الذكرى 16 لإخراج عون من قصر بعبدا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: تحل اليوم الذكرى السادسة عشرة للإطاحة بالجنرال ميشال عون وإخراجه عنوة من القصر الجمهوري في بعبدا ذات 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1990 تحت وطأة قصف جوي وبري سوري كثيف وتقدم لوحدات عسكرية سورية لبنانية كان على رأسها الجنرال إميل لحود الذي عينته قائداً للجيش آنذاك حكومة الرئيس سليم الحص الأولى في عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، وفي المناسبة يقام عند السادسة مساء اليوم الجمعة احتفال ديني في إنطلياس تكريماً لضحايا تلك المعركة العسكريين والمدنيين ينظمه "المكتب المركزي للتنسيق الوطني" الذي كان ينظم أواخر التسعينات الحركة الشعبية المؤيدة للجنرال عون ، والمعارض حالياً لسياسات الجنرال وتحالفاته بدءأ من تحالفه مع "حزب الله" الموالي لإيران وسورية، في نظر المعترضين، إلى الأحزاب والشخصيات السياسية التي لا تزال شديدة الإلتصاق بالنظام الحاكم في دمشق في ما يشبه "انقلاباً على الذات والمبادىء". في المقابل ينظم أنصار عون وحلفاؤه احتفالاً خطابياً في الذكرى نفسها على "إستاد ميشال المر" الذي يمتد على مساحة 30 ألف متر مربع في الدورة الأحد المقبل ( كانت "إيلاف" أول من كتب عن قرب وقوع انشقاق في "التيار العوني" الأمر الذي أثار استياء مسؤولين في ذلك التيار حينها).
ويتحدث منظمو المهرجان العوني عن ربع مليون مشارك سيحضرون الأحد، لكن مسألة الأعداد في المناسبات السياسية في لبنان فيها نظر. ولو أُخذ بالأعداد التي يطرحها منظمو كل مهرجان لوجب أن يتجاوز عدد سكان لبنان أضعاف عددهم الفعلي.
16 عاماً إلى الوراء
ولعلّ تقريراً أصدرته اليوم "النشرة" وهي وكالة متخصصة توزع على عدد محصور من النخبة عن حال المسيحيين السياسي في لبنان يلقي أضواء كاشفة على الأوضاع المحيطة بمناسبة 13 تشرين الأول/ أكتوبر ، الأليمة لكثيرين:
" دار الوضع المسيحي دورة كاملة حول نفسه ليعود الى الحال التي كان فيها مطلع التسعينات وبداية "مرحلة الطائف":
انقسام سياسي حاد وتنازع بين مركزي استقطاب رئيسيين: العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. تعذر الاتفاق بينهما لينخفض سقف الطموحات الى حدود "تنظيم الخلاف" ... خروج الوضع عن سيطرة المرجعية المارونية الدينية في بكركي... مناقشات وانقسامات في النخب الفكرية والسياسية حول خيارات المرحلة ذات الطبيعة المفصلية أمس واليوم.
مما لا شك فيه ان القيادات المسيحية تتحمّل مسؤولية في ما أصاب وضع هذه الطائفة من وهن وضعف، وان المسيحيين دفعوا ولا يزالون ثمن صراعاتهم وخلافاتهم التي أدت الى تشتيت صفوفهم وطاقاتهم وأتاحت قبل ١٥ عاما الدخول العسكري والسياسي السوري الى ما كان يعرف ب "المناطق الشرقية" وحرف اتفاق الطائف عن مساره الأصيل والاخلال بالتوازن الوطني في بعديه السياسي والطائفي، وابعاد القيادات الى المنفى الخارجي او السجن الداخلي و "تصحير" الحياة السياسية، ومصادرة الحريات، الخ... مما تسبب في حال احباط عامة وموجة "هجرة واسعة" هي الموجة الثالثة بعد موجتين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، مع فارق ان موجة التسعينات غلبت عليها الأسباب السياسية بينما كانت الحرب والوضع الاقتصادي سببين مباشرين للهجرة سابقا.
وجد البطريرك الماروني نصرالله صفير نفسه أمام مهمة تاريخية شاقة. كان عليه بادىء الأمر ان يملأ الفراغ الناجم عن غياب القيادات والزعامات السياسية وان يعيد صياغة الوضع المسيحي "المبعثر" ويمسك بناصية الموقف الوطني ... نقطة التحوّل كانت عام ٢٠٠٠ مع صدور البيان الأول الشهير عن مجلس المطارنة الموارنة الذي فتح ملف الوجود العسكري السوري في لبنان من منطلق ان الانسحاب الاسرائيلي ذلك العام أطلق العد العكسي للانسحاب السوري. بعد هذا " البيان النداء" الذي كان بمثابة الطلقة الأولى في" انتفاضة الاستقلال" لاحقا، عرفت الساحة المسيحية تجربة سياسية فريدة تمثلت في قيام "لقاء قرنة شهوان" الذي ضم كوكبة من الشخصيات السياسية تحت مظلة بكركي ورعايتها. وكان اللقاء بمثابة مكتب سياسي لبكركي ونجح في تعبئة الفراغ وفي تأدية دور "بدل من ضائع"، الى ان وقعت الأحداث والتحوّلات الكبرى عام ألفين وخمسة.
في موازاة الانسحاب العسكري السوري وبعده، عاد عون وجعجع الى المسرح السياسي وانحسر تلقائيا دور بكركي وحضورها السياسي، وانهارت تجربة "قرنة شهوان" تحت وطأة الانتخابات النيابية وما رافقها من ظروف وملابسات و "تحالف رباعي" ( ضم "حزب الله" وتيار "المستقبل" وحركة "أمل" والحزب التقدمي الإشتراكي) من خارج اطار ١٤ آذار/مارس وعلى أساس قانون عام ٢٠٠٠ ، ومن دون اقرار قانون العفو العام الذي أخرج جعجع بموجبه لاحقاً من السجن.
وفي ظل مناخ مسيحي من الذهول والصدمة حيال استمرار النهج الذي كان متبعا في زمن الوصاية السورية وما حمل من تهميش لدور المسيحيين وانتقاص من حقوقهم وتمثيلهم والحد من مشاركتهم في الحكم والمؤسسات، حصل رد فعل مسيحي عارم أفاد منه الجنرال عون الذي كرست الانتخابات زعامته المسيحية باعتراف من البطريرك صفير، فيما كان" لقاء قرنة شهوان" في أبرز رموزه من "ضحايا" رد الفعل هذا. وحصل هذا التبدل في المشهد السياسي في وقت كان الدكتور جعجع في السجن ولم تتح له فرصة خوض الانتخابات والتحكم في مجرياتها.
رغم ان عون خرج من الانتخابات وفي حوزته ثاني أكبر كتلة نيابية بعد كتلة" المستقبل"، ظل خارج الحكومة التي عكست نتائج الانتخابات وتحالفها الرباعي. الانتخابات والحكومة أعلنتا خروج عون من تحالف "قوى ١٤ آذار/مارس" ووقوعه في شبه عزلة سياسية، ولكن لم يتأخر الوقت حتى حدث تبدل جديد في المشهد السياسي وخلط أوراق.
ففي ٦ شباط/ فبراير الماضي أعلن "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ورقة تفاقم بينهما من كنيسة مار مخايل في الشياح . هذا "التفاهم" الذي أعلن نهاية " التحالف الرباعي" اعتُبر مقدمة من مقدمات ثنائية شيعية - مارونية وكسر عزلة الجنرال على المستوى السياسي وعزلة الشيعة على المستوى الوطني (الطائفي) بعدما صوّرت أحداث عام ٢٠٠٥ كل الطوائف في مكان والطائفة الشيعية في مكان آخر.
14شباط/ فبراير التأمت قيادات "قوى١٤ آذار/ مارس" في ساحة الشهداء في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، تتشابك أيدي سعد الحريري ووليد جنبلاط وسميرجعجع ويقول كل منهم آلمته. كان هذا أول مؤشر الى ان جعجع هو المرتكز المسيحي الأقوى في تحالف ١٤ آذار/مارس الذي سماه بعضهم منذ ذلك اليوم ب "تحالف ١٤ شباط/فبراير"، أو بكلمة أخرى تكرس جعجع زعيما ل "مسيحيي ١٤ آذار/مارس" ليستقر هذ التحالف على "سيبة ثلاثية" قوامها الحريري - جنبلاط - جعجع.
ومن مؤتمر الحوار الذي تعثر عند موضوع رئاسة الجمهورية الى حرب تموز/ يوليو ( بين إسرائيل و"حزب الله") التي أطاحت الحوار وسلطت الضوء على "سلاح حزب الله"، مسافة زمنية قصيرة ولكنها حافلة بالمتغيّرات الكبيرة التي كان منها اتساع الشرخ السياسي بين المسيحيين بالتلازم مع اتساع الهوة وقيام فرز حاد في كل لبنان. وفي ظل محورين كبيرين: محور الأكثرية بزعامةتيار " المستقبل" ، ومحور الأقلية ونواته "حزب الله" -" التيار الوطني الحر"، تكرس الافتراق والانشطار السياسي على الساحة المسيحية بين تيارين واتجاهين على وقع جدل سياسي يدور في الكواليس والدوائر المقفلة ولا يتسرّب منه الا القلي، ولكنه قليل يكفي لمعرفة حجم الخلاف الذي هو أعمق وأكثر حدة من الخلاف الذي حصل حول "اتفاق الطائف" .
الأولويات... والكرسي
وكشف الجدل في الأروقة المسيحية خلافا على الأولويات: هناك من لا يزال يعطي أولوية ل "معركة السيادة" التي لم تنته فصولا بعد ما دامت العودة السورية الى لبنان لا تزال ممكنة في شكل أو آخر عبر نفوذ سياسي أو أمني، وما دامت هناك فرصة دولية نادرة متاحة للبنان يجب التقاطها وملاقاتها والتفاعل ايجابا معها... وهناك من يعطي أولوية ل "معركة المشاركة والتوازن" بعدما أصبحت "سورية في سورية" وباتت العودة السورية تستخدم "فزاعة" وبعدما استمر، رغم الخروج السوري، الخلل في التوازن ونهج الهيمنة والاستئثار...
هناك من يرى ان الخلل في التوازن ناجم عن غياب رئاسة الجمهورية والعزلة التي تعانيها، وبالتالي فإن الخطوة الأولى لتصحيح الوضع تكون في انتخاب رئيس جديد ... وهناك من يرى ان الخلل يكمن في مجلس الوزراء، مركز القرار وصاحب السلطة التنفيذية، وان التصحيح يبدأ من تغيير حكومي يعيد صياغة الأحجام والتوازنات، ولاحقا "قانون جديد للانتخابات" يتيح التمثيل الشعبي الصحيح والمتوازن...
هناك من يرى خطورة محدقة بمشروع الدولة ما دامت "دولة حزب الله" مستمرة وظل محتفظا بسلاحه، وما دام "حزب الله" باقياً امتدادا محليا لمحور اقليمي يبدأ بطهران ويمر في دمشق وغزة ... وهناك من يحدد مصدر الخطر في عدم قيام الدولة المتوازنة والعادلة والضامنة لحقوق ومصالح وأوضاع الطوائف والجماعات مادام النهج الأكثري معتمدا على حساب النهج التوافقي، وما دامت الأكثرية على ارتباط بمشاريع ووصايات بديلة.
هناك من يرى ان تحالف الجنرال عون- السيد حسن نصرالله يساهم في ربط لبنان بالمحور السوري الايراني، وهناك من يرى ان هذا "التفاهم" يشكل عامل استقرار داخلي وحماية للمسيحيين ويحوّل الانقسام اللبناني من طائفي الى سياسي... وهناك من يرى ان "الشيعية السياسية المسلحة" هي المشكلة اليوم، وهناك من يرى ان "السنية السياسية
المهيمنة" هي المشكلة... والاختلاف يكاد يغطي كل المساحة السياسية الى حد ان المساحة المشتركة تتقلص وتتلاشى الى حدها الأدنى، والصراع سيشتد كلما اقترب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي هو العنوان الحقيقي لمعركة الحكومة، وتتخلله عروض قوة في معركة اعادة تحديد الأحجام والأوزان السياسية.
قبل أسابيع أحيا حزب " القوات اللبنانية" ذكرى شهدائها في مهرجان حاشد وتحت رعاية بكركي... ويوم الأحد سيكون ل "التيار الوطني الحر" مهرجانه. وما بين المهرجانين كان بيان مجلس الأساقفة الموارنة الذي فهم منه عدم تحبيذ المطالبة ب" حكومة الوحدة الوطنية" والتشكيك بأهدافها وخلفياتها.
في تقديرات اوساط "التيار" ان مهرجان ١٥ تشرين الأول/أكتوبر في ساحل المتن الشمالي سيحضره الآلاف وسيكون حجم المشاركة فيه "مفاجئا ويفوق التوقعات"، وسيشكل "ردا بليغا على كل ما يقال عن تراجع في شعبية الجنرال وعن نزوح سياسي مسيحي من ضفة الى أخرى، كما سيكون بمثابة استفتاء شعبي على سياسة الجنرال وخياراته الجديدة، وسيعلن تجديد الثقة الشعبية به وتجديد التفويض الشعبي المعطى له".
وفي تقدير اوساط مراقبة ان المهرجان سيكون حاشدا وان" التيار الوطني الحر" أفاد من جملة عوامل لإقامة هذا الحشد: المناسبة ( ١٣ تشرين الأول/ أكتوبر) عزيزة على قلوب العونيين وهي في أساس تكوين التيار الذي يضع عودة الجنرال الى القصر الرئاسي في بعبدا هدفاً سياسيا "ثأرياً"... ، والحض على الرد على مهرجان " القوات اللبنانية" في حريصا، مضافا اليه بيان بكركي الذي أيقظ مشاعر وعصبيات نائمة لدى العونيين ، الى درجة ان مهرجان ١٥ تشرين/ أكتوبر بات موجها الى الداخل المسيحي ومدرجا في سياق الصراع المفتوح على الساحة المسيحية، قرارا وتمثيلا وزعامة، أكثر مما هو استفتاء على سياسات وخيارات وتحالفات خارج نطاق هذه الساحة.
ولكن سواء كان المهرجان استفتاء على الزعامة أو على "السياسة"، فإن نجاحه سيشير الى ان العماد عون نجح في الحفاظ على "جمهوره" رغم الخيارات والتحالفات التي عقدها وتحديدا مع" حزب الله" وهي خيارات مكلفة وتنطوي على أخطار سياسية وشعبية لأنها غير مألوفة في البيئة السياسية المسيحية، ولا تنسجم مع المفاهيم والسلوكيات التي نشأ ودرج عليها المجتمع المسيحي في العقود الثلاثة الماضية.
وبعد مهرجان حزب" القوات اللبنانية" ومهرجان" التيار الوطني الحر" تكتمل حلقة المهرجانات بمهرجان حزب الكتائب في عيد تأسيسه ال ٧٠ .. وهذه المهرجانات في ظاهرها علامة تنوّع وحيوية ودينامية على الساحة المسيحية، وفي باطنها ليست دليل "صحة وعافية" ولا تعكس "تنوّعا في الوحدة" ، بل تعكس "دينامية تشرذم" واحتكام الى الشارع الذي يزداد تأججا وتوترا... وهذه الخلافات المتجددة، وهذه العودة الى ذي بدء هي الآن سبب رئيسي من أسباب "الإحباط" المتجدد والمتمادي عند المسيحيين.
وانها لمفارقة حقا ألا يخرج المسيحيون من دائرة الاحباط رغم خروج سورية العسكري من لبنان وخروج لبنان من عصر الوصاية... وان يشكوا هؤلاء من خلافات قادتهم وتناحرهم بعدما كانوا أمضوا ١٥ سنة وهم يطالبون بعودتهم وينتظرونهم بفارغ الصبر ويعللون النفس ويعلقون الآمال.
١٥ سنة ومسيحيو لبنان المحبطون يطالبون بخروج سورية وعودة قادتهم. خرجت سوريا وعاد القادة، والاحباط ما يزال موجودا. جزء من المشكلة عندهم، جزء من المسؤولية يتحمّلونها، ولكن بالتأكيد ليس كل المشكلة وليس كل المسؤولية".