الأهالي من بيوتهم وأراضيهم، فهرب جزء كبير من الناس إلى غزة وصمد الجزء الآخر، ولكن جيش الاحتلال لم يرق لهم أن يبقوا في أراضيهم التي احتلوها قسرا فهجروهم إلى مدينة الناصرة.وأكملت الحاجة "خرجت من قريتي بصحبة ابن عمي ومجموعة من أهالي القرية بعدما حزمت ما أستطيع من أوراق وجزء من الأموال وفي الطرق قابلت مجموعة من عصابات "الهاغاناة" حاولنا أن نهرب منها بعدما أطلقوا وابل أسلحتهم علينا، وقتلوا جزءا من جيراننا وتناثرت الأشلاء، وأصابوا جزءا آخر ومنهم جارتي "عائشة" التي أصيبت برصاصة في عينها اليمنى.وتابعت "نحن نسكن في غزة ولكن لم نستقر يوما بها، فأنا لاجئة وأعيش على أمل أن أعود يوما إلى قريتي المجدل، وأن أقضي ولو ساعة واحدة من حياتي بها ثم أدفن في ترابي ليحتضنني ترابها مرة أخرى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف