لحود ما قبل التقاعد
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الرئيس إميل لحود ما قبل التقاعد
بلال خبيز من بيروت : نجح الحوار اللبناني - اللبناني في وضع هوية مزارع شبعا قيد تطورات المستقبل اللبناني - اللبناني وتأجيل استحقاقها، ولم يعد خطر حضورها داهماً في المناقشات اللبنانية. لكن الحوار لم يقتصر في نتائجه على هذه النتيجة اللافتة. إذ افتتح الحوار معطلاً دور رئيس الجمهورية. كان رئيس الجمهورية خارج طاولته، وكان ذلك، ولا يزال، يعني ان الرئيس لم يعد يستطيع ان يلعب دوراًً مهماً على المستوى السياسي اللبناني. وانه ينتظر نهاية ما تنهي دوره على نحو من الأنحاء. ويمكن القول ان رئيس الجمهورية اليوم يعيش لحظة ما قبل تقاعده السياسي. فلم يعد يستطيع الصمود لاعباً سياسياً بقوة دفع ذاتية. هذا ما جاءت الدعوة إلى الحوار لتلحظه حين استثنت رئيس البلاد من الجلوس إلى طاولة الحوار، وهذا ما أكدته وقائع الأسابيع السابقة.
إقرأ أيضا بطريرك الموارنة: لحود غير قادر على الحكم
وكان آخر تجلياتها ، ارتماء الرئيس في الحضن الاخير المفتوح له ، وتسليم كافة اوراقه لحزب الله على نحو نهائي . واليوم حين يعلن الرئيس نبيه بري ان المطروح هو: هل يقبل الرئيس لحود ان يستقيل ؟ فإنه يقول بكلام موارب ، هل يمكن للأطراف اللبنانية المطالبة بتنحية الرئيس لحود ان ترضي "حزب الله" فيتخلى عن ورقة لحود ؟ والحق ان قوى 14 آذار تلقفت الرسالة سريعأً في بيان البريستول الذي صدر غداة انعقاد الجلسة الخامسة من الحوار وانفضاضها على ما يشبه اللاإنجاز، فهددت بالانتقال إلى النقطة الثانية التي تلي نقطة تنحية الرئيس لحود إذا لم يقدم الطرف الآخر جديداً على هذا المستوى. اي الانتقال إلى مناقشة مصير سلاح حزب الله ودور المقاومة. ذلك ان قوى 14 آذار كانت تتخوف من ان يكون تطويل البحث في مشكلة الرئاسة اللبنانية الأولى انما يهدف في بعض جوانبه إلى استئخار البحث في نزع سلاح "حزب الله" او تنظيمه. ومن مصلحة الحزب ان يماطل في اقرار هذه الورقة وان يرفض التنازل عنها، لأن جدول نقاط الحوار سينتقل إلى المناقشة والمزايدة على رأسه، ما ان يفرغ المتحاورون من موضوع رئاسة الجمهورية.
لجأ رئيس الجمهورية إلى الموقع الأخير الذي يخوله البقاء في سدة الرئاسة أطول مدة ممكنة. والحق انه بهذا اللجوء جعل موقع الرئاسة ومقامها اضعف مما كانا عليه من قبل. فالرئيس الذي بدا على قناة "الجزيرة" صاحب رأي اكثر مما هو صاحب موقع، وانه ينطق باقتناعاته وليس بناء على مصالح الفئة التي يمثلها، إذ لم يعد يمثل فئة ولا ينطق بلسان مصالحها، لم يجد بداً من موالاة فئة فاعلة وقادرة والارتماء في أحضانها. كما لو انه أراد ان يوحي ان مقام الرئاسة ودورها إنما اصبح في عداد المنسيات. وان مهمة التعطيل التي يجيد الرئيس ممارستها، تعطل عمل الدولة برمتها، فلا ينجح الممسك بأعنة السلطة التنفيذية ان يحكم ما دام ثمة موظف كبير يستطيع تعطيل مقرراته ، ويمنعه من تنفيذها.
والحال ، لم يعد فريق 14 آذار يستطيع ان يحكم في السلطة التنفيذية من دون ان يلجأ إلى الخروج على الأعراف والتقاليد المرعية بين رأس السلطة ومرؤوسيه. على هذا بدا ان تردد الاقطاب السياسيين الكبار في الدخول إلى الحكومة وايفاد موفدين عنهم، من سعد الحريري، إلى وليد جنبلاط، فحسن نصرالله، فسمير جعجع، بمثابة اعتراف ضمني بأن الحكومة لا تحكم، وتالياً بأن الرئيس ليس رئيس البلاد.
من جهة أخرى، لم يستطع الرئيس لحود ان يثبت نفسه ومقامه ومنصبه بوصفه معتمداً من معتمدي السياسة السورية في لبنان. وهو والحق يقال، خسر القوة التي يمكن الاعتماد عليها في تثبيت نفسه وكيلاً حصرياً او شبه حصري للسياسة السورية. لكنه ما زال إلى حد بعيد، يستطيع ان يعرقل كل محاولة لإزالة الأثر السوري من الحياة السياسية اللبنانية. فهو، وسورية من ورائه، يدافع عن الآثار المتبقية من السياسية السورية ومما تبقى من حلمها بالهيمنة وبسط النفوذ على لبنان.
لم يعد الرئيس لحود في مقام من يستطيع ان يعاود بناء اسباب قوته، لكن مناوراته الطويلة النفس لا تجعل الطرف الآخر ضعيفاً في الميدان. جل ما تفعله هذه المناورة لا يتعدى اضعاف الدولة وبنيتها لصالح بنى ما قبل دولتية وما زالت تحبو بين المعضلات. وعلى مثال ما تستطيع سورية تعطيل اثبات لبنانية مزارع شبعا وترسيم الحدود بين البلدين ، لكنها لا تستطيع ان تعطل اجماع اللبنانيين على هذين الأمرين، فإن الرئيس لحود يستطيع ان يعطل الدستوري والقانوني والرسمي من السياسة اللبنانية، لكنه لا يستطيع ان يعطل الاحتشاد الأهلي لدى خصومه. ويكاد يكون الرئيس لحود هو الرئيس الأول في تاريخ لبنان الذي يصعب عليه ان يلعب دوراً سياسياً او معنوياً بعد انتهاء ولايته، سواء أنهاها ممددة ام تمت تنحيته بطريقة ما. ذلك انه في ما يذهب إليه وما يمارسه من سياسة، هو على الأرجح لا يملك خياراتها كلها، يشبه إلى حد بعيد الطريقة السورية في إدارة المعركة مع الأكثرية اللبنانية منذ خروج جيشها من لبنان. قد يرضخ هؤلاء لبعض الشروط السورية في المقبل من الأيام لأنهم يريدون المحافظة على بلدهم والتطلع إلى مستقبله. لكن ما تربيه السياسة السورية في لبنان لم يعد أكثر من تغذية مشاعر الانفصال والاستعداد للطلاق النهائي بين البلدين عند اي بارقة أمل.
وهذه المرة لا يتعلق تطلب الانفصال بحلم دولتي كما كان في عهود بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب، بل باحتشاد اهلي لا تنفع معه الاتفاقات والمعاهدات. وعلى غرار ما تكون رسمية وقانونية معاهدة كمب ديفيد بين مصر واسرائيل غير ذات جدوى في تطبيع العلاقات بين البلدين المرتبطين بمعاهدة سلام، فإن المطالب السورية في طريقها لو تسنى لها ان تفرض فرضاً على لبنان ان تصبح حبراً على ورق.
تذهب الهجومات الإعلامية السورية على قياديين لبنانيين إلى نوع من الظن بأن مثل هذه الهجومات قد تجعل من الإدارة السورية قادرة مرة أخرى على تنفيذ سياسة قطاع الطرق في لبنان، بمعنى ان تبتز اللبنانيين غير القادرين على معاملتها بالمثل، وقد تكون محقة في ذلك. لكن قوة التدخل السوري في لبنان كانت على الدوام مركونة ومرتبطة ارتباطاً مباشراً بموالاة شطر لا بأس به من المجتمع الأهلي اللبناني لسورية وتفضيل الصلة بها على الصلة بمباني الدولة اللبنانية. والحق ان الإدارة السورية اليوم وهي ترفض وتماطل وتحجب وتمنع أي تسوية مع اللبنانيين إنما تغامر في ان تربح على الورق وتخسر في الوقائع. تماماً مثل الرئيس لحود الذي هو دستورياً رئيس البلاد، لكنه أضعف سياسيي البلد قدرة على التأثير والحشد.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف