أخبار خاصة

برمنغهام ... روائح العرب تطفو إلى السطح!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مدينة ملتحية في النهار وسافرة في الليل:
برمنغهام ... روائح العرب تطفو إلى السطح!

سلطان القحطاني من برمنغهام: في برمنغهام، التي تعد ثاني المدن البريطانية من حيث المساحة، تفوح رائحة رمضان، الشهر الروحاني بالنسبة للمسلمين، بشكل يزكم الأنوف ويبدو أكثر طغياناً على مشهدها العام، على اعتبار أنها المدينة التي تحتضن أكبر عدد من الجالية المسلمة في أنحاء أوروبا، واشتهرت بأن مساجدها شهدت بدء التحضيرات الأولى لتفجيرات 7/7 التي استهدفت شبكة مترو الأنفاق وحافلات في لندن العام الماضي. وفي احدى أركان المدينة وجوار أحد شرايينها الحيوية ينتصب واحد من أكبر مساجدها هو مسجد "القرآن" أول المرافق الدينية التي بنيت هنا منذ أكثر من نصف قرن على يد أحد المهاجرين الباكستانيين الذين أتوا إلى بريطانيا في الخمسينات من القرن الفائت، وأعيد ترميمه أكثر من مرة ليكون بهذا البناء ذو الطراز الحديث بعد أن تم شراء الأرض التي ينتصب عليها إثر جمع تبرعات من الجالية الإسلامية في كامل أنحاء المملكة المتحدة.

ويقول عبد الخالق أرباب الذي يحمل الجنسية البريطانية ويبدو في الثلاثينات من عمره أن والده كان مداوماً على الترحال في سائر أنحاء بريطانيا حتى أكمل جمع التبرعات لبناء المسجد في هذه الرقعة التي لا تبدو بعيدةً عن أحياء الجالية الإسلامية المهاجرة إلى بريطانيا منذ أوائل القرن الفائت. ويضيف وهو يشير إلى المسجد ذي المرفقات الكبيرة: " لقد كان أول مسجد بني في المدينة ... لكنه لم يكن هكذا.. كان أكثر تواضعاً".

وأيّان تجولت في المدينة ذات الأبنية الأنيقة، باستثناء الأحياء التي تسكنها الجالية العربية، فإن الرائحة الرمضانية تزكم الأنوف بشكل لا يمكن تجاهله، إذ تبدأ المحلات ضبط ساعاتها على توقيت الإفطار، وتطغو أصوات الآيات القرآنية على ما عداها من الأغاني والمعزوفات الموسيقية، إضافة ًإلى أن النسوة هنا ينتقلن تدريجياً إلى اللباس الأسود الذي يسمى بالعباءة على الطراز الإسلامي.

ويحضن المسجد موائد يومية مجانية تقدمها مطاعم يملكها مسلمون ينتمي أغلبهم إلى الجنسية الباكستانية، تفترش أرضية غرفة كبيرة الحجم نسبياً تستخدم في الأوقات المعتادة لتدريس القرآن والأحاديث للعامة، إضافة إلى أنها تحتوي مكتبة كبيرة تحوي كتباً باللغة العربية والأردية، في حين أن المساجد العربية لا تتميز بهذه "الخدمات المجانية" بل بقذارتها كما يصفها السكان، لدرجة أن الرمضانيين العرب يضطرون سنوياً للإغارة على المساجد الباكستانية بغية الحصول على الأكل النظيف.

ولكن لماذا الأحياء العربية هنا أكثر قذارة من سواها؟ . يقول لي سيد أكبر خان، وهو أحد سائقي التاكسي، أن هذا الأمر محير دون استطاعته تفسيره حتى الآن. ويقول بلغة إنكليزية غير متقنة أن الكثير من السكان العرب يسكنون هنا في حين أنهم يشتمون المدينة وسكانها والدولة كذلك، مشيراً إلى أن بعضاً منهم لا يتركون بناتهم يذهبن إلى المدرسة. ويضيف بعد أن يتضجر من حركة السير الخانقة: " إذا لم يحبوا العيش هنا فليرحلوا".

وينتمي أغلب سكان المدينة من الجالية الإسلامية إلى حزب التحرير الإسلامي الذي يطالب بعودة الخلافة التي انتهت بعد سقوط الدولة العثمانية آخر الإمبراطوريات الحاملة لختم "الأممية الإسلامية". ومفهوم الخلافة بدأ أعقاب وفاة النبي محمد الذي أُسس على يد أحد أقرب صحابته بالنسبة إليه أبو بكر الصديق.

وفي أحايين كثيرة لا تهدأ أبواق سيارات الشرطة نتيجة لحملات التفتيش التي تنفذها الشرطة البريطانية بحثاً عن مشتبه بهم على خلفية إحباط أكبر مذبحة جوية كانت ستشهدها بريطانيا حين تم الكشف عن مخطط لتفجير عدة طائرات متوجهة إلى أميركا.

وسبق أن شهدت المدينة أكبر عملية إخلاء سكاني في تاريخ بريطانيا إذ أجلت الشرطة نحو 20 ألف شخص من وسط المدينة قبل عدة أشهر في محاولة التحقق من تهديد إرهابي.

ومع ذلك فإن المدينة لا تبدو "مدينة ملتحية" إلى حد كبير، إذ إنه بوسعك حين يأتي الليل أن تشاهد الشارع البرمنغهامي الذي لا ينام: "برود ستريت" الذي تتوزع على ضفتيه الحانات والملاهي الليلية التي تسهر حتى مطلع الفجر.

هناك تعرف أنك ما زلت في بريطانيا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف