لا غالب ولا مغلوب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بلال خبيز من بيروت: يتبادل فريقا الموالاة والمعارضة في لبنان تهمة تعطيل المبادرة العربية في ما بينهما، وكل فريق يقذف بهذه التهمة على الفريق الآخر، في محاولة للتنصل من تبعات الانقسام السياسي الحاد الذي يشهده البلد. لكن الثابت امران في هذا السياق: الأول يتعلق بالمبادرة العربية نفسها والثاني يتعلق بخوف الفريقين من التلبس بجرم تعطيلها.
ما من شك ان نوايا ورغبات الأمين العام للجامعة العربية، والتي تعبر عن رغبات عربية غالبة، تهدف إلى تجنيب لبنان كأساً مرة، يعرف اللبنانيون اكثر من غيرهم مدى مرارتها. لكن المبادرة وهي تتمنى وترغب بذلك تعكس اتجاهاً عربياً عاماً وغالباً يرجو تأجيل الإنفجارات التي تهدد البلاد العربية في اكثر من موقع ومكان. وهذا السلوك العربي الغالب عموماً ينسحب بالدرجة نفسها على ما يجري في منطقة الخليج العربي وسبل المعالجات التي تعتمدها دول الخليج في مواجهة خطر ايراني سياسي وديموغرافي وثقافي في الوقت نفسه. ورغم تنامي التهديد الإيراني وخطورته على مجتمعات المنطقة العربية، إلا ان هذه الدول تحاول ان تبقي المواجهة تحت السيطرة وبما لا يجعلها تتفلت من كل عقال وتطيح بالأخضر واليابس ويكون من نتائجها ما لا يمكن التكهن به في اي حال من الأحوال.
وعلى المنوال نفسه لا تتحرك الجامعة العربية تحركاً فاعلاً في ما يخص مسألة التطهير العرقي في اقليم دارفور والمذابح التي تجري فيه. ويأتي التدخل الأثيوبي المدعوم دولياً في الصومال ليظهر المجموعة العربية في مظهر من يكتفي باصدار المواقف المبدأية بعيداً عن القدرة او النية على التدخل الفاعل.
قد لا يكون السلوك العربي جديداً ومستجداً في هذا السياق، إذ اتسم سلوك المجموعة العربية في السنوات الأخيرة التي اعقبت مؤتمر مدريد عام 1990، بسلوك من يراقب اطرافه تسقط تباعاً ولا يستطيع ان يفعل شيئاً لرد المصير الذي بات ينتظره. فترك الفلسطينيون وحدهم في صراع مرير مع اسرائيل وفي مواجهة تغليب اميركي لمصلحة اسرائيل على ما عداها من مصالح في المنطقة وتعنت اسرائيلي امام تلبية مطالب الحد الادنى الفلسطينية. مما دفع مشروع قوى الاعتدال الفلسطيني إلى مواجهة الحائط المسدود، وأمن لحركة حماس اكثر مبرراتها جوهرية، والمتعلق بالتعنت الإسرائيلي وانسداد الأفق امام التسوية السلمية من طريق المفاوضات، واضطرار الشعب الفلسطيني إلى تقبل اي دعم خارجي يدعم نضاله المشروع في تقرير مصيره وبناء دولته.
لكن صعود الأزمة اللبنانية إلى سطح الاحداث الكبرى في المنطقة بعد حرب تموز - يوليو وما تلاها، اشعر المجموعة العربية بالخطر الجدي الماثل امامها، فبعد خسارة سوريا باتخاذ موقف التحالف مع إيران، وانهيار العراق، فضلاًَ عن استفراد الفلسطينيين ودخول ايران لاعباً اساسياً في مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، بدا للمجموعة العربية ان خسارة لبنان ايضاً وغرقه في الفوضى الاهلية او إذعانه لشروط المحور الإيراني- السوري، يعني ان الضربات الموجعة بدأت تصيب الاعضاء الحيوية، وانه إذا كانت الرغبة المصرية - السعودية ما زالت قائمة في استرجاع سورية إلى الحاضنة العربية، فإن سقوط لبنان في الحضن الإيراني مذعناً، لا بد ان يضعف احتمالات عودة سورية إلى الحاضنة العربية بشكل كبير.
هذه التطورات المتسارعة دفعت الدول التي ما زالت تملك قدراً من التأثير والوزن في العالم العربي إلى التحرك بخطوات سريعة على الجبهات كافة، ابتداء من دول مجلس التعاون الخليجي التي خطت خطوات سريعة وفاعلة على طريق وحدة الهدف السياسي المرحلي، مروراً بالرغبة المصرية في العودة إلى التأثير في جوارها الفلسطيني، وصولاً إلى تماسك الموقف العربي حيال لبنان بما لا يدع مجالاً للشك في ان المنطقة مقبلة على تغييرات جوهرية وجذرية على مستوى اداء المجموعة العربية عموماً.
لكن هذا كله لم يجعل المبادرة العربية حيال لبنان والتي يقوم بها امين عام الجامعة العربية تستتحق ان تدعى مبادرة على اي محمل اخذناها، إذ ما زالت هذه المبادرة تهدف إلى تجميد الصراع اللبناني - اللبناني وتأجيل استحقاقاته الداهمة. وهذا مسلك طبع السلوك العربي حيال لبنان طوال زمن الهيمنة السورية عليه، وما زال راجحاً حتى الآن. مما جعل هذه المبادرة تتحول في سرعة قياسية إلى نوع من التمني الحار على اللبنانيين ان يجنبوا ادخال المجموعة العربية عموماً ولبنان في وجه خاص في امتحان عسير.
على هذا لا يجد الفريقان المتنازعان في لبنان سبباً لرفض هذه المبادرة، او الظهور بمظهر المتلبس بتعطيلها. خصوصاً ان مثل هذه المبادرة لا تعطل الحملات السياسية المتبادلة وحفلات التخوين والاتهامات التي يحفل بها لبنان هذه الأيام. فاللبنانيون ماضون في انقسامهم والمبادرة ماضية في التمني عليهم ان لا يوصلوا هذا الانقسام إلى انفجار لا يمكن ضبط نتائجه وتداعياته. والحق ان كلا الفريقين اللبنانيين يدركان جيداً ان الوضع اللبناني يختلف اختلافاً كبيراً عن الوضع في الصومال او في اقليم دارفور، وان اللجوء إلى الجراحات العسكرية او الأهلية المسلحة لن يوصل اي من الفريقين إلى تحقيق اهدافه على اي وجه من الوجوه. فحزب الله يريد ان يوافق الفريق الآخر على سياساته جميعاً وان يسوق لها، لأنه، اي الحزب لا يستطيع تسويق نفسه دولياً ومن دون هذا التسويق لا يستطيع الاستمرار في الثبات عند هذه المعادلة الناجحة التي تجعله يستثمر رصيد الفريق الآخر دولياً وعربياً في مشروعاته على نحو يجنبه الظهور بمظهر العاري من كل غطاء امام اي هجوم دولي او اقليمي عليه. اما الطرف الآخر المتمثل بفريق 14 آذار - مارس فيرى ان حزب الله ومقاومته تحصن الكيان اللبناني من تدخل اسرائيلي يعرف هذا الفريق جيداً مدى خطورته على الوضع اللبناني عموماً، مما يدفع اركان هذا الفريق المقررة إلى تجنب نفض اليد من حزب الله وسياساته بشكل نهائي وتعريضه تالياً لهجوم عنيف تبدي دول عدة في المنطقة رغبتها في الشروع به من دون حسابات تقيده كما جرى في الحرب الاسرائيلية الاخيرة عليه.
المراوحة اللبنانية في هذه المنطقة من انعدام الوزن مرشحة للإقامة مديداً في طبيعة الحال. لكن المجموعة العربية لا تملك فائضاً من الوقت كالذي يملكه فريقا الصراع اللبناني، ويجدر بها التحرك والضغط على وجه السرعة قبل ان ينتشر الفيروس اللبناني في سائر الاجسام العربية، وبعضها لا يملك مناعة الجسم اللبناني امام هذا النوع من الفيروسات والتي تحصلت له من محنة التاريخ الدامي الذي اختبر ثقله اللبنانيون جيداً في حروبهم الاهلية.