جنازة الإسكندرية مظاهرة غاضبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هتافات ضد مبارك والإرهاب والمعالجة الحكومية
جنازة الإسكندرية تتحول إلى مظاهرة غاضبة
نبيل شرف الدين من الإسكندرية : وسط أجواء محتقنة، ومشاعر غاضبة، وإجراءات أمنية مكثفة، حيث اصطف آلاف الجنود والضباط أمام كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية الساحلية شمال مصر، حيث شيعت جنازة نصحي عطا الله جرس، الذي لقي مصرعه في حوادث الاعتداءات التي طالت عدة كنائس بالإسكندرية يوم أمس الجمعة، واتهمت السلطات شخصاً واحداً يدعى محمود صلاح الدين عبدالرازق، بالضلوع في ارتكاب تلك الحوادث التي راح ضحيتها قتيل واحد، وخمسة مصابين فضلاً عن ترويع مئات الأقباط الذين كانوا يصلون في كنائسهم، كما وصف بيان لوزارة الداخلية المتهم بأنه "مضطرب نفسياً"، الأمر الذي اعترض عليه بشدة جميع الأقباط الذين تحدثت معهم (إيلاف)، كما حملوا الحكومة المسؤولية عما حدث، قائلين إن هناك قصوراً أمنياً واضحاً في حماية كنائسهم، إذ انحصرت الحراسة على جندي مسن وحيد، تحدث بعض رواد الكنيسة عن قيامه بإطلاق أعيرة نارية مكنت المتهم من الفرار، وذهبوا إلى حد اتهامه بالتواطئ مع المتهم .
يا مبارك يا طيار
وبينما تجمع الآلاف من الشباب القبطي أمام كنيسة "القديسين" في الإسكندرية، فقد تحولت الجنازة إلى مظاهرة عاصفة، وهتف المتظاهرون ضد الرئيس المصري حسني مبارك وحكومته، ورددوا هتافات منها "بالروح .. بالدم نفديك يا صليب" و" يا مبارك فينك فينك" و"دم القبطي مش رخيص" و"الصحافة فين .. الإرهاب أهه"، و"يا محجوب قول الحق .. هو واحد ولاّ لأ"، في إشارة إلى عبد السلام محجوب محافظ الإسكندرية، و"يا مبارك يا طيار قلب القبطي مولع نار"، وحمل المتظاهرون الغاضبون لافتات كتبت عليها عبارات "لن نغادر مصر إلا إلى السماء"، "متى يتوقف اضطهاد الأقباط"، كما حملوا عشرات الصلبان الخشبية، واللافتات الضخمة ومكبرات الصوت .
وقد حاصرت القوات المظاهرة الهادرة، للحيلولة دون تحركها إلى خارج ساحة الكنيسة، حيث أقيم صلاة "قداس الجناز" على جثمان المتوفي، ورفع أحدهم لافتة كتب عليها : "يا وزير الصحة .. هل يوجد مرض اسمه جنون قتل الأقباط" التوقيع مهندس جورج إسكندر بطرس، واختلطت الهتافات بصوت أجراس الكنيسة التي كانت تقرع أثناء "القداس"، في مشهد امتزج فيه مشاعر الغضب بالحزن وبدا واضحاً أن حجم الاحتقان السائد أكبر من كل التوقعات، كما بدا لافتاً حضور أقباط من محافظات أخرى خارج الإسكندرية إذ حمل بعضهم لافتات تشير إلى كنائس في القاهرة وصعيد مصر لإظهار التعاطف مع ذوي ضحايا الاعتداء على الكنائس يوم أمس الجمعة .
مختل نفسياً
في جانب آخر من المشهد وقف عدد كبير من كبار ضباط الشرطة ورؤساء أجهزة الأمن والمباحث جنباً إلى جنب مع قادة الحزب الوطني (الحاكم) وأعضاء المجلس المحلي لمدينة الإسكندرية، والمجلس المليّ بالإسكندرية، ومندوب عن البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط، الذي التزم الصمت حتى الآن، ولم يعقب على هذه الأحداث بعد، غير أن الملاحظ هو حجم الغضب العارم الذي عبرت عنه هتافات المتظاهرين، والاعتراض الثائر على بيان وزارة الداخلية الذي أشار إلى أن المتهم "مضطرب نفسياً"، وهو ما اعتبره المتظاهرون تبرئة للجاني قبل بداية التحقيق، ومنحه "رخصة براءة" مقدماً، يمكن أن يستفيد منها أثناء محاكمته، ووصف عضو بالمجلس المليّ ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ اعتبار المتهم "مضطرباً عقلياً" بأنه إغلاق لملف التحقيق قبل أن يبدأ، وتساءل مستنكراً : كيف تسنى لمحافظ الإسكندرية ووزارة الداخلية ووسائل الإعلام الحكومية أن يعرفوا ما إذا كان المتهم مريضاً نفسياً، قبل عرضه على الأطباء ؟، وأضاف وإذا كان مريضاً نفسياً حقاً فلماذا لا يعتدي إلا على المسيحيين وكنائسهم ؟، هل يميز المختل بين قبطي ومسلم ؟، وهل يصدق المصريون أن شخصاً واحداً يمكنه الاعتداء على عدة كنائس في أماكن متفرقة من المدينة، ثم يوصف بأنه "مختل" ؟، وأشار إلى مجزرة بني مزار في محافظة المنيا، التي اتهمت فيها أجهزة الأمن شخصاً قيل إنه أيضاً مختل عقلياً، وهو ما تندرت عليه الصحف المعارضة والمستقلة وقتها، وتساءلت كيف تسنى لمختل أن يقتل ثلاث عائلات في أماكن متباعدة من القرية، وكيف لم يواجهه أي من الضحايا بمقاومة تذكر ؟، وبدا أن الأقباط في عموم مصر لا يصدقون أن المتهم مختل عقلياً، فضلاً عن كونه متهماً واحداً فقط تمكن من تنفيذ جريمته بين عدة كنائس دون معاونة من أحد، وذهب البعض إلى القول بوجود تنظيم ديني متطرف وراء الأحداث .
وقال شهود عيان إن المتهم كان يهتف أثناء اعتدائه على الأقباط "فداك يا رسول الله"، "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مما يشير إلى تورط إسلاميين في الأمر، كما اتهم الشهود الأمن بالتقصير في حراسة الكنائس، ولم يستبعدوا تكرار مثل هذه الحوادث مجدداً خاصة في ظل استمرار مناخ الاحتقان الطائفي .
أجراس وزغاريد
وما أن خرج نعش الضحية من داخل الكنيسة عقب الصلاة عليه، حتى أطلقت أجراس كافة كنائس الإسكندرية دقات الشهيد، وانطلقت زغاريد النساء، وراح المتظاهرون يرددون ترانيم حزينة بدلاً من الهتافات، وقد لاحظنا بكاء العشرات من الرجال والسيدات في مشهد مؤثر، وبعد أن نقل الجثمان في طريقه إلى مثواه الأخير تأججت المظاهرات مجدداً، وانطلقت من ساحة الكنيسة إلى الشارع الرئيسي الموازي لكورنيش الإسكندرية، تحيط بها قوات الأمن، ولم تشهد مصادمات أو أية أعمال عنف، رغم سخونة الأجواء والاحتقان والهتافات الغاضبة المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، كما طالب المتظاهرون أيضاً بحقوق مواطنة كاملة للأقباط، وأبدى عدد من الشباب القبطي رغبته صراحة بتدويل القضية القبطية، كما تحدثت معهم (إيلاف) فأشاروا إلى قائمة طويلة من المطالب تصب جميعها في خانة الحقوق والواجبات المتساوية ومراجعة ما تبثه وسائل الإعلام من مواد تحريضية تسفه معتقدات المسيحيين، وتشيع مناخاً من الكراهية والتعصب والاحتقان، للحد الذي باتت معه الصدامات الطائفية ممارسات متكررة، وحذر الأقباط الذين تحدثت معهم (إيلاف) من إمكانية تصاعد المشاعر الغاضبة لدى المسيحيين، وما قد يترتب على ذلك من صدامات .
وعلمت (إيلاف) من مصادر مطلعة أن تحريات المباحث أشارت إلى أن المتهم يقيم بجوار الكنيسة الأولى التي شهدت واقعة الاعتداء وانه الأخ الأكبر لثلاثة أشقاء ووالده متوف، ويعمل بسوبر ماركت مجاور للكنيسة منذ عام تقريباً، وأنه في يوم الحادث قام بفتح المحل بمعاونة ابن مالكه ثم أخذ سكينتين كبيرتين مخصصتين لقطع "البسطرمة" والجبن، وأبلغ نجل المالك انه سيقوم بقطع قالب "لانشون" موضوع بواجهة المحل ثم اختفى .
وأضافت التحريات الأمنية التي كشف عنها مصدر قريب من التحقيقات الجارية بمدينة الإسكندرية، إلى أن المباحث عثرت على السكينتين في حيازة المتهم في الكمين الذي أعد له أمام كنيسة ماري جرجس بمنطقة الإبراهيمية بالإسكندرية بعد ان قام بتنظيف السكينتين في ملابس المصابين .