أخبار خاصة

سيف العدل يروي سيرة الزرقاوي ـ2

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


نبيل شرف الدين من القاهرة: تطرقنا في الحلقة السابقة إلى بداية انخراط القائد العسكري لتنظيم "القاعدة" المكني "سيف العدل" في النشاط الجهادي، والتحول الكبير في حياته من ضابط بالقوات الخاصة إلى أصولي بدأ يلعب أدواراً حركية، وليست دعوية فقط ـ كما كانت بدايات معظم قيادات التنظيمات الأصولية المتشددة التي كانت تنتشر في مصر خلال تلك السنوات على نحو واسع ـ وفي هذه الحلقة نواصل سرد بقية شهادته عن الوقائع والشخصيات التي لعب هو أو لعبت هي أدواراً مهمة في مسيرته التي لم تزل متواصلة حتى اليوم، بل ويكتنفها الغموض بمضي الوقت، وهنا نسلط الضوء بشكل خاص على حكاية سيف العدل مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي، وهو ما يقودنا إلى البداية، حين وصل سيف العدل إلى أفغانستان وشرع في التعامل مع المجاهدين العرب خصوصا المصريين وكأنه جاء ليشغل مركزا قيادياً فارغا كان بانتظاره، ولا يوجد من يشغله أفضل منه، فهو أولا من ناحية الخبرة العسكرية والقتالية الأوفر حظاً، وهو ثانياً نجح في الافلات من الإدانة القضائية في مصر رغم رصد أجهزة الأمن له، وهو أخيراً غير محمل بخلافات أو تاريخ من الصراعات الداخلية مع أيّ من قيادات الجماعة, ففي غضون العام 1989، يبرز دور "سيف العدل" الكنية التي عرف بها في العمليات التي كان يقوم بها الأفغان المصريون مع الأفغان العرب ضد الوجود السوفيتي، وتعرف على أيمن الظواهري بينما بدأ يفيد هذه التنظيمات بخبرته العسكرية السابقة في عمليات التدريب.

وعقب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان انتقل سيف العدل الى اسلام أباد، وتزوج من باكستانية وبناء على طلب مصري أصدرت محكمة باكستانية أمراً بترحيله في العام 1992، في إطار التعاون الأمني مع مصر، لاسيما بعدما ثارت الشكوك حول ضلوعه في تفجيرات السفارة المصرية في اسلام أباد ولا يعرف لماذا لم ينفذ هذا القرار، رغم أن سيف العدل بالغ في الإعلان عن مواقفه إلى حد مفرط في التهور، ربما لإعلان انتقاله إلى موقع قيادي يرضيه داخل التنظيمات الجهادية العربية فقال لإحدى الصحف الباكستانية انه المسؤول عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري السابق عاطف صدقي، ووزير الداخلية السابق حسن الألفي، بل وأيضا الاقرار بمسؤوليته عن محاولة اغتيال يوسف بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كما نفى أي دور لتنظيم الجهاد في عمليات أخرى تمت في حي شبرا ومنطقة الأزبكية بوسط القاهرة .

أبو قتادة والمقدسي

وفي شهادته يبدأ سيف العدل من لحظة خروج السوفييت من أفغانستان، ويقول في شهادته بالنص "بعد أن منَّ الله على المجاهدين المسلمين في أفغانستان بالنصر المبين على الكفرة والمشركين من المرتدين والروس، وبعد الخلافات التي أخذت بالبروز بين فصائل المجاهدين الأفغان، بدأ الكثير من اخوتنا العرب التفكير بالعودة إلى أوطانهم الأصلية، لا سيما الاخوة السعوديون واليمنيون والأردنيون، الذين لم تكن لديهم مشاكل أمنية في أوطانهم، على عكسنا نحن المصريين، وإخواننا السوريين والجزائريين والليبيين، فلم يكن لدينا خيار سوى البقاء في أفغانستان، أو التحول إلى ساحات جهاد ساخنة، أو الذهاب إلى مناطق آمنة بالنسبة لنا، لا توجد فيها حكومات مركزية قوية، وتوجد لنا فيها تحالفات قوية على الأرض، ومن هنا كان اختيارنا للسودان والصومال، وبعض دول إفريقيا الضعيفة، وذهب بعض الاخوة مبكرين إلى الدول التي استقلت عن دولة الاتحاد السوفيتي المنهار، وبعض الاخوة ساح في بقاع الأرض، وكان هناك رأي من بعض الاخوة المخلصين الواعين، أن ما حصل ويحصل هو خسارة كبيرة لا بد من اتخاذ خطوات سريعة وعملية لإيقافها، واستدراك ما فات، فهذه الطاقات والخبرات التي تحملها هذه النفوس العظيمة المخلصة، لا بد من تجميعها وتأطيرها واستخدامها في إحداث التغير المنشود، فكانت فكرة قاعدة الجهاد المباركة كخطوة أولى على هذا الطريق".

ويواصل سيف العدل سرد خطته الجديدة قائلاً "بدأنا بتجميع المعلومات التي نحن بحاجة لها لاعادة ترتيب عملنا، وكان من أوليات هذا العمل هو تحصيل المعلومات القديمة والجديدة عن كل رواد الجهاد، الذين شاركوا في الجهاد على الساحة الأفغانية، وكان من هؤلاء الرواد اخوتنا الأردنيون والفلسطينيون على رأس القائمة التي لا بد من اعادة دراستها، وتجديد المعلومات عن شخوصها.

ولذلك كنا نتابع المحاكمات العسكرية التي تعقدها محكمة أمن الدولة الأردنية، لاخواننا من الأفغان الأردنيين العائدين، وكذلك للمجموعات الإسلامية الصغيرة المتعددة، التي كانت تحاول القيام ببعض الأعمال الجهادية ضد دولة العدو الصهيوني في فلسطين الحبيبة، انطلاقا من الأراضي الأردنية وكان الأبرز ظهوراً من الناحية الإعلامية من بين هؤلاء الاخوة (الأخ أبو محمد المقدسي) و(الأخ أبو مصعب) من خلال متابعة وقائع محاكمتهما في قضية التوحيد (بيعة الإمام).

ويتطرق سيف العدل إلى شخصيات بعينها فيقول "كان أخونا عمر أبو عمر (أبو قتادة) يركز على نشر انتاج هؤلاء الأخوة في مجلته (المنهاج) التي كان يصدرها في لندن, فقرأنا رسائل الأخ أبو محمد المقدسي، ورسائل الأخ أبو مصعب ومرافعتهما التاريخية أمام هيئة المحكمة، وكان الأخ أبو قتادة الفلسطيني، لا يفتأ يبشرنا بأن لنا اخوة جيدين، ينشطون في الأردن، وأن لهم مستقبلا واعدا على طريق الدعوة المباركة، فرحنا كثيراً عندما سمعنا عن اطلاق سراحهم أوائل عام 1999، ولم نفاجأ عندما وصلتنا معلومات أن الأخ أبو مصعب وبعض اخوته، قد وصلوا إلى باكستان.وأقول لم نفاجأ بهم، لان فكرة الانحياز إلى جماعة المسلمين المجاهدة ومناصرتها أينما كانت، هي واجب على كل من يفهم الإسلام وعقيدته فهماً سليماً" .

ثم يصل إلى الزرقاوي فيقول "كانت المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى ان أبو مصعب كان يقصد الذهاب إلى الشيشان، فقد كانت الساحة الإسلامية الأكثر سخونة، والأكثر توجهاً في ذلك الوقت، وإذا ما حاولنا تحليل هذه المعلومات، فهي تشير إلى ان الأخ أبو مصعب على درجة عالية من الوعي والصدق في توجهاته، فالذهاب إلى الشيشان يعني الاستعداد التام للتضحية والعطاء في سبيل ما يؤمن به ويدعو له، فالتغير المنشود في واقع الأمة لا يمكن تحقيقه بالأماني والتبشير والتنظير بحتمية النصر، والتمكين النظري فقط، وانما هو بحاجة إلى ممارسة فعلية عملية صادقة من قبل من ينظّر، فجماهير الأمة لم تعد بلهاء تركض خلف كل ناعق، وانما أصبحت من الوعي بحيث لا تقتنع إلا بما تلمسه واقعاً في حياتها، من هنا جاءت نظريتنا في القاعدة للتعامل مع جماهير الأمة والتي سأعود إليها بالشرح والتوضيح إن شاء الله، وحدث أن حصلت مع أبو مصعب ورفيقيه مشاكل مع الأمن الباكستاني تتعلق بأمور الإقامة، أدت الى توقيفهم، وتم الاتفاق على إطلاق سراحهم شرط مغادرة باكستان، لم يكن أمام أبو مصعب ورفيقيه إلا اختيار الدخول إلى أفغانستان .

فلسطينيو القاعدة

في هذا الجزء من شهادته التي نشرت في مواقع أصولية وصحيفة "الرأي العام" الكويتية، يقول سيف العدل "وصلتني أخبار عن وصول مجموعة من الأردنيين إلى قندهار، كنت مشغولاً بأمور تتعلق بعملي خارج المنطقة، وعدت إلى قندهار بعد وصول أبو مصعب بنحو أسبوعين، وبعد ذلك توجهت للقائه في بيت الضيافة المخصص لإقامة الضيوف والقادمين الجدد.

أبو مصعب وأبو محمد المقدسي لم يكونا بحاجة إلى تزكية مسبقة لدينا، فأخبارهما ووقائع المحاكمات العسكرية التي عقدت لهما في الأردن، وما طرحاه من أفكار علنية في هذه المحاكمات كانت كما أسلفنا، كفيلة بتزكيته وأبو قتادة وأحد مشايخ الجهاد الأردنيين كانوا أوصوا بهما خيراً.

ولا بد لي أن اذكر هنا أنني قمت بلقاء الأخ المسؤول لدينا عن متابعة أبو مصعب ورفيقيه، لأخذ صورة عما جرى بين الاخوة وبين أبي مصعب، وكانت النتيجة المحصلة تقول: ان أبو مصعب لديه أراء متشددة في بعض القضايا والأمور، لم يتم الاتفاق عليها بينه وبين الاخوة، هذا الأمر أثار حفيظتي، وفتح لدي باباً واسعاً من الذكريات الشخصية جعلتني أستعيد معظم المحطات المهمة في تاريخي وعلاقاتي، بعد أن هداني الله لفهم الإسلام السليم والصحيح في بداية الثمانينات.

هذه الذكريات أوجدت لدي تبريراً وعذراً مسبقاً لأبو مصعب قبل أن التقي به, وصلت إلى المكان الذي كان يقيم فيه أبو مصعب، بعد انتهاء صلاة العشاء، وكان برفقتي أحد الاخوة المصريين الذي تعود أصوله الى الجماعة الإسلامية في مصر، وهو من تلاميذ الشيخ عبد الآخر، والذي لم يكن على وفاق تام مع الاخوة الشيوخ، بسبب بعض الاجتهادات الحركية والعملية.

دخلنا المضافة، فوجدنا الأخ أبو مصعب ورفيقيه على الباب في استقبالنا، فقد كنت بعثت بخبر قدومي قبل ساعتين من ذلك، تعانقنا مع الاخوة وقدمنا لهم التهاني بالسلامة والفرج ودخلنا الى المضافة.

للوهلة الأولى تستنتج انك تجلس مع أشخاص عاديين جداً من حيث البساطة والتواضع، قمنا بالتعريف عن أنفسنا في شكل مبدئي، وبدأنا بالحديث, وجدت أنني اقف أمام رجل يتطابق معي في كثير من الصفات الشخصية، رجل صلب البنية لا يتقن فن الكلام كثيراً، يعبر عما يجول في نفسه وفكره بكلام مقتضب، لا يتنازل عن أي شيء مقتنع فيه، لا يهادن ولا يساوم، لديه هدف واضح يسعى الى تحقيقه، وهو اعادة الإسلام إلى واقع الحياة البشرية، ليست لديه تفاصيل كثيرة عن الطريقة والأسلوب والوسائل لذلك، سوى تحقيق التوحيد وفهم العقيدة السليمة وجهاد أعداء الأمة.
تجربته الشخصية في الحياة والعمل ليست واسعة، لكن طموحه كبير، وأهدافه واضحة، أسهبتُ في الاستفسار منه عن واقع الأردن وفلسطين, معلوماته عن الأردن كانت جيدة أما عن فلسطين فكانت ضعيفة بعد ذلك انتقلنا لموضوع النقاط الخلافية مع الاخوة، سمعنا منه ولم نناقشه في ذلك، فقد كان هدفنا كسبه إلى جانبنا ابتداء، استمرت جلستنا نحو خمس ساعات متواصــلة وسمعنا منه كل ما لديه، وتركناهم متواعدين على اللقاء بعد يومين.

وفي صبيحة اليوم التالي، كان لي ترتيب مسبق للاجتماع بالشيخين، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكان لدينا جدول أعمال متفق عليه للمناقشة وبعد الانتهاء من جدول الاجتماع، طرحت موضوع الأخ أبو مصعب للنقاش، حيث أن الأخوة كان لديهم تصور مسبق وواع للموضوع، فالنقاط الخلافية مع أبو مصعب لم تكن جديدة علينا ولم تكن وحيدة، فمئات الاخوة الذين يأتونا من مناطق متعددة من العالم كنا نختلف معهم في بعض الأمور والقضايا، وكل هذا كان مصدره الفهم المتعدد لبعض جوانب العقيدة في ما يتعلق بالولاء والبراءة، وما يترتب عليهما من مواضيع التكفير والإرجاء، والقضية الثانية هي أساليب العمل، والتعامل مع الواقع المعاش، كلٌ في محيطه وموطنه الأصلي، وكانت النقطة الأهم مع أبو مصعب هي الموقف من الحكم السعودي، وطريقة التعامل والتعاطي معه، في ظل الاحكام الشرعية المتعلقة بالكفر والإيمان، قمت بتقديم اقتراح للاخوة يقضي بتفويضي بالتعامل مع هذه الحالات،أي حالة أبو مصعب وما يشابهها، لأنه ليس من العدل فقهياً، ولا من الصحيح حركياً، ترك أو عدم التعاطي مع كل أخ أو مجموعة قد نختلف معها على جزئيات محدودة أو تفاصيل صغيرة.

المعلومات التي كانت لدينا تقول، أنه لا يوجد لـ "القاعدة" أو لفكرها في فلسطين والأردن، أنصار كثر، وكانت الخطة المتفق عليها بين الاخوة تعطي أهمية للتواجد والانتشار في الأردن وفلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قلب الأمة الجريح النابض، ومن يكن في عمله على تماس معها يكون قريباً من مشاعر الأمة, وضرب الإسرائيليين والقضاء على دولتهم مرتبط بالتغير والتحرير في واقع الأمة، ولا تغير ولا تحرير إذا لم تضعف إسرائيل ويقضى عليها, فالنظام الإقليمي المرسوم بالمنطقة يرتبط استمراره بوجود دولة إسرائيل وهو موجود لخدمة أهدافها وتمهيد الطريق أمامها للتوسع والانتشار، والارتباط بين النظام العربي القائم حالياً ووجود دولة إسرائيل هو ارتباط جدلي، والمتفق عليه لدينا في هذا الخصوص أنه لا تحرير من دون تغير ولا تغير إذا لم تضعف إسرائيل ولا ضعف لإسرائيل إذا لم تضعف الأنظمة العربية الخادمة لها من ناحية، وإذا لم ترفع حبال الدعم الغربي عنها وعن الأنظمة, لذلك فالنتيجة المنطقية تقول لابد لنا من أن نتواجد في كل مكان على هذه الأرض، فكيف نترك هذه الفرصة السانحة للتواجد في فلسطين والأردن، وكيف نضيع فرصة التعامل مع أبو مصعب واخوته وأمثاله من سائر البلدان الأخرى.
وأخيراً، وافق الاخوة بعد ساعتين من النقاش المتواصل على تفويضي في التعامل مع هذا الموضوع، مع توفير ما يلزم لذلك, حمدت ُالله سبحانه وتعالى على هذا التوفيق الذي كان يؤرقني منذ أكثر من عشر سنوات، فأنا كذلك لم أكن على وفاق مع الجميع، خصوصاً في النواحي العملية الإجرائية التكتيكية والاستراتيجية منها، فقد بدأت هذه المشكلة معي منذ اليوم الأول لاعتقالي في مصر في 6/5/1987 على قضية إعادة تشكيل تنظيم الجهاد، والإعداد لمحاولة قلب نظام الحكم، والتي سجلت بقضية الجهاد (401) والتي اعتقل في ظروفها ما يقارب من ستة آلاف اخ بقي منهم للمحكمة 417، وارتبطت القضية بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق حسن أبو باشا، والكاتب الصحافي مكرم محمد احمد, كنت حينها ضابطاً في القوات الخاصة المصرية برتبة مقدم، وكان معي من القوات الخاصة والحرس الخاص الأخ الرائد محمد البرم.

ويقول سيف العدل "وجدت أن الاخوة في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية لم يكونوا يمتلكون من الخبرات العملية ما يمكنهم من إحداث التغير المنشود، ويعود ذلك برأيي ورأي بعض الاخوة الى الحماس الزائد جداً، الذي يدفع إلى التسرع الشديد دائماً، والى التهور في بعض الأحيان، وكذلك إلى عدم امتلاك الخبرات اللازمة في العمل، وكذلك إلى عدم وجود خطة مسبقة على المدى القصير والبعيد، وعدم وجود رؤية لاستخدام طاقات الأمة وتفعيلها لأعلى المستوى البشري وليس المادي، فالتغير بحاجة إلى فكر وإنسان ومادة وقيادة مخلصة مجربة واعية، تمتلك رؤية وخطة تحدد من خلالها أهدافها ووسائلها، وتكون رايتها واضحة سليمة لا لبس فيها".

حالة الزرقاوي

ومازلنا مع شهادة سيف العدل التي يواصل فيها سرد ما حدث قائلاً "بعد أن أخذت موافقة الشيخين على تفويضي بالتعامل مع حالة الأخ أبو مصعب وأمثاله، قمت بالاتصال ببعض الاخوة الذين أثق بقدرتهم الفكرية والنظرية، وبتجربتهم العلمية الواسعة، وعقدنا اجتماعا طارئا وسريعا، ناقشنا فيه الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بقرارات مهمة، بعد أن استمر اجتماعنا نحو 9 ساعات، تخللها توقفنا لأداء الصلاة وتناول وجبة طعام، وأصبح لدي تصور واضح وكامل عن مشروع جديد وكبير، نجاحه المبدئي يرتبط بموافقة الأخ أبو مصعب، وتوجهت إلى الله تعالى بالدعاء الصادق في أن يوفقني في اقناع أبو مصعب ورفاقه بهذا المشروع الجزئي في أهميته بالنسبة للمشروع الإسلامي الكبير الذي نعمل لإنجاحه وإنجازه.

في اليوم التالي كان موعدنا مع الأخ أبو مصعب في الساعة التاسعة صباحاً، توجهت أنا والأخ المصري الذي أشرت إليه في المرة السابقة، واصطحبنا معنا أحد الاخوة المنحدرين من جزيرة العرب، وهو حجازي الأصل، ومن الذين كان لهم باعٌ طويل في قضايا الجهاد والعمل الإسلامي في ساحات متعددة، وكان على وفاق وتوافق معي في معظم القضايا.

لم ندخل هذه المرة الى المضافة وانما طلبنا من أبو مصعب أن يرافقنا منفرداً، صعد معنا الى السيارة، وتوجهنا إلى بيت الأخ الحجازي، وقمنا بتعريف أبو مصعب عليه، وشعرت أن ابو مصعب تقبله وانشرح صدره له.
بدأت أنا بالحديث، فقد كنت صاحب المشروع الذي يمتلك التصور الكامل عن جوانبه وأهدافه، النقطة الأساسية في المشروع، تستند إلى ضرورة إيجاد منطقة في أفغانستان، يتم فيها إنشاء معسكر بسيط للتدريب اليومي، بحيث يقوم أبو مصعب بالإشراف عليه، وتهدف إلى استقطاب أخوة من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان والعراق وتركيا، لأهمية هذه المناطق بالنسبة لنا، وبسبب تقديرنا أننا ضعفاء فيها.

أما النقطة الثانية والتي كنا ناقشناها مع بعض الخبراء من الاخوة، أن المنطقة التي سيتم اختيارها يجب أن تكون بعيدة عن تواجدنا الرئيسي من ناحية، وان تقع على الحدود الغربية لأفغانستان، والمحاذية لإيران، ويرجع ذلك إلى أن طريق الاخوة الآمن، كان اصبح عن طريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشديد علينا وعلى حركتنا، بحيث اصبح وصول الاخوة العرب والآخرين إلى أفغانستان عن طريق باكستان صعب جداً، في حين أن الاخوة كانوا يستخدمون طريق تركيا ـ إيران ـ أفغانستان بسهولة ويسر.

المدينة المناسبة التي تم اختيارها كانت هيرات، وهي اقرب مدينه أفغانية الى الحدود الإيرانية، وبذلك فهي بعيدة نوعاً ما عنا، والوصول إليها والخروج منها اكثر يسراً، أما ما يخص الإمكانات المادية، تكفل الأخ الحجازي وبعض رفاقه بتوفيرها بما يتناسب مع الحجم البشري الذي سيتواجد في هيرات، وكذلك بما يتناسب مع مقتضيات العمل.
إحدى النقاط التي طرحناها أننا لا نريد من ابو مصعب ومن يتواجد معه بيعة كاملة، وانما نريد تنسيقا وتعاونا لخدمة أهدافنا المشتركة, وأوضحنا له أننا على استعداد لتقديم التدريب الخاص والمتخصص لأي فرد أو مجموعة متميزة من طرفه، وتكفلنا ان نقوم بعملية التنسيق مع الاخوة في حركة طالبان حتى لا تكون هناك أي إعاقات شكلية قد تطرأ في المستقبل، طرحنا موضوع إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من اجل تسهيل عملية عبور الاخوة دخولاً وخروجاً، من والى أفغانستان.

كان الهدف من وراء هذا الطرح كله، التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي، وإيجاد فرصة لجمع الاخوة المخلصين، خصوصاً الذين لا تتفق وتتطابق أفكارهم مع أفكار القاعدة، من باب التكامل المرحلي، والتطابق في المستقبل القريب بإذن الله.

حاولنا أن نأخذ رداً سريعاً من أبو مصعب إلا انه قال: لدي مشاورة، فالأخ خالد العاروري والأخ عبد الهادي دغلس صحباني منذ بداية الطريق، ولهم الحق على بالمشورة والتناصح، واتفقنا على اللقاء بعد يومين، كان الموعد يوم الجمعة، وقد دعانا الأخ الحجازي على الغداء، وافق الجميع وأوصى أبو مصعب اصطحاب رفيقيه على الغداء، واتفقنا على ارسال سيارة لهم قبيل الصلاة، حتى نتمكن من الصلاة معاً.

فعلاً هذا ما حصل بعد يومين، قمنا بأداء صلاة الجمعة معاً، وتوجهنا الى بيت الأخ الحجازي، وكان الغداء عبارة عن كبسة عربية، وبدأنا بالحديث على الطعام، أخذ عبد الهادي بالاستفسار والاستيضاح عن بعض النقاط، واتضح من استفساراته أنه يتمتع بذكاء لا بأس به.

وفقنا الله سبحانه وتعالى بالإجابة عن كل الاستفسارات التي طرحت، وكانت النتيجة الموافقة التامة على المشروع من قبل أبو مصعب ورفيقيه، وتم الاتفاق على أن نباشر الإعداد من الغد.الخطة كانت تقضي أن يبدأ أبو مصعب ورفيقاه نوعاً خاصاً من التدريب لمدة 45 يوما، وفي الأثناء نتكفل نحن بالإعداد والتحضير في هيرات ومشهد على التوالي، وبدأ أبو مصعب بالاتصال برفاقه لحضهم على القدوم إليه.لاحظت أثناء التدريب أن أبو مصعب ورفيقيه، لديهم نهم شديد للتدريب، وكانوا يقسون على أنفسهم كثيراً، نحو الوصول إلى مستويات أعلى دائماً.

انتهت فترة التدريب سريعاً وبدأنا بالاستعداد للانتقال إلى هيرات، حسب الخطة، وقد وصلنا في هذه الأثناء اثنان من الاخوة السوريين، فقمنا بطرح فكرة هيرات عليهم، فوافقوا عليها من دون تردد، وانتقلنا إلى هيرات، فوجدنا الاخوة قد اختاروا لنا منطقة تقع على أطراف هيرات، وتحوي على معسكر قديم صغير الحجم، وقد زودوه بما يلزم ابتداء.
أقمنا معهم في هيرات أربعة أيام، شعرت في نهايتها، أننا أصبحنا وأبو مصعب ورفاقه الأردنيون والسوريون على توافق تام بالأفكار، واتفقنا على اللقاء الشهري دورياً، شهرا يحضرون إلينا، وشهرا نحضر نحن إليهم، وأبقينا لديهم ثلاث سيارات بيك آب، من السيارات التي رافقتنا في رحلتنا، ووعدناهم بسيارات أخرى إذا لزم الأمر، وقمنا بتوديعهم وعدنا راشدين.

تركنا أبو مصعب مع رفيقيه خالد وعبد الهادي والاخوة السوريين، ونحن على يقين وقناعة انهم سينجحون، بل سيتفوقون في مشروعهم هذا، فالجميع كان يمتلك عزيمة قادرة على هد الجبال، فحرقتهم وهمهم على الإسلام والمسلمين لم أشاهد لها نظيرا، عندما وصلنا الى مقرنا، قدمنا تقريراً مفصلاً للاخوة، وشعرت أن الإنجاز الحاصل حاز الرضا والقبول.

مر شهر كامل على عودتنا من هيرات، قمنا خلاله بإعداد ثلاث سيارات بيك آب، وحملناها بما يلزم من مواد نعتقد أن الاخوة هناك بحاجة إليها، وانطلقت أنا وخمسة من رفاقي العرب، بينهم الأخ الحجازي سالف الذكر، وصحبنا اثنين من الاخوة الأفغان، وصلنا الى هيرات بعد العصر، وكنا اخبرنا أبو مصعب عن موعد وصولنا، فوجدنا الاخوة بانتظارنا، وكانوا اعدوا لنا طعام الغداء، الملفت للإنتباه أن الطعام الذي قدم لنا احتوى على أصناف عديدة، وكان الطابع الشامي غالباً عليه، وكان متقن الصنعة ولذيذا، وكان يختلف عن الطعام الذي تناولناه في الأربعة أيام التي أقمناها في هيرات في الشهر الماضي، استفسرت عن الموضوع، فقيل لي أن عائلتين سوريتين، أصلهما من حلب، من الذين كانوا يقيمون في تركيا، وصلتا الى هيرات قبل خمسة أيام، وهم الذين قاموا بإعداد الطعام, كان هذا الخبر مفرحاً جداً بالنسبة لي لأنه يعني أن الفكرة بدأت تأخذ طريقها إلى النجاح، حمدت الله كثيراً على ذلك وانتقلنا للاستفسار عن الأحوال وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال الشهر الماضي، وما تم إنجازه بحيث كانت النتائج الحاصلة كما يلي:
1 ـ استطاع أبو مصعب ورفاقه تمتين العلاقة مع الاخوة المسؤولين في "طالبان" في المنطقة، ومن خلال هذه العلاقة، استعد الاخوة في "طالبان" وضع كل إمكاناتهم المتوافرة لخدمة المشروع والسعي الى انجازه.
2 ـ العدد الذي تركناه في هيرات كان خمسة أفراد، أبو مصعب ورفيقيه، والأخوين من سورية, وجدنا أن العائلتين السوريتين اللتين قدمتا الى هيرات، تتكونان من 31 فردا وهم رب الأسرة وثلاثة شباب فوق سن السادسة عشرة، وامرأتان، وست فتيات، وهذا يعني أن عدد العرب في هيرات اصبح 18 شخصا.
3 ـ وجدنا أن الأخ أبو مصعب، وبالتعاون مع الاخوة السوريين أعدوا برنامجاً عسكرياً وثقافياً تعبوياً، كان رائعاً في تقديري آنذاك، بحيث كان يركز البرنامج الثقافي على البناء العقائدي وعلى حفظ القرآن وعلى دراسة التاريخ والجغرافيا.
4 ـ إتضح لنا أن الأخ أبو مصعب ورفاقه اتفقوا على رسم هيكلية تنظيمية لمجتمع متكامل، في ظل توقعاتهم بأن المئات من الاخوة وعوائلهم ستلتحق بهم، وتصل إلى هيرات قريباً.
5 ـ علمنا أن الأخ أبو مصعب أرسل إشارة إلى اخوته في الأردن، يبشرهم فيها عن بدايات نجاحه في أفغانستان، ويطلب ممن يستطيع الهجرة إليها بان يهاجر، وأرسل في طلب عياله وعيال خالد وعبد الهادي، وكذلك فعل الاخوة السوريون، وهذا إن دل فإنما يدل على قناعتهم بنجاح المشروع وأهميته.
حمدنا الله على هذا التقدم الرائع، وتناقشنا في المستجدات، في ما يتعلق بزيادة الإمكانات وفي ما يتعلق بمحطة مشهد واسطنبول.
أمضينا لديهم ثلاثة أيام، شاركناهم فيها برنامجهم اليومي حيث كان الحماس والإخلاص غالباً عليهم، وودعناهم واتفقنا أن يحضروا إلى طرفنا بعد شهر، وعدنا إلى مقرنا مسرورين متفائلين، حتى أن الأخ الحجازي بدأ يفكر جدياً بالالتحاق بأبو مصعب ورفاقه في هيرات، وقمنا بإضافة المعلومات والنتائج الجديدة إلى ملف هيرات، الذي كنا فتحناه منذ ثلاثة شهور واطلعنا الاخوة المعنيين على المستجدات.

مشروع أبي مصعب

ويصل سيف العدل في شهادته الوثيقة إلى موعد لقائه بالشهري، قائلاً إن "أبا مصعب (الزرقاوي) والأخ السوري أبو الغادية، حضرا اللقاء وكانت هناك بشائر جديدة؛ العدد في المعسكر من العرب اصبح 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل، من ضمنهم عائلة أبو مصعب ورفيقاه، وكذلك انضمام ثلاث عائلات سوريه جديدة، إحداها قدمت من أوروبا.

وبدأ أبو مصعب يبشر بأنهم بدأوا ببناء مجتمع إسلامي مصغر، وان هناك اخوة أردنيين وفلسطينيين سوف يصلون قريباً إلى هيرات، وقال إن طريق إيران ـ أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة، هذه النقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة، وقد قمنا باستغلالها جيداً في المستقبل القريب، بحيث أخذنا نستعيض بها عن الطريق القديم المار بباكستان، خصوصاً في ما يتعلق بحركة الاخوة العرب، وهذه النقطة جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع بعض الخيرين في إيران، من اجل تمهيد وتسهيل الطريق اكثر، وللتنسيق في بعض الأمور المشتركة، ولقد تم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً، كان التنسيق مع أفراد مخلصين في توجهات عدائهم للأميركيين والإسرائيليين، ولم يكن التنسيق مع الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة لاحظت على أبو مصعب تطوراً مهماً في شخصيته، فعند لقائنا الأول قبل نحو أربعة شهور من هذا الوقت، لم يكن أبو مصعب مبادراً بالكلام، وكانت أفكاره واهتمامه بالأخبار السياسية العامة محدودة، وأما الان فقد اصبح مبادراً بالكلام، يهتم بكل الأمور تقريباً، يبادر الى فتح العلاقات العامة التي قد تنجح مشروعه، ولاحظت انه أصبح اكثر إقناعا وتأثيرا على من يقابله في الحديث، حتى أن لهجته أصبحت اقرب إلى الفصيحة منها إلى اللهجة الدارجة، هذه الأمور مجتمعة، كانت تشير الى معالم تكوين شخصية قيادية متميزة, رفيقه السوري كان رائعاً، ويمتلك خبرات واسعة جداً، ويتقن لغات عدة منها الإنكليزية والتركية والقليل من الكردية, وأما بالنسبة للاخوة السوريين الذين تعرفت عليهم في أفغانستان فقد كانوا من أروع وأخلص الاخوة الذين عرفتهم في حياتي، فقد كان للمعاناة التي مروا بها، وما زالوا يعيشونها، دور كبير في تشكيل شخصياتهم، فهم مؤدبون ويطيعون قادتهم، لديهم دوافع للتعلم وكسب الخبرة النظرية والعملية، لذلك فقد كانت درجة اطمئناني على مشروع أبو مصعب تزداد كلما علمت أن أعدادا جديدة من الاخوة التحقوا به.

بقي مشروع أبو مصعب يتقدم ويتنامى، من ناحية أعداد الاخوة الذين تقاطروا للحاق به في هيرات، وكانت جنسياتهم بدأت بالتنوع أكثر؛ فأصبح لديه سوريون وأردنيون وفلسطينيون وبعض اللبنانيين والعراقيين, واستطاع أن يبني علاقة مع تنظيم "أنصار الإسلام" الكردي، الذي كان ينتشر في شمال العراق، وكانت له قواعد وجود واضح فيه.
توالت الزيارات الدورية التي كنا نقوم بها لهيرات، وكنا في كل زيارة نلحظ الجديد والتطور على كل المستويات، التنظيمية والإدارية، وقدرات الشباب العسكرية،ومع وصولنا إلى بداية سنة 2001 كان أبو مصعب أصبح شخصا آخر، من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية التي اصبح يمتلكها، وانعكس كل هذا على نظرته للأمور، فقد أصبح يفكر في شكل أعمق من السابق في كل قضية تعترضه، وكذلك بدأ يفكر ويخطط للمستقبل في شكل استراتيجي، فقد بدأ يركز على بناء العلاقات مع كل الجنسيات والأعراق من الشباب العرب وغير العرب، الموجودين على الساحة الأفغانية، وبدأ يتجول في كل أفغانستان قاصدا الالتقاء بهم وسماع آخر أخبار مناطقهم الأصلية القادمين منها، ولذلك كان يبقي عبد الهادي دغلس في أغلب الحالات نائبا عنه في هيرات، ويتنقل بصحبة خالد العاروري وسليمان درويش أبو الغادية, وأستطيع القول ان مظاهر القيادة الشاملة بدأت تظهر جلية على شخصية أبو مصعب ومظاهرها كانت تتمحور في النقاط التالية:
1 ـ أصبح لديه همٌ عام على واقع الأمة الإسلامية بمجملها.
2 ـ التفاني والدقة ومحاولة الإنجاز السريع باتت احدى سماته.
3 ـ حب القراءة والاطلاع على كل شيء يدور في العالم أصبح من اهتماماته الدائمة.
4 ـ كان أبو مصعب معجبا بشخصية القائد الإسلامي الفذ نور الدين زنكي، الذي قاد عملية التحرير والتغير التي أكملها البطل صلاح الدين الأيوبي، ولذلك كان يسأل دائما عن أي كتاب متوافر عن نور الدين وتلميذه صلاح الدين، وأعتقد أن ما قرأه عن نور الدين وانطلاقه من الموصل في العراق، كان له دور كبير في التأثير على أبو مصعب، في اختيار الانتقال إلى العراق، بعد سقوط حكومة "الإمارة الإسلامية في أفغانستان".
5 ـ ازداد اهتمام أبو مصعب بالأفراد الذين حوله، وكان يتحدث معي دوما عن الأساليب التي تقوي الترابط الاجتماعي والنفسي بينهم، وأخذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زواجه ببنات أصحابه أبو بكر وعمر عائشة وحفصة مثلا يُحتذى، فقام بالزواج من بنت أحد أصحابه الفلسطينيين الذين التحقوا به من الأردن، وأخذ رفاق أبو مصعب يتزوجون ويزوجون بناتهم لبعضهم البعض، مع أن أعمار بعض الفتيات كانت صغيرا نوعا ما، إذا ما قارناها بأعمار أقرانهن السائدة في عالمنا العربي, استطاع أبو مصعب واخوته أن يصبحوا عائلة واحدة متماسكة ومتراحمة، من كل النواحي العقائدية والاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن المودة التي أصبحت تربطهم، باتت شبيهة بما كان عليه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعتقد أن هذا المثال الحديث والقريب، يجب أن يكون درسا صحيحا ومتجددا لكل العاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية الحديثة.
6 ـ بعد سنتين من العمل والبناء في هيرات، بدأ أبو مصعب يفكر في ارسال رفاقه الجيدين الذين يثق بهم إلى مناطق خارج أفغانستان، للعمل هناك في موضوع التجنيد وجمع الأموال، وكانت البداية على ما أذكر في اتجاه تركيا وألمانيا، لأن الاخوة السوريين الذين كانوا التحقوا به، كانت لهم امتدادات جيدة في هاتين المنطقتين.
7 ـ أبو مصعب كان من أكثر الاخوة الذين التقيت بهم غيرة على أعراض ودماء وسمعة المسلمين.
هذه هي بعض معالم شخصية الأخ أبو مصعب قبيل أحداث 11/9/2001

أهداف 11 سبتمبر
ومازلنا مع شهادة سيف العدل التي يقول فيها في تلك الفترة كنا في "القاعدة"، أكملنا العدة للقيام بالضربة الكبرى، وكانت أهدافنا المرجوة تتمحور في ثلاث نقاط وهي:
1ـ منذ قيام الولايات المتحدة واستقلالها عن التاج البريطاني، وعلي مدار أكثر من قرنين من الزمن في تاريخ البشرية، وهي تصول وتجول في كل أنحاء العالم، تظلم هذا الشعب وتعتدي على الآخر، وتسرق وتنهب مقدرات الأمم والشعوب، وقد يستغرب البعض إذا ما قلنا لهم أن الولايات المتحدة، وفي سنة 1817 كانت وجهت أساطيلها بهدف احتلال الجزائر، فتصدى لهذا الأسطول المجاهدون والبحارة العرب في البحر المتوسط، والذين كان الغرب حينها يطلق عليهم اسم القراصنة، واستطاعوا هزيمة الأسطول الأميركي شر هزيمة، بعد أن استمرت المعارك بين الطرفين الأميركي والاسلامي أكثر من ثلاثة شهور, كان هذا العدوان الأميركي بداية التنفيذ للخطة الاستعمارية، التي أقرت في مؤتمر الأمم الأوروبية الثاني، الذي عقد في فيينا سنة 1815. منذ تلك الفترة والولايات المتحدة تحاول جاهدة الاعتداء على أمتنا بهدف إذلالها، والسيطرة على مقدراتها وخيراتها، وكذلك على جميع المستضعفين والمقهورين من شعوب الأرض، فتراهم في القرن الماضي يحاولون إذلال الصين وكوريا وفيتنام، ويتآمرون على كل الشعوب في إفريقيا وأميركا الجنوبية، والهدف واضح، هو عدوان واضح غاشم، يقوم على دوافع وأسباب يغلفها التضليل والكذب دوماً، ولقد قاموا بإسقاط العديد من الدول والحكومات، وما جرى في يوغسلافيا ليس عنا ببعيد، واغتالوا الكثير من زعماء العالم المناهضين لهم، ولم يتركوا أدنى وسيلة أو أسلوب لتحقيق أهدافهم, ولم تتجرأ دولة ولا شعب في العالم أن يرد لهم الصاع في أرضهم، فبات كبرياؤهم وغرورهم وزهوهم بأنفسهم يشكل المعالم الأساسية في تركيبتهم النفسية، التي زادت من طغيانهم وظلمهم، حتي وصلوا إلى حد الاستهتار ببقية الأمم والشعوب.
فكان الهدف الأول لنا ضرب رأس الأفعى في عقر دارها من اجل تحطيم كبريائهم وسحق غرورهم وتنفيس زهوهم وخيلائهم, وقد تحقق هذا الهدف جزئياً والحمد لله، ولو قدر للضربات الأخرى أن تنجح نجاح ضربات البرجين، لكان العالم أحس بالانقلاب المفاجئ السريع والله اعلم.
2 ـ كان الهدف الثاني لهذه الضربة، اظهار قيادة جديده خيرة لهذا العالم المسحوق تحت أقدام التحالف الصهيوني الإنغلوسكسوني البروتستانتي, فحسب رؤيتنا نقول ان المسلمين المخلصين هم الوحيدون الذين يمتلكون المؤهلات المطلوبة لقيادة هذه البشرية، وإخراجها من غياهب الظلم والقهر والتعسف، والعدوان الذي يقع عليها من قبل هذا التحالف الملعون، فعندما ترى امتنا ويرى المستضعفون في الأرض أن هناك من البشر من لا يخشى هذا التحالف الشيطاني الشرير، وان هؤلاء القادمين الجدد يمتلكون خطة محكمة ومدروسة لتغيير معالم هذه الحياة البائسة التي يعيشها مستضعفو الأرض, عندها، فإن هؤلاء القادمين الجدد سيصبحون القيادة الخيرة لهذا العالم، والتي ستتصدي لقوى الشر والظلم والعدوان، والقاعدة والسنة الربانية التي تحكم الصراع هي "قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا", وانه عندما يقوم الحق وينبري لصراع الباطل، فإن الحق منتصر لا محالة، طال الوقت أم قصر، وشعارنا الذي نتمثله في هذا الأمر هو قول ربعي بن عامر، عندما قابل قائد الفرس رستم قبيل معركة القادسية، فعندما سأله رستم لماذا أتيتم يا ربعي أجابه: ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
إذ الحر الكريم لا يرضى الضيم والظلم لنفسه ولا لأهله ولا للإنسانية جمعاء، فكيف نسكت على هذا الظلم الصارخ، وعلى هذا الاستهتار الفاضح بكل قيم الإنسانية وميراثها الخير الذي دنسه شذاذ الآفاق هؤلاء.
إذا كان هدفنا إبراز قيادة إسلامية صادقة مخلصة خيرة، تهدف الى جمع طاقات الأمة واستنهاض هممها، وتأليب كل المستضعفين المخدوعين في هذا العالم على هذا الشيطان الأخطبوط المتمثل في هذا التحالف الشرير، قيادة تقول ما تعتقد وتفعل ما تقول لا تخشى في الله لومة لائم، ولا يردها عن الوصول الى أهدافها إلا قضاء الله وقدره وقد تحقق ذلك والحمد لله.
3 ـ أما هدفنا الأخير من هذه الضربات الموجعة الموجهة إلى رأس الأفعى، فهو دفعها للخروج من جحرها ليسهل علينا تسديد الضربات المتوالية لها، والتي تساعد في اضعافها وتمزيقها، وتعطينا بالتالي مصداقية اكثر لدى امتنا وشعوب الأرض المستضعفة, فالإنسان الذي يتلقى ضربات مؤلمة على رأسه، من عدو غير مكشوف وغير واضح المعالم، تكون ردود أفعاله متخبطة وعشوائية وغير مركزة، تجبره على القيام بأعمال غير مدروسة، قد توقعه في أخطاء خطيرة، وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان، وهذا ما حدث فعلاً، فكانت ردة الفعل الأولى غزو أفغانستان، والثانية غزو العراق, وقد تتوالى الأخطاء وتكون هناك ردود أفعال أخرى غير مدروسة إن شاء الله.
ردود الأفعال هذه، جعلت الأميركان وحلفاءهم، يوجهون إلى امتنا النائمة منذ نحو قرنين، ضربات قوية إلى الرأس وأجزاء مهمة في الجسد، هذه الضربات ستساعد بإذن الله على جعل هذه الأمة تصحو، وتفيق من غفلتها، ويا ويل الأميركان والإنكليز ومن والاهم، عندما تصحو امتنا.
إذا كان هدفنا إخراج الأميركان من جحرهم، وجعلهم يقومون بضربات قوية يوجهونها لجسد الأمة الغائب عن الوجود، لأنه دون هذه الضربات، لا أمل في الإفاقة والصحوة، فسلاحنا الذي سننتصر به على الأعداء، هو جماهير الأمة جمعاء، بكل طاقتهم وإمكاناتهم المادية والمعنوية.
إذا أصبحت لنا قيادة واعية ومخلصة ولديها خطة مدروسة لا مجال هنا للخوض في تفاصيلها، وكذلك الأمة النائمة، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإفاقة والصحوة، وقد أكل الأميركان وحلفاؤهم وأذنابهم المقلب .

الزرقاوي وغزوة أميركا
يؤكد سيف العدل أن أبا مصعب الزرقاوي لم يكن مطلعاً على الضربة قبل وقوعها، ولا على أهدافها، لذلك قمنا بشرح الأهداف جيداً له، وأطلعناه على بعض التفاصيل المهمة للأهداف المرحلية المقبلة، مع عرض احتمالات الرد الأميركي المتوقع، وكانت تقديراتنا أن الضربة لم تنجح إلا بتحقيق 20 في المئة مما كنا خططنا له، هذا النجاح كان كفيلاً بأن يقوم الأميركان بالرد المطلوب وحصل ما حصل.
في الشهرين اللذين تليا الضربة، من توجيه التهديد والوعيد بالقضاء المبرم على "القاعدة" واتباعها في كل مكان، والتبشير باجتثاث الإسلام المجاهد وملاحقته في كل مكان، بدأ الأميركان يتخبطون بالأقوال والأفعال، وأخذ اتباعهم وحلفاؤهم وأذنابهم بمجاراتهم بكل ما يقولون ويفعلون، وحصل ما كنا نتمناه ونخطط له، وتتوج ذلك بإعلان بوش الصغير حربه الصليبية على الإسلام والمسلمين في كل مكان .
وهنا يقول سيف العدل إن "هذه الحرب التي كانت قائمة ودائرة منذ زمن بعيد، والتي لم تنته بانتهاء الحرب الصليبية الأولي في زمن صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد، أخذت مجالات وأبعادا كثيرة، وكان لجهل بوش وزبانيته بمعنى هذا المصطلح وأهميته بالنسبة لنا، نصر كبير انتزعناه من أفواههم على حمق وغفلة منهم " .
نعود إلى أبو مصعب، فقد بدأ بالوجود في قندهار برفقتنا اكثر من وجوده في هيرات، واكتسب الكثير من الدروس التي كان لها دور في تكوين صورة شاملة عن مجمل الصراع الدائر في العالم، بين الحق والباطل؛ الحق الذي يتمثل في اتباع الرسل وأصحاب الرسالات السماوية الصحيحة، والباطل الذي يتمثل في اتباع الشياطين والرسائل السماوية المحرفة والمقولبة على رغبات بعض البشر، يخدم أطماعهم ومصالحهم الشخصية حتى ولو كانت هذه المصالح على حساب المعدمين والمسحوقين والمحرومين من بقية البشر.
بدأ الهجوم الأميركي في نهاية 2001، عاد أبو مصعب إلى هيرات ليكون على مقربة من إخوانه وجماعته، لم تكن لدينا خطة واضحة ومدروسة للمواجهة، منطقة هيرات كانت بها نسبة مهمة من الشيعة، تم قصف معسكرات طالبان وتجمعات قواتهم ومخازن أسلحتهم بعنف، وتحرك المخالفون والشيعة في المنطقة بسرعة وسيطروا على المنطقة، ولم يكن أمام شباب "القاعدة" و"طالبان" وجماعة أبو مصعب إلا الانسحاب السريع، والانضمام إلينا في مناطق الشرق من أفغانستان, حدث وقبل خروج أبو مصعب وإخوانه من هيرات، أن وقعت مجموعة من رفاقهم في اسر قوات الشيعة والمخالفين، وكانت عملية إطلاق سراحهم وإنقاذهم شبه مستحيلة، أصر أبو مصعب ـ حسب ما روى لي ـ على تخليصهم من الأسر، وجمع نحو 25 مقاتلاً من جماعته، وصلى بهم ركعتين صلاة الحاجة، وقام بمهاجمة المنطقة التي احتجز فيها رفاقه، وكان الهجوم مباغتاً مما اربك المدافعين، الهجوم كان عنيفاً، لأنه كان هجوم المستميت الذي لا يرى حلاً غير إنقاذ اخوته، أو الموت دون ذلك.
النتيجة كانت فرار المدافعين، وإنقاذ جميع الاخوة من دون أدنى خسارة، هذه الحادثة تدل على مدى النجاح الذي تحقق في معسكر أبو مصعب على مدى سنتين، والذي خرّج رجالاً متحابين متفانين في الدفاع عن مبادئهم ورفاقهم، حتى لو عرضوا أنفسهم للمخاطر, بعد أن قام أبو مصعب واخوانه بتحرير رفاقهم، اخذوا يستعدون للخروج من هيرات فخرجوا بقافلة مكونة من نحو 135 سيارة، كانت تجمع بينهم وبين الاخوة العرب من القاعدة في المنطقة وكذلك ما تبقى من الاخوة الطلبة.
الطريق كان طويلاً إلى قندهار، والطيران كان يحلق ويحوم في كل أجواء أفغانستان، إلا انه وبحمد الله وصلت القافلة سالمة الى قندهار، كان قرارنا في البداية ان لا بد من الدفاع عن قندهار مهما كانت النتائج، بدأنا تأمين نساء الاخوة العرب وأطفالهم، بإرسالهم الى باكستان, وأخذنا بالاستعداد للمواجهة.
وفي أحد الأيام كان هناك اجتماع مع بعض الاخوة المهمين، وكان أبو مصعب من بينهم، قام أحد الاخوة باستخدام هاتفه الثريا الذي كان يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، غادرنا مكان الاجتماع أنا وثلاثة من الاخوة, بعد استخدام الأخ لهاتفه بدقائق وبعد عشرة دقائق من مغادرتنا، قامت طائرة أميركية بقصف البيت الذي كنا فيه، وكان أبو مصعب وبعض الاخوة ما زالوا فيه, القصف أسفر عن انهيار سقف المنزل، ولم يقتل أحد من الاخوة، لكن البعض أصيب بكسور، وكان منهم أبو مصعب، حيث كسر له بعض الأضلاع في صدره، وأصيب ببعض الكدمات والرضوض نتيجة انهيار السقف.
بدأ الهجوم على قندهار, وكان هناك قرار جديد من القيادة بضرورة الانسحاب إلى الجبال وإخلاء الجرحى إلى مناطق آمنة وغير مستهدفة، كان المطلوب من أبو مصعب الخروج إلى باكستان، كونه كان من المصابين، إلا انه أبى إلا الالتحاق بنا والاستمرار بالمشاركة في المعركة.
الأميركان كانوا يخشون المواجهة المباشرة، ولذلك كانوا يعتمدون على قصف الطيران، وكانوا يستخدمون قوات الشمال من المنافقين والمخالفين في التقدم البري، ومما سلف نستطيع القول أن أبو مصعب ما كان له أن يهرب ولا أن يبتعد عن المواجهة، حتى ولو كان لديه عذر شرعي يستدعي ذلك.
المواجهة لم تكن متكافئة ولم تكن مباشرة وأهداف الهجوم الأميركي كان يتمحور بالنقاط التالية:
1 ـ اسقاط الإمارة الإسلامية في أفغانستان، والقضاء على احتمالية عودتها أو تجديدها في أي مرحلة قادمة، فهي التي وفرت الظروف والأرض والمكان الآمن لـ "القاعدة"، ولا عودة للسماح بذلك من جديد, فهذه الإمارة لو استمرت سوف تكون البداية لدولة الخلافة الإسلامية المنشودة من قبل كل المسلمين في العالم.
2 ـ القضاء على "القاعدة" وقيادتها وجعلها عبرة لكل من يعتبر عبر القادم من التاريخ، فمن يتجرأ على المساس بهذا الفيل العملاق (الولايات المتحدة)، يجب أن يلقى جزاءه، والجزاء يجب أن يكون الاجتثاث الكامل والمبرم.
كان هذا التحدي من اكبر التحديات التي واجهتنا في عملنا منذ البداية، وكان لا بد من استجابة واعية تصل إلى مستوى التحدي المفروض، فكان قرار القيادة الجريء بضرورة تفكيك الإمارة والاندماج والانخراط بالواقع الأفغاني من جديد، والعمل على العودة خلال سبع سنوات ضمن خطة محكمة ومدروسة، من خلال هزيمة الأميركان واتباعهم وأعوانهم من الخونة والمنافقين.
وقد بدأنا بتنفيذ الخطة فوراً، وبناءً على ذلك كان لا مجال لنا في القاعدة من الاستمرار في الوجود العلني السابق والاستمرار بالعمل بنفس الأنماط السابقة، فكان لا بد من الانفتاح المنظم من جديد، في كل المناطق التي نستطيع الوصول إليها في هذا العالم.

وفي الحلقة الثالثة والأخيرة يروي سيف العدل قصته في إيران

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف