لبنان: شهر التحديات القاسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اقرأ أيضا:الحوار بين اللبنانيين يحركه الملف الايراني إيلي الحاج من بيروت: إلى ماذا استند رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليقول ليل أمس في مقر البطريركية المارونية في بكركي إن موضوع رئاسة الجمهورية سيكون منتهياً قبل14آذار( مارس) المقبل، الذكرى الأولى للتظاهرة الضخمة التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان؟ السؤال حيّر السياسيين والصحافيين الذين شخصوا بعيونهم إلى شاشات التلفزيون وهي تنقل حديث الرجل الذي لم يعرف عنه المزاح في المسائل السياسية، والذي فوّضه حلفاؤه رئيس تيار"المستقبل" و"اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط والرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميّل وغيرهم، قيادة التحرك الرامي إلى تنحية الرئيس إميل لحود.
وقال جعجع إنه خرج من لقاء البطريرك الماروني نصرالله صفير "مرتاحاً جداً"، صفير كان اشترط في اليوم السابق أن تكون تنحية لحود بوسائل دستورية قانونية وليس باللجوء إلى الشارع، وزاد أنه يريد اتفاقاً على البديل. قال رئيس القوات إن البديل سيكون جاهزاً قبل إقالة لحود وسيرضي البطريرك، وإن الموضوع "على نار غالية وليس عالية فحسب". وأضاف أن هناك خطة لهذه الخطة ولم يكشف ما هي، ولكنه كان قد صرح سابقاً أنها قانونية دستورية شعبية سياسية. بعده وصل إلى بكركي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون واختلى بالبطريرك ثلاثة أرباع الساعة وغادر بلا تصريح.
وقبل الزيارتين كانت قد انحلت عقدة المقعد الشاغر في دائرة بعبدا - عاليه على قاعدة التوافق بين الرجلين بناء على إلحاح صفير، قال جعجع إن هذه المسألة أصبحت ثانوية حيال الموضوع الأكبر الذي لا تراجع عنه، معلناً أن الوزراء المنتمين إلى "قوى 14 آذار/ مارس" لن يشاركوا بعد اليوم في جلسات مجلس الوزراء التي تنعقد برئاسة لحود في بعبدا، ومؤكداً في الوقت نفسه موافقة هذه القوى على المشاركة في الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري محددا موعده يوم 2 آذار(مارس) في البرلمان، "من دون أن يعني ذلك وقف تحركنا في اتجاه قصر بعبدا". واليوم زار النائب السابق بيار دكاش جعجع في مقر إقامته في الأرز والتقاه وأعضاء كتلته النيابية، على أن يعلن التوافق غداً ( إلا إذا وقعت مفاجأة في اللحظات الأخيرة، ولبنان بلد المفاجآت) على قاعدة أن يكون دكاش غير منتمِ إلى أي كتلة أو فريق. وصرح الجميّل أن لا مانع من هذا الاتفاق إذا حالت أسباب قانونية دون ترشح رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، باعتباره رئيساً لبلدية دير القمر.
إنما هذا الموضوع تفصيلي. ماذا عن الهدف الأكبر لجعجع وحلفائه: إميل لحود؟
منذ الجمعة بدأ التحضير لإطلاق عريضتين، الأولى يوقعها نواب الأكثرية (71 نائباً من 128) على أن تعتبر رئاسة لحود "غير شرعية" لأن التمديد له حصل عبر "التهديدات السورية" لأكثرية النواب، وتدعو الى تنحيه . والثانية يوقعها النواب الذين كانوا في عداد مجلس النواب السابق الذين "خضعوا للضغوط السورية" في حينها للموافقة على تعديل الدستور من أجل تمديد له، وعددهم زهاء 52 نائباً. ويتردد أن تحالف الأكثرية ينوي اعتبار الرئاسة شاغرة نتيجة هاتين العريضتين، مع عرض اثباتات لتعرض النواب للضغوط والتهديد، ولا يستبعد مراقبون دخول الأمم المتحدة على الخط مجدداً بالإستناد إلى البند الأول من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي صدر في 2 أيلول (سبتمبر) 2004 وينص على إجراء انتخابات رئاسية من دون تدخل او تأثير خارجي، الأمر الذي لم يحصل، بل جاء التمديد بالإكراه السوري لولاية لحود ثلاث سنوات.
لكن الدستوريين يجمعون على أن العريضتين النيابيتين لا تشكلان آلية قانونية لإقالة لحود التي تظل تحتاج إلى موافقة ثلتي أعضاء مجلس النواب على إجراء تعديل دستوري، الأمر الذي لا يتوافر للغالبية النيابية إلا إذا توصلت إلى اتفاق مع أحد ثلاثة يمتلكون كتلاً نيابية: الرئيس بري، الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الجنرال عون. وبري غير وارد عنده فك التحالف مع الحزب الشيعي الأقوى والذي يدين له الرجل ببقائه وحركته "أمل" في موقعهما، ونصرالله يدرك بوضوح أن تنحية لحود ضربة أولى كبيرة وأساسية لحزبه، وعون عبّر عن موقفه بوضوح صباح اليوم أحد مساعديه الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرة، إذ أعلن أن "المسألة محلولة، فليعلنوا رغبتهم في العماد عون رئيساً ولا تعود ثمة مشكلة" . كتلة عون وحلفائه نواب مدينة زحلة في البرلمان تضم 21 عضواً، بانضمامهم إلى الأكثرية يغادر لحود قصر بعبدا في اليوم نفسه ، وسبق أن أعلن بوضوح استعداده للاستقالة إذا كان خلفه الجنرال عون.
جعجع قال في بكركي إنه لن يقبل أن يضع أحد "فيتو" على ترشح العماد عون، وجنبلاط يدعو الجنرال إلى أن يكون مرشحاً بين مرشحين ، لكن هذا الكلام لا يمر عند عون الذي يعلم بأمر اتفاق عقده أركان الغالبية الحريري وجنبلاط وجعجع في باريس منذ أشهر - كشفته "إيلاف" في حينه- على انتخاب النائب بطرس حرب للرئاسة، وإلا النائب السابق نسيب لحود. ولن يساهم عون في إسقاط لحود إذا لم يحصل مسبقاً على اتفاق مضمون وأكيد يجعله سيد القصر الجمهوري من بعده، مما يقتضي أن يكون المرشح الوحيد للمنصب.
لكن جنبلاط يقول إنه يوافق على هذا الشرط إذا وافق عليه بطريرك الموارنة، وصفير لا يمكنه أن يوافق على هذا العمل اللا ديمقراطي والذي يحمل التبعات إن على صعيد مستقبل الرئاسة مع عون صاحب المفاجآت تاريخياً، وإن على صعيد علاقة الصرح البطريركي مع بقية أفراد الرعية.
وفي الواقع يصعب جداً أن يوافق سعد الحريري على ترئيس عون الذي صرح أنه يريد محاكمة والده الرئيس رفيق الحريري ، حتى لو كان ميتاً، على ما يسميه الجنرال الفساد والإهدار اللذين أديا إلى تراكم ديون ب 40 مليار دولار على لبنان. كذلك يصعب تخيّل موافقة جنبلاط الذي لا يطيق تكرار رؤية حامل نجوم عالية في قصر بعبدا، ومثله سمير جعجع الذي ضنّ عليه عون في ما مضى وفي عز الحرب بورقة تفاهم كالتي سلَمها إلى السيد حسن نصرالله وسلًم بها ببقاء "حزب الله" وحده على سلاحه في زمن السلم وإلى أجل غير محدود.
أي أنها الدوامة نفسها يدور فيها لبنان منذ 14 آذار(مارس) الماضي. فمن أين سيأتي جعجع لصفير بمرشح يرضيه ويعيد للرئاسة عزها كما قال، ويجعل عون يقبل بالسير في إقالة لحود ؟ ومن دون عون كيف سيستطيع فريق الغالبية المصمم والحاسم تنفيذ وعده ووعيده؟ لو لم يكن المتحدث بهذا الكلام جعجع لكان يجوز القول إنه تهويل ومزاح، وكذلك لو لم يكن سعد الحريري "يراهن" محادثيه على أن لحود لن يكون في 14 آذار(مارس) المقبل ويؤيده في قوله النائب غسان تويني.
سيكون هذا الشهر صراخ وكلام كثير وحبر عرائض تحت قبة البرلمان، وهتافات في الشارع وإضرابات مفتوحة واعتصامات وربما مسيرات إلى قصر بعبدا حيث يهدد لحود هو الآخر بحل البرلمان ويعجز، لأنه لا يمتلك أكثرية الثلثين في الحكومة ولا موافقة رئيسها فؤاد السنيورة. ولا يمكن في هذه الحال استبعاد احتمال تسيير تظاهرات مضادة لأنصار "حزب الله" من الضاحية الجنوبية، وربما من "التيار الوطني الحر" إلى القصر تأييداً لرئيسه، وكذلك احتمال تحرك الحرس الجمهوري لحمايته من المتظاهرين. أي أننا أمام شهر التوتر الكبير في البلد الصغير. الله يستر.