أخبار خاصة

ما رأيكم بإنقلاب عسكري؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


إيلي الحاج من بيروت: ليس مبالغة أبداً القول إن لبنان ذاهب إلى حرب في الداخل هذه المرة لم يعد ينقص لاندلاعها إلا إطلاق الرصاصة الأولى، هرق نقطة الدم الأولى . فإذا لم يُفك الحصار عن السرايا ، مقر رئاسة مجلس الوزراء في وقت قصير، ساعات وليس أياماً - ولن يُفك على ما أبلغت قيادة "حزب الله" قيادة الجيش اللبناني ليل أمس السبت- فإن أبواب الجحيم ستفتح على وسعها لكل الأفرقاء، للحكومة والمعارضة، 8 آذار/مارس و14 آذار/مارس، السنة والشيعة، للمسيحيين والدروز بطبيعة الحال. لا أحد سيبقى بمنأى عن تشظيات الإنفجار الذي يقترب بسرعة.

وصلت الأمور إلى هذه الحافة الشديدة الخطورة رغم كل التحذيرات من بلوغها لأن ثمة شعارات ووعوداً أعطيت بتحرك إعتراضي سلمي ديموقراطي سارت على أساسه تظاهرة "حزب الله" وحلفائه الجمعة الماضي. وكان قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان حاسماً في تأكيده للحكومة أن وحدات الجيش التي ستحتوي التحرك الشعبي المعارض لن تسمح بإغلاق أي طريق، ولكن فجأة مع إنتهاء التظاهرة في وسط بيروت بدأ المعتصمون نصب عشرات الخيم على قارعات الطرق والمفترقات المحيطة بالسرايا الحكومية، فطوقوها وأقفلوا منافذها من كل الجهات.

وهذا ما كان يحصل ليل الجمعة: يتقدم شبان من "حزب الله" إلى وسط طريق وينصبون خيمة للمعتصمين. يتوجه إليهم ضباط وجنود من الجيش ويطلبون منهم إبقاء الطريق مفتوحة ونقل الخيمة إلى الساحات ومواقف السيارات الواسعة، يرد الشبان أنهم لا يستطيعون إذا لم يتلقوا أوامر من قيادة الحزب، ليتبيّن إما أن هذه القيادة تفاوض بأسلوب قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع المجتمع الدولي حول ملفها النووي، وإمّا أن قيادة الجيش "متفهمة" زيادة عن اللزوم لأسباب لن تبقى طويلاً غامضة في هذه الحال، وإما أن تصميم الحزب "الإلهي" على ما تفعل هو تصميم لا نهائي حتى لو كلّفها الأمر مواجهة عسكرية مع الجيش الذي ستصبح وحدته وتماسكه في هذه الحال على المحك .
فهو في النتيجة مؤسسة تنعكس عليها صورة لبنان وانتماءات أبنائه الدينية والمذهبية والسياسية ، وربما تخشى قيادته في مناخ الإنقسام المذهبي الشديد الذي يسود البلاد تعريضه لاختبار قاس.

بالعودة إلى ما جرى ليلة إحكام الحصار : إنهالت على الفور إتصالات الحكومة على قيادة الجيش التي وجهت إنذاراً قوياً إلى الحزب فتح بنتيجته منفذاً إلى السرايا حمته مدرعات الجيش والجنود وسيجته بالأسلاك الشائكة . منفذ واحد فقط يستطيع "حزب الله" أن يغلقه ساعة يريد، وذلك لمروره في آخر جسر فؤاد شهاب المشرف على الوسط التجاري بمحاذاة محلة الخندق الغميق التي يسيطر الحزب عليها ديموغرافياً، مما يجعل الداخلين إلى مقر رئاسة الحكومة والخارجين منها تحت رحمته.

حصل ذلك قبل منتصف ليل الجمعة على أساس أن إقفال بقية الطرق لن يستمر أكثر من 24 ساعة . وها هو بعد ظهر الأحد ولا تزال الحال على حالها.

ثم هناك خيال إميل لحود في الجيش، فالقائد السابق للمؤسسة العسكرية الذي تسلق المواقع على أكتاف السوريين في زمن الوصاية الكاملة حتى أصبح رئيساً للجمهورية مرة ونصفاً، والذي يهدد بعدم ترك القصر الرئاسي حتى لو انتهت ولايته الممددة إذا لم تحصل إنتخابات نيابية مبكرة - على أمل التخلص من الأكثرية الحالية في البرلمان- لا يزال قادراً ربما على تحريك قوى في الجيش بدليل ما حدث في قرية شحتول الكسروانية حيث أُرسلت قوة كبيرة من المغاوير لتوقيف 9 مرافقين لرئيس مجلس إدارة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" يتمرنون كل يوم إثنين على إطلاق النار من أسلحة مرخصة في واد سحيق. قبل ذلك كان لحود يصرّح في شكل شبه يومي أنه لن يسمح بإعادة تشكيل الميليشيات وإعادة الحرب الأهلية ومشاريع الفيديرالية وما شابه، تمهيداً لسيناريو خيالي خرجت به محطة "المنار" لتلحق به وسائل أعلام متعاطفة مع "حزب الله" وطروحاته. خلال ساعات تبيّن أن المسألة زوبعة في فنجان وأن مرافقي الشخصيات إذا لم يكونوا يتدربون دورياً على إطلاق النار فيتصرفون في ساعة الحقيقة كمرافق الوزير الراحل بيار الجميّل، وهو رجل أمن لاذ بالفرار عندما سمع رشقات الرصاص القاتل، وقيل إنه أفاد في التحقيق بأنه حاول إطلاق النار لكن سلاحه "روكب" ( تعطل) .

لكن الحادثة، على سخفها، تطرح علامة استفهام كبيرة على دور لحود في "السيناريو"، وتالياً دوره في المؤسسة العسكرية التي لا يزال بصفته رئيساً للجمهورية قائدها الأعلى وفقاً للدستور. هل يمارس هذا الدور مع الحكومة التي يحاصرها عناصر "حزب الله" اليوم في السرايا؟

السؤال خطر جداً لكن الوضع أخطر بكثير وبيروت على برميل بارود. ويمكن من اليوم تخيّل أسوأ الكوابيس المحتملة بناء على وقائع. فأمس رُصدت تحركات لوحدة التصوير الحربي في "حزب الله" تلتقط صورأ للسرايا من كل الزوايا والجهات ، تماماً كما كان يفعل الحزب خلال التسعينات في الجنوب تمهيداً لهجوم على موقع إسرائيلي محصّن. على الأثر تدفقت وفود شعبية كثيفة من بيروت إلى السرايا دعماً للحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة الذي قال أنه لن يجمع أغراضه ويرحل، في رد غير مباشر على النائب الجنرال ميشال عون الذي انكشف سياسياً وشعبياً في بيئته المسيحية، وبقيت له نواة صلبة ضئيلة من تياره "الوطني الحر" تعد نحو 5- 6 آلاف معظمها طلاب أنزلها إلى التظاهرة وتدأب في الإعتصام. وفي حاله كان باعثاً على التأمل عشية التظاهرة التي ضمت حشوداً ضخمة من الشيعة الجمعة مشهد جماعات وأفراد يتوجهون من وسط بيروت إلى الضاحية الجنوبية بثيابهم البرتقالية، مشهد أوحى لبعض طيبي القلب تنامي شعبية الجنرال وحضور تياره في تلك البقعة ذات اللون المذهبي الواحد تقريباً.

والحال أن "حزب الله" لم يعد قادراً على التراجع ، وأن قرار "قوى 14 آذار/مارس" نهائي بعدم تسليم رأس السنيورة ومعه الحكومة بأكملها إلى السيد حسن نصرالله ، تماماً كما أن المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ، والمجتمع الدولي بأكمله غير وارد في حساباته تقديم لبنان للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومعها سورية . والحزب الإيراني العقيدة والهوى مضطر تالياً إلى مزيد من الجنوح نحو الضغط المباشر والأقوى إما بمهاجمة السرايا أو قطع أوصال العاصمة لشلها بأكملها، وإلا قضت المراوحة على حركته. إلا أن تصعيد التصعيد يحمل مجازفات هائلة بارتداد النتائج ضد الحزب الإلهي في شكل أسوأ من "حرب تموز/ يوليو" التي خاضها تحت شعار استرداد الأسير في إسرائيل سمير القنطار وانتهت بصدور القرار 1701 وعبارة السيد نصرالله الشهيرة "لو كنت أعلم...".

فماذا لو نفذت جماعات سنية في بيروت والمناطق تهديداتها بمحاصرة مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة وحبس الرئيس نبيه بري في داخله، كما يفعل "حزب الله" مع الرئيس السنيورة وبقية الوزراء؟ هل يفرق الجيش هذه الجماعات بالقوة، أم يعتمد التفهم والحكمة كما في وسط بيروت ؟ وماذا إذا نُفذت تهديدات أخرى بقطع الطرق بين البقاع وبيروت، وبين الجنوب وبيروت أياماً وأياماً للضغط على من يضغطون بقطع الطرق على السرايا، علماً أن البقاع والجنوب يشكلان الخزان الشعبي للحزب وجمهوره في الضاحية ؟

وفي أسوأ الإحتمالات والكوابيس ماذا إذا توجه "أهل بيروت" إلى الوسط التجاري لفك الحصار عن السرايا وفقاً لما يلوح بعض رجال الدين السنّة الذين بات شارعهم في حال غليان ويرون في ما يحصل مهانة واستهانة واستعلاء لا تتحمله فئة في لبنان، ولا طبيعة تركيبته الطوائفية المتعددة المتنوعة والفائقة الحساسية؟

أسئلة يفضل أي لبناني هذه الأيام ألا يطرحها أو يسمعها لئلا يصاب بالذعر، إلا إذا كان المقصود من دفع لبنان إلى حافة الهاوية في هذا الشكل تبرير خطوة دراماتيكية ألمح إليها الجنرال عون في حديث تلفزيوني أمس عن "خطة لدى المعارضة لتشكيل حكومة جديدة ، على أن يدرس الرئيسان لحود وبري سبل إقالة حكومة الرئيس السنيورة باعتبارها غير دستورية".

غني عن القول أنه بموجب الدستور المرتكز على إتفاق الطائف لا سبيل أمام رئيسي الجمهورية ومجلس النواب لإقالة الحكومة إذا لم يستقل رئيسها أو ثلث أعضائها أو يشغر موقع رئاستها بالوفاة ، مما يعني أن عون يتحدث عن إحتمال نشوء حكومتين في لبنان كما كان الحال بينه وبين الرئيس سليم الحص من 1988 إلى 1990.

لكن "الحكومة الثانية"، إذا كان "حزب الله" وبقية حلفاء سورية يفكران بها حقاً، لن يعترف بها أحد في العالم العربي والمجتمع الدولي وسترفضها قوى تحالف الغالبية وتقاومها شر مقاومة.
في هذه الحال ما رأيكم، تحت شعار "منع نشوب الحرب الأهلية"، بفكرة إنقلاب عسكري؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف