لبنان الحاضر- الغائب في الخرطوم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: يقول دبلوماسي يتابع بحكم موقعه في بيروت التحضيرات للقمة العربية التي ستعقد في الخرطوم إن ملف العلاقات اللبنانية - السورية لن يكون مدرجاً في جدول أعمال القمة لأن أيا من الدولتين لم تطلب ادراجه، لكنه سيكون حاضرًا بقوة في الكواليس واللقاءات التي تعقد على هامش القمة التي ستعطي الملف اللبناني أولوية على غرار الأولوية التي توليها للعراق وفلسطين، وستأخذ في الاعتبار نتائج مؤتمر الحوار الوطني الدائر فيه وتشكل الأساس الصالح لانطلاق اي مبادرة عربية في المستقبل بطلب من الحكومة اللبنانية والمتحاورين أنفسهم، سواء في موضوع مشكلة الرئاسة الجمهورية او في ملف العلاقات اللبنانية السورية.
أما جدول أعمال القمة فيتضمن فقرتين وبندا واحدا، متصلة في صورة غير مباشرة بالعلاقات اللبنانية السورية. تتعلق الفقرة الأولى من مشروع القرار ب "التضامن مع الجمهورية اللبنانية"، والثانية ب "الجولان العربي السوري المحتل"، أما البند في مشروع القرار فيتعلق ب "رفض العقوبات الاميركية الأحادية الجانب المفروضة على الجمهورية العربية السورية". علماً أن رئيس الجمهورية إميل لحود لن يلقي كلمة في المؤتمر ، مما أخرج موضوعاً إضافياً من حلبة التجاذب السياسي الدائ، إذ كانت الغالبية في الحكومة تصر على الإطلاع على الكلمة التي كان سيلقيها والموافقة عليها مسبقاً لأنها تلزم لبنان الرسمي وحكومته ، في حين كانت أجواء لحود تميل إلى رفض هذا الطلب وتعتبره "مهيناً" للرئيس في شكل ما .
مشكلة الرئاسة
ولكن أين أصبح ، في هذا الوقت ، الحوار الداخلي اللبناني الذي يزمع القادة العرب دعمه ؟ رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يعترف تكرارا أمام من يلتقيهم من المسؤولين الأجانب المهتمين بوجود صعوبات تواجه التوصل إلى اتفاق على موضوعي التغيير في رئاسة الجمهورية وسلاح "حزب الله" في اطار استراتيجية دفاعية، في حين يردد أركان تحالف "14 آذار/ مارس" المناهض لسورية ان الوضع" أصبح صعبا". ويعتبر هؤلاء الأركان في تحليلهم لما حدث ان تحديد موعد الحوار اللبناني الداخلي بعد عشرة أيام فقط من التظاهرة الضخمة التي شهدها وسط بيروت في 14 شباط/ فبراير وما تخللها من هجوم كاسح لقادة حركة" ١٤ آذار/مارس" على لحود بهدف اطاحته ، كان من أهدافه الحد من اندفاعة "الانتفاضة" وحرفها عن هدفها الأساسي في هذه المرحلة والمتمثل بحمل رئيس الجمهورية على التنحي. وجاءت انطلاقة الحوار مترافقة مع عودة الرئيس السوري بشار الاسد المفاجئة الى الاتصال بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك في محاولة لإحياء أي مبادرة عربية تعرقل القضاء على حليفه الأقوى لحود وتضمن لدمشق حصولها على دور وموقع في حال الاتفاق عربيا على تغيير لحود مقابل تنازلات لبنانية معينة، مما يؤكد ان السوريين عبر حلفائهم في بيروت مستعدون لفعل أي شيء ولوضع كل العقبات في وجه محاولات اطاحة حليفهم في القصر الجمهوري اللبناني، اذ يدركون ان تنحيه سيكون البداية الحقيقي لقيامة لبنان النهائية لأن خليفته سيضمن تطبيق القرارات الدولية بحذافيرها، وهذا لا يناسب توجهات النظام السوري.
ويؤكد أركان الأكثرية المناهضة لدمشق في لبنان أنها عادت الى التشدد والتدخل في لبنان انطلاقا من قراءة سياسية خاصة بها للتطورات تدفعها الى الاستقواء وخوض لعبة تحسين شروطها في أي تسوية لبنانية، فمن فوز حركة "حماس" الى المشكلة الاميركية في العراق وما يحكى عن حوار اميركي - ايراني يمكن ان يفتح الباب لحوار اميركي - سوري، الى تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي البلجيكي سيرج براميرتز الذي تحدث عن تعاون سوري، ترى سورية ان وضعها بات أفضل وان عامل الوقت في مصلحتها، مما يدفعها إلى الاستمرار في سياستها وقراءتها الخاطئة للأوضاع والمراهنة علىالمتغيّرات الدولية والإقليمية والمحلية في لبنان ، وفي ظل أجواء كهذه لا يعود واردا ان تتعامل بمرونة وايجابية مع الوضع اللبناني، إلى درجة أنها رفضت ضمناً استقبال الرئيس السنيورة في إطار مسعى منه بدعم وقرار من الأركان المتحاورين لتسوية ما أمكن من الخلافات بين البلدين.
عقدة "حزب الله"
يضاف إلى هذا التراجع في الإيجابيات، تراجع طرأ على مواقف" حزب الله" في مجال التعهدات التي قطعها في جولات الحوار ، وتمثل في مبادرة الحزب الشيعي الى الدفاع عن لحود وتأكيده الواضح التمسك ببقائه في سدة الرئاسة، رافضا ان يكون لحود المقصود شخصيا بكلام حليف الحزب، رئيس حركة "أمل" ومجلس النواب بري في نهاية الجولة عن "أزمة الحكم" . وهو ما يتعارض مع ما كان "حزب الله" ذهب اليه في تلك الجولة من اقرار بوجود أزمة حكم وبضرورة حدوث تغيير رئاسي... وبالتالي فإن دفاع حزب الله عن لحود الذي يأتي في سياق التناغم مع الموقف السوري يبعث برسالة سياسية واضحة الى مؤتمر الحوار فحواها انه لا يقبل المساس بلحود، وأنه غير مستعد للخوض في الموضوع الرئاسي الا وفق شروط وضمانات مسبقة.
واذا كانت هذه وجهة نظر "الأكثرية" المصدومة من موقف "حزب الله"، فإن مصادر سياسية مطلعة ترى ان الحوار وصل الى مرحلة حاسمة وحساسة بوصوله الى الملف الرئاسي، وعاد الى "المربع الأول" حيث كانت " قوى ١٤ آذار/مارس" تلوح ب "ورقة الشارع" والفريق الشيعي ومعه الجنرال الطامح إلى الرئاسة ميشال عون يلوحون بورقة الانتخابات المبكرة وحكومة الأقطاب. مما يعني أن الخروج من المأزق الرئاسي سيكون صعباً جدا في ظل تضارب المصالح والاتجاهات، باعتبار ان تحالف" ١4 آذار/مارس" يريد رئيسا من صفوفه، فيما الجنرال عون يريد رئيسا من ضمن "المعادلة القائمة " على الأرض" حيث يرى نفسه الأكثر تمثيلاً، و"حزب الله" ليس مستعدا للتفريط بورقة رئاسة الجمهورية الا مقابل ضمانات سياسية لسلاحه ودوره في المرحلة المقبلة رغم نفيه المتكرر يومياً لمقولة المقايضة بين الموضوعين.
أما سورية فتحرص على" امتيازاتها" في لبنان ولن تدع عملية اعادة رسم الخريطة السياسية والمعادلة في لبنان تستكمل بمعزل عن نفوذها... وأما الدول العربية الوسيطة والراعية فإنها تتعامل مع الوضع اللبناني على أساس جدول أعمال متكامل من بنوده الملف الرئاسي الذي خرج عن طاولة الحوار اللبناني، ولم يعد في الامكان الحديث عن رئيس "صنع في لبنان". هذا إذا كان ثمة رئيس جديد في الأفق.